Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

عزام أبو السعود.. فنانٌ يُحيِي فنَّ “الأرابيسك” بتصاميمِ منزلِه في القدسِ

تقرير :السعادة

عندَ وصولِه لسنِّ التقاعدِ عامَ (2013)؛ قرّرَ أنْ يكونَ سِنُّه التقاعدي شيئًا مختلفًا عمّا يسمعُه عن المتقاعدينَ الذين يَقضونَ أوقاتَهم أمام المقاهي، أو الجلوسِ داخلَ المنزلِ دونَ أيِّ أنشطةٍ تُذكَرُ، فقرَّرَ شراءَ بعضِ الأدواتِ والمعدّاتِ البسيطةِ، وممارسةَ هوايتِه القديمةِ.

في منزلِه الذي تحيطُه شجيراتَ الزيتونِ المغروسةَ في الأرضِ، تعتلي جدرانَه من الداخلِ لوحاتٌ مزَخرفةٌ بطريقةٍ عبقريةٍ، تُشبِهُ زخارفَ المسجدِ الأقصى، والبلدةِ القديمةِ، تشتمُ عبقَ الجدرانِ عن بُعدِ أمتارٍ، تتأمّلُ تفاصيلَ هذا البيتِ طويلًا، وكلُّ لوحةٍ تُجيبُ الزائرَ عن معنى أنْ تكونَ مقدسيًّا في وسطِ احتلالٍ يكتُمُ الأنفاسَ.

“المُتحفُ”

يقعُ منزلُ الفنان المقدسي عزام أبو السعود (72 عامًا)، أو كما يُحبُّ أن يُسمِّيه “المُتحف”، في شارعِ بانوراما في حيِّ راس العامود، حيثُ يتميّزُ بالبناءِ المَقدسي القديمِ، والذي يحاولُ فيه إحياءَ موهبتِه بالحِرفِ التراثيةِ، بأسلوبِه الخاصِّ، ومعدَّاتِه داخلَ منزلِه المكوّنةِ من الخشبِ والألوانِ والزجاجِ الملوّنِ.

يقولُ لـ “السعادة”:” قادَني حُبي واطِّلاعي واهتمامي  بتاريخِ الزخارفِ الإسلاميةِ، ومصادرِها، وبداياتِها، وكيف وصلتْ إلى هذا الشكلِ، وكيف تطوّرتْ تاريخيًّا، إلى دراسةِ الفنونِ الزخرفيةِ في العالمِ، وتطوُّرِها، وسببِ تسميتِها “أرابيسك” عندَ العربِ؛ كَونَها كانت موجودةً في العهدِ “الإغريقي، واليوناني، والروماني، والبيزنطي”، ولكنْ كان للعربِ إضافاتٌ كثيرةٌ، ولمساتٌ مختلفةٌ جمعتْ بينَ أكثرَ من عملٍ، كالمخاريطِ الخشبيةِ، والتوريقاتِ المأخوذةِ من أوراقِ الشجرِ والزهورِ، أوِ الحَفرِ على الخشبِ.

يجتهدُ المَقدسي “عزام أبو السعود” لإحياءِ حِرفٍ تراثيةٍ في مدينتِه المقدسةِ، كالخشبِ المُزخّرفِ، والخشبِ المُعشّقِ، والزجاجِ الملوّنِ، الذي قضى طفولتَه في باحاتِ المسجدِ الأقصى، إلى أنْ انتقلَ من البلدةِ القديمةِ إلى بلدةِ بيت حنينا، وهناكَ تعلّمَ في مدارسِ القدسِ، ثُم انتقلَ إلى جامعةِ القاهرةِ، ومنها نالَ شهادةَ “بكالوريوس” في التجارةِ عامَ (1971)، ولاحِقًا الماجستيرِ إدارةِ المؤسساتِ من الولاياتِ المتحدةِ.

و”أبو السعود” ليس فنانًا تشكيليًّا فقط؛ فهو متعدّدُ المواهبِ: اقتصادي، روائي، مسرحي، وكاتبُ مقالاتٍ تنوّعتْ بين الفكرِ والسياسةِ والتاريخِ الشفَويّ لمدينةِ القدسِ، ومؤخرًا اهتم بإعادةِ إحياءِ فنِّ “الأرابيسك” في منزلِه.

يضيفُ: “مدينةُ القدسِ تعيشُ في داخلي، وأحاولُ تجسيدَ ذلكَ بتصاميمِ فنِّ “الأرابيسك”، الذي يُشبِهُ زخارفَ المسجدِ الأقصى، والبلدةِ القديمةِ، أرسمُ الأشكالَ والتصاميمَ، وأنقلُها على برامجِ الحاسوبِ، ثُم يتمُ تنفيذُها من قِبلِ نجّارينَ، في محاولةٍ لإعادةِ إحياءِ هذا الفنِّ الموجودِ في مدينةِ القدسِ”.

دِقّةٌ متناهيةٌ

وعن طبيعةِ التصاميمِ التي تضمُ لوحاتُ “أبو السعود”، يخبرُنا أنها مكوّنةٌ من الأشكالِ الهندسيةِ المحفورةِ بدِقّةٍ متناهيةٍ، وأوراقِ الأشجارِ والزهورِ، مستخدمًا خشبَ البلوطِ في عملِ “الأرابيسك”، الذي يتحمّلُ درجاتِ الحرارةِ المختلفةَ في فصلَي “الصيفِ والشتاءِ”، موضحًا أنَّ فنَّ “الأرابيسك” ازدَهرَ في العهدِ الإسلامي، وآثارُه موجودةٌ في المسجدِ الأقصى وقبّةِ الصخرةِ، لافتًا أنّ هذا الفنَّ بدأ يندثرُ تدريجًا، ولم يَعُدْ موجودًا إلا قليلاً.

 عكفَ المقدسي “أبو السعود” على ترميمِ بيتِه، وتحويلِه إلى مُتحفٍ يضمُ مشغولاتِ “الأرابيسك”، التي يُنجزُها بالحفرِ على الخشبِ، مستخدِمًا في ذلكَ بعضَ الآلاتِ، ومَكنِ (CNN)؛ لأجلِ تنفيذِ الحَفرِ وفقَ التصميمِ المرادُ تنفيذُه، تليها خطوةُ تنظيفِ الخشبِ، وتحضيرِه، وقصِّ الزجاجِ وتلوينِه، أو تعشيقِه حسبَ العملِ المرادُ تصميمُه، ويحرِصُ على استخدامِ الألوانِ الأصليةِ  في التراثِ، كذلكَ الأشكالُ الموجودةُ في المسجدِ الأقصى، أو قبّةِ الصخرةِ.

ويقولُ لـ “السعادة “:” يقاربُ عمرُ البيتِ الذي أسكُنُه قرابةَ (150) عامًا، فهو موجودٌ من نهاياتِ الدولةِ العثمانيةِ، ولم يستخدمْ فيه أيُّ نوعٍ من الإسمنتِ، أو الحديدِ، لذلكَ حافَظَ على شكلِه القديمِ، منوِّهًا أنه عملَ على تجديدِ الشبابيكِ مستخدِمًا الخشبَ بدَلًا من الألومنيوم، رغمَ التكلفةِ العاليةِ، وأعاد فيها نسقَ الشبابيكِ التي كانت موجودةً في “الزاويةِ الفخرية” التي هدَمَها الاحتلالُ عامَ (1968) في السنةِ التاليةِ لاحتلالِ القدسِ، كَونَ هذه الزاويةِ تطلُّ على حائطِ البراقِ، واعتقدوا أنها استكمالٌ لحائطِهم كما يعتقدون، ولذلكَ تمَّ هدمُها بالكاملِ رغمَ أنها مبانٍ مملوكيةٌ بُنيتْ في القرنِ الثاني عشر.

مقاومةُ التهويدِ

 ويرى “أبو السعود” أنّ الهدفَ ممّا يقومُ به إظهارُ الجوِّ العربيّ والإسلاميّ لمدينةِ القدسِ وعراقتِها وعروبتِها، وإفشالُ المخطّطِ الإسرائيلي الذي يهدفُ تهويدَ البلدةِ القديمةِ بشكلٍ عامٍّ، وإضفاءُ صبغةٍ يهوديةٍ عليها؛ ليشعرَ الزائرُ أنه في بلدٍ يهودي، حتى أنهم يعمدونَ عندَ استيلائهم على أيِّ بيتٍ؛ رفعَ العلمِ الإسرائيليّ عليه. ويحلمُ الرجلُ الموهوبُ بأنْ يعيدَ من خلالِ الأعمالِ الزخرفيةِ الإسلاميةِ التي يصمِّمُها؛ إحياءَ مدينةِ القدسِ، وإعادةَ الطابعِ العربي لها كَجزءٍ من مقاومةِ تهويدِ شكلِ المدينةِ، التي يقومُ بها الاحتلالُ؛ وذلكَ من خلالِ عملِ نوافذَ ومشربياتٍ في أزِقّةِ وشوارعِ البلدةِ القديمةِ.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى