المرأةُ والاستقرارُ الأُسري
الاستقرارُ الأُسري هو الذي يمنحُ أفرادَ الأسرةِ الأمانَ، ويُشعِرُهم بالطمأنينةِ، ويحمي الأبناءَ من الانحرافِ والتشرُّدِ والجريمةِ؛ والمرأةُ الزوجةُ، والأمُّ هي صمامُ الأمانِ في هذا المضمارِ، وهي الرُّكنُ الذي يقعُ عليه العبءُ الأكبرُ في إحداثِ حالةِ التوازنِ داخلَ الأسرةِ، ونشرِ المحبةِ والدفءِ بينَ ربوعِها، وهي الطرَفُ الأكثرُ حرصًا على تماسُكِ الأسرةِ وعدمِ تفكُّكِها غالبًا، وقد أثبتتْ كثيرٌ من الدراساتِ أنَّ التفكُّكَ الأُسري من أهمِّ الأسبابِ التي تؤدّي إلى انحرافِ الأبناءِ، وهو عاملٌ رئيسٌ في انتشارِ السلوكياتِ الخاطئةِ، و كذلكَ الجريمةِ، التي تستنزفُ طاقةَ وإمكاناتِ المجتمعاتِ، في تعديلِ هذه السلوكياتِ، أوِ الدفعِ باتجاهِ تقليلِ معدَّلاتِ الجرائمِ، والحفاظِ على الأمنِ العام، فالجريمةُ تُرهِقُ كاهِلَ المجتمعِ وتُعيقُ حركتَه، وتُعطِّلُ مسيرتَه.
لذلكَ، يجبُ علينا المحافظةُ على الأسرةِ وتعزيزُ الروابطِ بينَ أفرادِها، ولا يتحقّقُ ذلكَ إلا بتحقيقِ الانسجامِ والوئامِ بينَ الزوجينِ، وعدمِ الانصياعِ لكُلِّ الدعواتِ والبرامجِ المُمولّةِ الهادفةِ لهَدمِ الاستقرارِ الأُسرى؛ تحتَ مُبرِّراتٍ واهيةٍ في ظاهرِها حقوقُ وحريةُ وحمايةُ المرأةِ، وفي باطنِها نزعُ المرأةِ من حاضنتِها ومملكتِها، ومن دَورِها الحقيقِ في بناءِ الأسرةِ، والحفاظِ على استقرارِ ولُحمةِ المجتمعِ، وتعزيزِ نقاطِ قوّتِه ومفاصلِ صمودِه.
وقد أرشدَنا القرآنُ الكريمُ إلى العديدِ من الوسائلِ التي تُحقّقُ للأسرةِ استقرارَها، وتحفظُ لها تماسُكَها، فكان الزواجُ ميثاقًا غليظًا، وكانت المعاشِرةُ بالمعروفِ، والمعاملةِ الحسنةِ؛ هي التي تُديمُ الألفةَ بينَ الزوجينِ، ومن ذلكَ قولُه تعالى﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾، لِما لهذهِ المعاملةِ الحسنةِ من آثارٍ في تقويةِ أواصرِ المحبةِ بينَهم، وكذلكَ جعلَ المودةَ والرحمةَ هي عمادُ الأسرةِ.
إنّ تحديدَ الحقوقِ والواجباتِ في داخلِ الأسرةِ، ومعرفةَ كلٍّ من الزوجينِ ما له، وما عليهِ؛ يحدُّ من ظهورِ المشكلاتِ، ويمنعُ من وقوعِ الخلافاتِ والنزاعاتِ، وهو من الضماناتِ المُهمّةِ للحدِّ من التعسُّفِ في استعمالِ الحقوقِ والتعدّي فيها؛ إذْ إنَّ التوازنَ بينَ الحقوقِ والواجباتِ يحفظُ للأسرةِ تماسُكَها وترابُطَها، فقال تعالى ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، ولقد ابتُلينا في هذا الزمانِ بالاجتزاءِ، وأقصِدُ هنا بالاجتزاءِ هو تعليمُ الأفرادِ وخاصةَ النساءَ الحقوقَ دونَ الواجباتِ، فدائمًا ما نستمعُ إلى خطابِ الحقوقِ، دونَ الإشارةِ الصريحةِ للواجباتِ، فَفرَّطَ الناسُ بواجباتِهم، وتمسَّكوا بحقوقِهم، فكان الترويجُ لحقِّها في العملِ، والطعنُ في واجبِها في العنايةِ بأطفالِها، وخرجوا علينا بتريند ” مش مَجبورة”! وكان الترويجُ لحقِّ المرأةِ في جسَدِها دونَ الإشارةِ إلى واجبِها في حِفظِ أمنِ مجتمعِها، وحمايتِه من الانحرافِ، وانتشارِ الرذيلةِ، وتمَّ الترويجُ لحقِّها في اتّخاذِ القراراتِ التي توفّرُ لها الراحةَ، دونَ التعرُّضِ لواجبِها في أخذِ المصلحةِ العامةِ للمجتمعِ بعَينِ الاعتبارِ، وأنَّ الشورَى ودراسةَ كلِّ قرارٍ في إدارةِ الأسرةِ _بغَضِّ النظرِ عن المصالحِ الفرديةِ_ هو الأَولَى، لِما في ذلكَ من تحقيقِ مَصالحَ أعظمَ، واستقرارٍ أُسري، يحفظُ حياةَ وكرامةَ المرأةِ، وزوجِها وأبنائها، ويُلقي بظلالِه على المجتمعِ، فيكونُ الصلاحُ عُنوانَ هذه المجتمعاتِ، وكلمةَ السرِّ في تقدُّمِها وتطوّرِها.