عادةً ما يدورُ كلامُ الناسِ في لقاءاتِهم ومناسباتِهم واجتماعاتِهم حولَ الحديثِ المتكرِّرِ؛ “استَعينوا على قضاءِ حوائجِكم بالكتمانِ”، فمُعظمُ الناسِ يظنّونَ أو يعتقدونَ أنّ الغايةَ من وراءِ هذا الحديثِ؛ هي تَجنُّبُ الحسدِ والعينِ، ولكنّ المُرادَ من وراءِ ذلكَ أبعدُ وأعمقُ بكثيرٍ ممّا يذهبُ له النّاسُ.
اجتهدتُ في كتابةِ هذا المقالِ؛ لكي أوصِلَ ما أريدُه من فكرةٍ أو غايةٍ أو هدفٍ من ورائه، وأشرحَ سريعًا ما أريدُه من وراءِ عبارةِ “استَعينوا بالكتمانِ”.
استَعينوا بالكتمانِ؛ حتى لا تُصابوا بخيباتِ الأملِ علانيةً، فهي أكثرُ إيلامًا، فالكتمانُ غالبًا يُعدُّ طريقةً مُناسِبةً لحمايةِ نفسِك من الإحباطِ، وتُجنِّبُ نفسَك التعرُّضَ للسّخريةِ أو الرفضِ من المجتمعِ، وليس من الخطأِ مُشاركةُ صديقٍ عزيزٍ أو قريبٍ حبيبٍ لتلكَ الأفكارِ.
استَعينوا بالكتمانِ؛ لأنّ الكلامَ عن أحلامِكم ومشاريعِكم سهلٌ، ويجعلُكم تتوقَّعُونَ من أنفُسِكم الكثيرَ الكثيرَ، وعندما تُحقِّقونَ القليلَ؛ ستَشعرونَ بالفشلِ، لأنّ سقفَ التوقّعاتِ الذي أعلنتُم عنه بات عاليًا جدًّا، ومن الصعبِ الوصولُ إليهِ، وتَحقيقُه بشكلٍ كاملٍ.
استَعينوا بالكتمانِ؛ لأنّ الأحلامَ الجميلةَ أيضًا تتعرّضُ للسَّرقةِ، تتعرضُ للسَّرقةِ من بائسٍ يضعُ العِصيَّ في العجلاتِ، أو من فارغٍ يقتاتُ على تنفيذِ مشاريعِ الغيرِ، فتذهبُ أحلامُكم لغيرِكم من اللُّصوصِ.
استَعينوا بالكتمانِ؛ لأنّ كثيرًا من طَّاقاتِ الناسِ_ والشبابِ تحديدًا_ يُسرِفُ في الأقوالِ إنْ لم يُقرِنْها بالأفعالُ والأعمالُ والإنجازاتُ على أرضِ الميدانِ والواقعِ، فتذهبُ هباءً منثورًا، فيَبقى أثرُ كلماتِها ألمًا مغروسًا في النفوسِ، كالدبابيسِ التي تشكُّ القلوبَ كُلما جاءت ذكراها.
استعينوا بالكتمانِ؛ لأنّ فرحةَ الوصولِ إلى قمّةِ الأهدافِ وحدَكم وبجهدِكم؛ لا تُقدَّرُ بثَمنٍ، فرحةً لا يمُنُّ عليكم فيها أحدٌ، ولا يُحمِّلُكم أحدُهم “جميلةً”.
استَعينوا بالكتمانِ؛ حتى لا تكونوا ضحايا للفاشلينَ الفارغينَ الحسودينَ الحقودينَ، الذين لا يحبّونَ الخيرَ للناسِ، ويمشون في طريقِ الشَّرِّ غالبًا.
استَعينوا بالكتمانِ؛ حتى لا تُكشفَ أسرارُكم أمامَ الآخَرينَ، لاسيما أمامَ الطَّالحينَ الذين لن ترحمَكم سِهامُ غدرِهم وعدوانِهم.
استَعينوا بالكتمانِ؛ حتى لا يُستغلَّ ضعفُكم، وحتى لا يُساءَ فَهمُكم، وحتى لا تُجرحَ مشاعرُكم، وحتى لا تُحرِجوا أنفسَكم، وحتى لا تُسبِّبوا المشاكلَ لذواتِكم، وحتى لا تَخسروا أنفسَكم ولا الناسَ من حولِكم، وحتى لا تَفقدوا فُرصَ نجاحِكم، هذه نصيحةٌ من مُحِبِّكم وصديقِكم.
