“عينُ الهويةِ”… مُتنفَّسٌ فلسطينيٌّ آخَرَ يُعاني الويلاتِ ..

تحقيق : السعادة
يُعَدُ “عينُ الهويةِ” أحدَ أشهَرِ مَعالمِ بلدةِ حوسانَ، وأكبرِ عيونِ المياهِ فيها، التي يبلغُ عددُها (25) عينًا وينبوعًا موَزَّعةً على مناطقَ مختلفةٍ في وسطِ وأطرافِ البلدةِ، وجزءٌ منها يخضعُ لسيطرةٍ “إسرائيلية” كاملةٍ، لوجودِها في منطقةِ “ج”، ويحتوي على نَفقٍ طولُه (30-35)م، في آخِرِه غرفةٌ تتدفّقُ منها مياهٌ عذبةٌ جدًّا من كلِّ مكانٍ، وبفعلِ استمرارِ نزولِ وتدَفُقِ المياهِ، شكّلَ الصخرُ صواعدَ ونوازلَ نتيجةَ عواملِ التجوية في مشهدٍ فنيٍّ جميلٍ.
حرمانٌ من الحقوقِ
يعدُّ موقعُ “عين الهوية” في بلدةِ حوسانَ، إلى الغربِ من بيتَ لحم أحدَ المواقعِ الثريّةِ بالمياهِ، والخلابةِ بالمناظرِ، وهو مصدرٌ مائيٌّ، ومكانٌ للتنزُّهِ وللترفيهِ على المواطنينَ، وبالتالي فهو مُستهدَفٌ من قِبلِ قواتِ الاحتلالِ، التي تسعَى جاهدةً للاستيلاءِ على مصادرِ المياهِ كافةً في الضفةِ الغربيةِ، وتحويلِها إلى المستوطناتِ، مُقابلَ حرمانِ الفلسطينيينَ من حقِّهم في هذه المياهِ، وتحديدِ نِسَبِ استفادتِهم منها في بعضِ الأحيانِ.
على الرغمِ من وجودِ “عين الهوية” في وسطِ البلدةِ، إلّا أنها تُصنَّفُ بمنطقةِ “ج” حسبَ اتفاقيةِ أوسلو، ما يثيرُ مخاوفَ الأهالي من سيطرةِ الاحتلالِ عليها في أيِّ لحظةٍ.
تَعودُ الينابيعُ في بلدةِ حوسانَ إلى الفترةِ الرومانيةِ، وبالتالي لها مكانةٌ تاريخيةٌ وأثريةٌ، يترَدَّدُ عليها السياحُ الفلسطينيونَ من مُدنِ الشمالِ والجنوبِ.
يسمَّى نبعُ “عين الهوية” أو “مغارة الشموع”- يقعُ في وادٍ بينَ جبالٍ تكسوها أشجارُ الزيتونِ، وتتوسطُها أراضٍ تُزرعُ بالخضرواتِ، وبطريقةٍ بدائيةٍ، ومن كثرةِ عيونِ وينابيعِ المياهِ الطبيعيةِ في المنطقةِ، سمّاها الفلسطينيونَ “وادي العيونِ”، وتمتدُّ من قريةِ “بَتِّير” حتى بلدةِ حوسانَ غربَ بيتَ لحم.
تاريخُ ينابيعِ المياهِ الجوفيةِ في بلدةِ حوسانَ، يعودُ إلى الفترةِ الرومانيةِ، ولها مكانةٌ تاريخيةٌ وأثريةٌ، ويتردّدُ عليها السياحُ الفلسطينيونَ من مُدنِ الضفةِ.
تاريخُ ينابيعِ المياهِ الجوفيةِ في بلدةِ حوسانَ؛ يعودُ إلى الفترةِ الرومانيةِ، ولها مكانةٌ تاريخيةٌ وأثريةٌ، إذ يقعُ نبعُ “عين الهوية” في وادٍ بينَ جبالٍ تكسوها أشجارُ الزيتونِ، وتتوسَّطُها أراضٍ تُزرعُ بالخضرواتِ وبطريقةٍ بدائية .
وتتدَفّقُ المياهُ من كهفٍ ضيّقٍ من باطنِ إحدى جبالِ حوسانَ، وتَتجمّعُ في بركةِ مياهٍ أقيمتْ قبلَ الاحتلالِ الإسرائيلي.
ويُعَدُّ الموقعُ ذو الطبيعةِ الخلابةِ مُهمًّا لأهالي البلدةِ، الذين يرونَ فيه مُتنفّسًا لهم، وعادةً ما يزورهُ فلسطينيونَ من مختلفِ مُدنِ وبلداتِ الضفةِ الغربية.
محاولاتٌ للاستيلاءِ
في حين عبَّرَ “محمد السباتين” _رئيسُ مجلسِ قروي حوسانَ_ عن خَشيتِه من سيطرةِ الاحتلالِ على هذه العينِ، لوجودِها على موقعِ السياحةِ “الإسرائيليةِ؛ ما يَشي بمحاولةِ الاحتلالِ تحويلَها إلى منطقةٍ “إسرائيليةٍ بَحتة، وأكّدَ “السباتين” تَردُّدَ مئاتِ المستوطنينَ إلى المنطقةِ، وممارسةَ طقوسِهم الدينيةِ فيها.
يقولُ : أكثرُ من نحوِ (300) مستوطنٍ تردَّدوا على هذه المنطقةِ، وقاموا بالسباحةِ، ومارَسوا الطقوسَ الخاصةَ بهم، والرياضة”.
يضيفُ: “في هذه المنطقةِ لدَينا أكثرُ من (25) دونمًا، وهي أراضي مَرويةٌ تعودُ لكافةِ عائلاتِ البلدةِ، ولدَينا نسبةٌ لا يُستهانُ بها من المواطنينَ الذين يعتاشونَ ويرتزقونَ من هذه الأراضي، التي نراها أمامَنا، سواءً كانت زراعةً صيفيةً أو شتويةً، ويستفيدُ المزارعونَ في بلدةِ حوسانَ من “عين الهوية” في رَيِّ عشراتِ الدونماتِ المزروعةِ خلالَ العامِ الواحدِ، كما تستخدمُ أيضًا في الصناعة.
في حين أوضحَ رئيسُ المجلسِ القروي؛ أنَّ الاحتلالَ ليس بحاجةٍ لسببٍ أو مُبرِّرٍ للسيطرةِ على المنطقةِ، وخاصةً أنها تُصنَّفُ “ج”، فمن السهلِ أنْ يقومَ بذلكَ عِلمًا بأنها قريبةٌ من منطقةٍ صناعيةٍ قادمةٍ يتحدثُ عنها الاحتلالُ.
يُذكرُ أنّ استيلاءَ الاحتلالِ على “عين الهوية” سيُشكِّلُ خسارةً كبيرةً لسكانِها العاملينَ بالزراعةِ والصناعة.
شريانُ الحياةِ
أبو خالد (45)عامًا، مزارعٌ في “عين الهوية”، يَعدُّه شريانَ الحياةِ في المنطقةِ، والمزارعونَ يروونَ أراضيهم منها، إذ يستفيدُ الأهالي منها ماديًّا من الخضارِ، وإذا زادَ المحصولُ يتمُّ بيعُه، فهي مصدرُ رزقٍ لعددٍ كبيرٍ من المواطنينَ، وهي أراضي خصبةٌ ومُنتِجةٌ باستمرارٍ، خاصةً للخضارِ الصيفيةِ وحتى الشتويةِ”.
يقولُ: إنّ وجودَ المستوطنينَ، وجنودِ الاحتلالِ باستمرارٍ في المنطقةِ، يشكّلُ ضربةً قاسيةً على السكانِ، في حالِ تمَّ الاستيلاءُ عليها، فهي مسقطُ رأسِنا، ومصدرُ رزقِنا، ومَلجأنا الوحيدُ في الحياةِ، وسندافعُ عنها بكلِّ ما أوتينا من قوةٍ .
في حين يقولُ أبو شريف (65) عامًا:” إنّ الأرضَ والنبعَ يُمثلانِ الحياةَ بالنسبةِ له ولسكانِ بلدتِه، البالغِ عددُهم (8) آلافِ نسمةٍ، وإسرائيلُ قادرةٌ على فعلِ ما تريدُ بقوةِ السلاحِ، لكنَّنا باقونَ في أراضينا، ولا حقَّ لهم في نبعِ المياهِ، إذ يعتمدُ عشراتُ المزارعينَ في حوسانَ على مياهِ النبعِ لِرَيِّ زراعتِهم صيفًا.
يضيفُ: إنَّ مستوطنينَ يهودَ يأتونَ لزيارةِ الموقعِ، ويَقضونَ أوقاتًا طويلةً، وهناك مخاوفُ من السيطرةِ عليه وعلى الأراضي المجاورةِ له.
صادقتْ الحكومةُ الإسرائيليةُ في اجتماعِها الأسبوعي على إقرارِ ميزانيةٍ ب(120)مليونَ شيكل (33) مليونَ دولارٍ، على امتدادِ (3) سنواتٍ، ضمنَ مشروعِ قرارٍ يهدفُ إلى الحفاظِ على الآثارِ وحمايتِها في الضفةِ الغربيةِ، قدّمَه وزيرُ التراثِ الحاخام “أميحاي إلياهو”، والماليةِ “بتسلئيل سموتريتش”، والسياحةِ “حاييم كاتس”.
وصُنّفتْ أراضي الضفةِ بحسبِ الاتفاقيةِ (3 )مناطقَ: “أ” تخضعُ لسيطرةٍ فلسطينيةٍ كاملةٍ، و”ب” تخضعُ لسيطرةٍ أمنيةٍ إسرائيليةٍ، ومَدنيةٍ وإداريةٍ فلسطينيةٍ، و”ج” تخضعُ لسيطرةٍ مدنيةٍ وإداريةٍ وأمنيةٍ إسرائيليةٍ.
وقفةٌ جادَّةٌ
ويؤكّدُ رئيسُ المجلسِ المَحلي “سباتين”، إنّ “مزارعي المنطقةِ يعتمدونَ على نبعِ الهويةِ لرَيِّ مزروعاتِهم التي يعتاشون منها”.وتقسمُ المياهُ لكُلِّ مزارعٍ وفقَ نظامٍ معتمدٍ منذُ مئاتِ السنواتِ.
وينفي “سباتين” أيَّ حقٍّ للجانبِ الإسرائيلي في الموقعِ، وقال “عينُ الهوية” نبعُ مياهٍ فلسطينيٌّ، يقعُ على أراضي بلدةِ حوسانَ، ولا يوجدُ أيُّ حقٍّ إسرائيليّ تاريخيّ أو دينيّ فيه”.
يبيِّنُ أنّ السلطاتِ الإسرائيليةَ تمنعُ السلطاتِ المحليةَ الفلسطينيةَ من ترميمِ أو تأهيلِ محيطِ النبعِ؛ بحُجّةِ أنه يقعُ ضمنَ أراضي مصنَّفةٍ “ج”.
ولفتَ إلى أنّ أهالي القريةِ يُصِرّونَ على الدفاعِ عن ممتلكاتِهم وإرثِهم وتاريخِهم، ولن يسمحوا لإسرائيلَ بالسيطرةِ عليها بكُلِّ السُّبلِ، بما فيها المَحاكم.
ودعا المجتمعَ الدولي للضغطِ على السلطاتِ الإسرائيليةِ لِكَفِّ يدِها عن النبعِ وممتلكاتِ المواطنينَ.
منذُ ساعاتِ الفجرِ الأولى، والفلسطيني “محمد شوشة”، يعملُ في مزرعتِه الواقعةِ على مقربةٍ من نبعِ مياهِ “عين الهوية” في بلدةِ حوسانَ الأثريةِ، بمحافظةِ بيتَ لحم جنوبيَّ الضفةِ الغربيةِ، ويعتني “شوشة” (69 عامًا) بمزرعتِه التي يعتاشُ منها، وتبلغُ مساحتُها نحوَ دونمٍ (ألفِ مترٍ)، ويسقيها من مياهِ “نبع الهوية”، كما اعتادَ على ذلكَ منذُ أنْ كان طفلاً، غيرَ أنه اليومَ يتخوّفُ من تنفيذِ قرارٍ إسرائيليٍّ يقضي بالسيطرةِ على النبعِ، وضَمِّه لسلطةِ السياحةِ والآثارِ الإسرائيليةِ.