Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تحقيقات

“صاحبُ القرآنِ لا يَهرم”

صفوةُ الحُفاظِ أجيالٌ تتسابقُ لحفظِ القرآنِ

تحقيق : السعادة

وقتَ السَّحرِ، وقبلَ طلوعِ الفجرِ تأَهَّبتْ الحافلاتُ لِملءِ مقاعدِها بصفوةِ الحفّاظِ للوصولِ بهم إلى باحاتِ المساجدِ الثلاثِ، وعلى غيرِ المعتادِ تَحوّلُ ليلُ قطاعِ غزةَ إلى نهارٍ؛ يَعُجُّ بالحركةِ وضجيجِ التحضيرِ، للبدءِ بإطلاقِ حلقاتِ السَّردِ القرآنيةِ لـ (1471) حافظًا وحافظةً، ومِثلَهم تمامًا أعدادُ السامعينَ والسامعاتِ للعامِ الثاني على التوالي.

ومنذُ أنْ بدأتْ حكايةُ المشروعِ القرآنيّ الكبيرِ؛ بدأتْ تتكشفُ معه آلافُ القصصِ والحكاياتِ وكواليسَ لن يكفيَ هذا التقريرُ لِعَرضِها، لكنّها نماذجُ مُبهِرةٌ ومُلهَمةٌ في ذاتِ الوقتِ، رُوِيَتْ أثناءَ لحظاتِ السَّردِ لـ”وكالةِ الرأي” على لسانِ أصحابِها.

على كلتا رُكبتَيها جَثتْ تُرتّلُ صفحاتِ القرآنِ، وتُنهي الجزءَ بعدَ الآخَرِ، وكأنّها تتحدثُ إلى نفسِها، غيرَ آبِهةٍ بالمئاتِ من حولِها، لكنّها حملتْ على وجهِها دليلاً يَجذبُ المارِّينَ من حولِها لسماعِ ترتيلِها، فهي تضعُ نظارةً شمسيةً تُخفي ظُلمةَ عيونِها، وتُزيِّنُه بابتسامةٍ لا تُفارِقُها.

مُلهَمةٌ

هنا وسطَ مسجدِ التقوى، تغنّتْ الحافظةُ لكتابِ اللهِ، والسارِدةُ لآياتِه؛ الكفيفةُ صابرين مُنية “37 عامًا”، فكانت مَحَطَّةً للزائرينَ، ومُلهِمةً لغيرِها؛ لجمالِ صوتِها، وتَمكُّنِ لسانِها من سلاسةِ ترتيلِ صفحاتِ القرآنِ.

“بعدَ أنْ كان حُلمي الالتحاقَ برَكبِ الحفّاظِ، وتمكَّنْتُ من ذلكَ بتوفيقٍ وفتْحِ من اللهِ، الآنَ أحلمُ أنْ أسرُدَ القرآنَ على جلسةٍ واحدةٍ، على مسامعِ النبيِّ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلَّم”، تقولُ الساردةُ “مُنْيَةُ”، والحاصلةُ على ثماني قراءاتٍ بتقديرِ امتيازٍ.

مُصحفُ “برَيل” المخصَّصُ للكفيفةِ “صابرين”؛ كان مُعينًا ورفيقًا لها على طولِ ثلاثِ سنواتٍ، أمّا القراءاتُ فقد حصلتْ عليها عبرَ الشروحاتِ السمعيةِ، وتمكَّنتْ منها، وكان السَّندُ الغيبيُّ من نصيبِها بعدَ اجتهادِها وتمسُّكِها بحُلمِها.

على يمينِ المسجدِ، اعتلَتْ الساردةُ المُسِنَّةُ فريال الرملاوي “75 عامًا” كُرسيًّا؛  تشيرُ مُسمِّعتُها لصفحاتِ القرآنِ إلى مُنتَصفِه قبلَ وقتِ الظهيرةِ، وهي واحدةٌ من النماذجِ المُتمكِّنةِ من تسميعِ القرآنِ كاملاً لأوَّلِ مرّةٍ في حياتِها.

البدايةُ صفحتانِ

لم يُعِقْها تقدُّمُ عُمرِها من أنْ تكونَ بينَ طالباتِها السارداتِ، بعدَ أنْ أوصلتْ عددًا من الفتياتِ لحلقاتِ السردِ، لَمّا مارَستْ دورَ المُحفِّظةِ لهنَّ، تقولُ: “انتميتُ لصُحبةِ القرآنِ فكانت سببًا قويًّا لأنْ أكونَ اليومَ وسطَ هذا العُرسِ القرآنيّ المهيبِ، وكنتُ خَجِلةً من نفسي  حينَما تُنهي واحدةٌ من طالباتي حِفظَ القرآنِ، وأنا فقط مُحَفِّظةٌ لها”.

“بدأتُ بِصفحتَينِ بالأسبوعِ؛ حتى زادَ عددُ الصفحاتِ المُثبَّتةِ، وزادَ تمسُّكي بالقرآنِ،  وأضحى حُلمي اليومَ حقيقةً بِسردِ كلِّ القرآنِ”، وتَصِفُ الحافظة “الرملاوي” أنّ أحفادَها شعروا بالغيرةِ نحوَها؛ ما دفعَهم للالتحاقِ بحلقاتِ القرآنِ.

أمّا هنا في باحةِ المسجدِ المُكتظَّةِ بالحافظاتِ، جلستْ العروسُ دعاء البلعاوي (22) عامًا بكاملِ بهائها، تُرتِّلُ الآياتِ مُغمضةَ العينينِ، وكأنها تسافرُ بالفضاءِ الرَّحبِ، كُلّما تقدّمتْ وتجاوزتْ الأجزاءَ تِلوَ الأجزاءِ .

أسبوعٌ واحدٌ يفصِلُها عن موعدِ زفافِها، لكنها بدَتْ هادئةً واثقةً من أنها امتلَكتْ كلَّ ما أرادتْ، بعدَ انضمامِها للمشروعِ القرآني الكبيرِ، “وكأني أَحيَى فِعلا مقولةَ “ما زاحَمَ القرآنُ عملاً إلا بارَكَه”، فكلُّ أعمالي وأشيائي منظّمةٌ بفضلِ وجودِ بركاتِ ونفحاتِ القرآنِ في حياتي، وحفلُ زِفافي لا يَنقصُه إلّا أنْ يأتيَ موعِدُه”.

ليلةَ تَحضيرِ العروسِ الساردةِ “دعاء البلعاوي” للانضمامِ لحلقاتِ السردِ؛ كانت تَحيَى حفلَ تخرُّجِها من الجامعةِ الإسلاميةِ لِكُليّةِ العلومِ، بتَخصُّصِ الرياضياتِ؛ ما زادَ على بهجتِها بهجةً، وهي التي حفِظتْ القرآنَ على مدارِ ستِّ سنواتٍ في عُمرِ طفولتِها، وجيء بها اليومَ لِتَسرُدَه في ستِّ ساعاتٍ، وتَحملُ في صدرِها حُلمَ الانتقالِ إلى علومِ تفسيرِ القرآنِ.

لا يكونُ حُجَّةً علينا

“لم أَعُدْ صيدلانيةً أنا فقط، فلَقد وجدتُ نفسي أُحبُّ اللهَ والقرآنَ، فاشتغلتُ به”، الساردةُ “عُلا سكيك” رسمتْ خطواتِها بغَيرِ شكٍّ على أنْ تشتغلَ بالقرآنِ وتتعلّمَه وتُعلِّمَه، بعدَما وضعتْ تَخصُّصَ الصيدلةِ خلفَ ظهرِها، وتكتفي بشهادتِها العلميةِ.

تَوَّجتْ الساردةُ “سكيك” تثبيتَها للقرآنِ بِصُحبةِ إحدى عشرةَ طالبةً، تَخرَّجنَ بمُثابَرتِها عليهم، تُشارِكُها شقيقتُها وابنتُها أيضًا، وأخبرتْنا أنَّ ابنَها الذي يقفُ على مشارفِ الثانويةِ العامّةِ يسرُدُ في اللحظةِ بينَ الحُفاظِ الشبابِ، في مسجدِ الإمامِ الشافعي، ضِمنَ صفوةِ الحُفّاظِ، وأطلقتْ دعاءَها لابنِها الأخيرِ طالبِ الهندسةِ بأنْ يلتحقَ بالرَّكبِ.

تقولُ سكيك: “الحِفظُ وحدَه لا يكفي، كي لا يكونَ القرآنُ حُجَّةً على أحدٍ فينا، فنحن بحاجةٍ لِفَهمِه وتفسيرِه والعملِ بآياتِه”، وأوصتْ نفسَها والحُفّاظَ بأنْ يتعاهدوا بأنْ لا يُنسَى القرآنُ من قِبلِهم.

كلُّ الأعذارِ كانت كافيةً لأنْ تمنعَ الحافظةَ الساردةَ زينب الغفري “29 عامًا” عن الالتحاقِ برَكبِ الصفوةِ، فلم يَمضِ على ولادتِها لصغيرتِها “آية” سِوَى أُسبوعٍ واحدٍ.

“سردي للقرآنِ هو بدايةُ رحلتي مع القرآنِ، وليس ذروَتَها، فكلُّ العلومِ تَفتحُ آفاقَها أمامي لأتعلّمَ وأفهمَ وأعملَ بالقرآنِ، وها أنا اليومَ أشعرُ بأُولَى انتصاراتي برفقةِ مولودتي الجديدةِ “آية”، والتي أسمعتُها القرآنَ مرارًا وتكرارًا، حتى تلَوتُه على مسامعِها وهي بجانبي اليومَ”.

هلَّتْ الأنوارُ

أنوار الجمّال “27عامًا”، الساردةُ لكتابِ اللهِ وسطَ الفتياتِ الحافظاتِ أمثالِها، سردتْ حتى آخِرِ دمعةٍ لآخِرِ الآيِ، وهَلّتْ الأنوارُ من بشاشةِ وجهِها؛ وهي تحتفي بنفسِها ساجدةً .

“أنا معَ القرآنِ حتى يحدودبَ ظهري، ويذوبَ لحمي، ويَشيبَ رأسي، لكني أيقنتُ أنه لا يَهرمُ مَن صاحَبَ القرآنَ في عمرِه”، بفصاحةِ لسانِها العربي المُتَشبِّع بألفاظِه القرآنيةِ، أخبرتْنا الحافظةُ “الجمّالُ” عن مدَى سعادتِها بكونِها شمسًا وسطَ الشموسِ المُرَتّلةِ للقرآنِ على جلسةٍ واحدةٍ.

ولم تكتفِ الساردةُ “الجمّالُ” باختصاصِها بكُليةِ العلومِ بدراسةِ الأحياءِ؛ إنما التحقتْ بكليةِ الدعوةِ لتشملَ في دراستِها علومَ القرآنِ كافةً؛ لتُعينَها على فهمِ القرآنِ والتخلّقِ به.

لمرّةٍ أخرى جديدةٍ، لا يُمكنُ إدراجُها في قائمةِ العدِّ، تُعيدُ الحافظةُ الساردةُ “طاعة حِرز” حكايتَها على مسامعِ معلّمةِ القرآنِ، بِسَردِ الآياتِ بعدَ أنْ أصبحَ الكتابُ جزءًا متأَصِّلًا منها، وهي واحدةٌ ممَّن تقتنصُ المناسباتِ لسَردِ القرآنِ جُملةً واحدةً، أينَما حلّتْ في ترحالِ يومِها.

المُتخصِّصةُ في علومِ التحاليلِ الطبيةِ “حرز”؛ تقضي وقتَها مُرَتّلةً بين  الفراغِ  والعملِ، تَسمعُ لها دَوِيًّا مع نفسِها، كأنما تُردِّدُ ذِكرًا ثابتًا يوميًّا ؛ “هذا دَيدنُ حياتِها”، وبحِفظِها الذي سكنَ صدرَها تَطمحُ أنْ تَجولَ به في الكعبةِ المُشرَّفةِ.

تظاهرةٌ قرآنيةٌ فريدةٌ

1471) )حافظًا وحافظةً، قلوبُهم احتوتْ نورَ القرآنِ، فزادَهم اللهُ نورًا فوقَ نورِهم، تألَّقوا في دُنياهُم قبلَ آخِرَتِهم، فيهم الطبيبُ، والمهندسُ، والمعلّمُ، والخطيبُ، والفقيهُ، والإمامُ، وأصحابُ درجاتِ الدكتوراه.

ويسردُ المشاركونَ في المشروعِ القرآني الكريمِ على جلسةٍ واحدةٍ، في تظاهُرةٍ قرآنيةٍ فريدةٍ، تُنظِّمُها دارُ القرآنِ الكريمِ والسُّنةِ؛ بالتعاونِ مع وزارةِ الأوقافِ والشؤونِ الدينيةِ في القطاعِ، وهو المشروعُ القرآنيُّ الأضخمُ على مستوى فلسطينَ ودولٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ.

قرَّرتْ إدارةُ المشروعِ أنْ يكونَ مسجدُ الإمامِ الشافعي مكانَ التسميعِ لفئةِ الحُفاظِ، ومسجدا التقوَى وفلسطينَ مكانَ التسميعِ لفئةِ الحافظاتِ، وبيّنتْ أنَّ السَّردَ من بعدِ صلاةِ الفجرِ، وحتى صلاةِ المغربِ بإذنِ الله.A

“ناجي الجعفراوي”، مديرُ العلاقاتِ العامةِ والإعلامِ في دارِ القرآنِ الكريمِ والسُّنةِ، إنه مع انطلاقِ النسخةِ الثانيةِ من المشروعِ، سجّلَ عبرَ الرابطِ الإلكترونيّ الذي أُعلنَ عنه بدايةَ شهرِ يوليو/ تموز الماضي نحوُ (3200) حافظٍ وحافظةٍ، وأُغلقَ التسجيلُ مع بدايةِ شهرِ أغسطس الجاري.

يهدفُ مشروعُ “صفوة الحفاظ” وفقَ الجعفراوي، لـ”إعلاءِ قيمةِ وقدْرِ أهلِ القرآنِ في المجتمعِ الفلسطيني، وأنْ يصبحَ سَردُ القرآنِ ثقافةً مجتمعيةً، عَدا عن نشرِ القرآنِ بينَ ربوعِ المسلمينِ، وتثبيتِه في صدورِ الحُفاظ”.

وذكرَ أنَّ دارَ “القرآن الكريم والسُّنة” لا تُسمِّي حافظَ القرآنِ حافظًا فعليًّا، إلاّ بعدَ سَردِ القرآنِ كاملاً على جلسةٍ واحدةٍ، مشيرًا إلى أنَّ هذا المشروعَ هو الأوَّلُ عالميًّا الذي بادرَ فيه قطاعُ غزةَ.

يتطلّعُ مشروعُ “صفوة الحفاظ” لأنْ يكونَ “مُلهِمًا للكثيرِ من الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ، إذْ إنه بعدَ انتهاءِ النسخةِ الأولى منه العامَ الماضي؛ أقامتْ عددٌ من الدولِ الإفريقيةِ المشروعَ لِحُفاظِها، وسَردوا القرآنَ على جلسةٍ واحدةٍ تأسِّيًا بغزة”، وفقَ الجعفراوي.

وبيّنَ أنَّ من بينِ الحُفاظِ الذين سيَسردونَ القرآنَ في منتصفِ الشهرِ الجاري، فِئةِ صغارِ الحُفاظِ، وأصغرِهم بعُمر (8) أعوامٍ، وفئةِ كبارِ الحفاظِ، أكبرُهم بعُمرِ (72) عامًا.

كما يشملُ المشروعُ (26) حافظًا لكتابِ اللهِ من ذَوي الاحتياجاتِ الخاصةِ، و(90) حافظًا ما بينَ حكيمٍ وطبيبٍ وصيدليّ، و(51) مهندسًا ومهندسةً، و(163) معلّمًا ومعلمةً، و(34) رجلَ أمنٍ، وستكونُ كلُّ فئةٍ على حِدة بِزيِّها الخاصِّ خلالَ عمليةِ السردِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى