الابنُ المفضَّلُ للوالدَين … محبةٌ تَشغلُ غيرةَ بقيةِ العائلةِ

تحقيق : السعادة
يشعرُ غالبيةُ الأبناءِ بمَيلٍ والدِيهم أو جدَّيهِم لواحدٍ من إخوتِهم، ويفضِّلونَه بالمعاملةِ، والحديثِ، والهدايا، والمَرتبةِ، والاستقبالِ، والمصروفِ، وتلبيةِ الاحتياجاتِ، وكثيرًا ما تَحدُثُ المواجهةُ وبعضٌ من الصراعِ بينَ الأبناءِ والآباءِ، الذين يرفضونَ رفضًا تامًّا هذه التهمةَ ؛على قاعدةِ نحن نحبُّكم جميعًا بنفسِ القدْر،ِ ولا نفرِّقُ بينَكم.
والحقيقةُ أنّ هناكَ جدلًا قائمًا بينَ الإخوةِ حولَ مَن منهم المُفضَّلُ لدَى الأمِّ، ولدَى الأبِ، ويعترفُ ربعُ الآباءِ، الذين شملتْهم دراسةُ موقعَي “مامزنات” و”غرانزنات”، بأنَّ لدَيهم ابنًا مفضَّلاً، بينما يفضِّلُ (50) من مئةٍ منهم الابنَ الأصغرَ، في حين يفضّلُ (26) من مئةٍ منهم الابنَ الأولَ.
فيما نشرَ موقعٌ “في” الكَنَدي تقريرًا جاءَ فيه؛ أنَّ العلاقةَ التي تُبنى بينَ كلِا الوالدَينِ وكلِّ طفلٍ من أطفالِهما؛ تكونُ مختلفةً، وتتأثّرُ بمجموعةٍ من العواملِ المتغيّرةِ؛ مِثلَ ملامحِ فترةِ الحملِ والولادةِ والعمرِ، ووضعِ الأسرةِ في وقتِ الولادةِ، وغالبًا ما يكونُ لدَى الوالدِ مَيلٌ إلى الطفلِ الذي يُشبِهُه جسديًّا أو نفسيًّا.
رغمَ محاولاتِ تأكيدِ والدِ العشريني “محمود الطويل”؛ أنَّ محبَّتَه لأبنائهِ الأربعةِ متساويةٌ، وبأنه لا يفرّقُ بينَ ابنٍ وآخَرَ بالمشاعرِ؛ إلَّا أنّ “محمودَ” مُصِرٌّ على أنَّ ما يقولُه والدُه مُجردُ كلامٍ لتَطيّيبِ الخواطرِ.
يقولُ محمود:” إنّ والدي يحبُّنا جميعًا؛ غيرَ أنّ محبَّتَه لأخينا الكبيرِ “محمد “كبيرةٌ وخاصةٌ جدًّا”، مبيّنًا أنَّ ذلكَ يظهرُ في جميعِ تصرُّفاتِه؛ فبِمُجردِ اتصالِ شقيقي به هاتفيًّا، وسماع ِصوتِه، يظهرُ على ملامحِ وجهِه الفرحُ والسعادةُ باتصالِه”، مشيرًا إلى أنّ قدومَ أخي كفيلٌ بِرَسمِ البسمةِ على شفتَيهِ، ويصبحُ أكثرَ خفّةً ونشاطًا، وتظهرُ الحيويةُ عليه، ويحاولُ أنْ يُلبِّي له كلَّ رغباتِه؛ حتى لو على حسابِ رغباتِنا جميعًا.
ولا يقتصرُ الأمرُ عندَ ذلك _وفق محمود_ بل إنَّ والدَه في حالِ ارتكبَ شقيقُه أيَّ خطأٍ؛ لا يَنفَكُّ يسوقُ المُبرِّراتَ له، ويدافعُ عنه، ويخفِّفُ مما اقترَفَه، في حين لا يتعاملُ مع أيِّ فردٍ في العائلةِ بهذا الشكلِ، إلى الحدِّ الذي جعلَ إخوتَه يتنبهونَ للأمرِ، ويردِّدونَ دومًا عباراتٍ؛ مِثلَ “اعتبِرْنا محمد”، “لو أني محمد كنت عطول وافقت”! “يا ريتني محمد عشان تضحك بوجهي”!
وحالةُ “محمود” ليستْ وحدَها، الذي يعدُّ أنَّ والدَه يميِّزُ أخًا عن باقي الإخوة؛ فشروق “16 عامًا” ترى أن والدتَها تفضِّلُ أختَها الكبرى عن باقي شقيقاتِها، وهو ما خلقَ عندَها عقدةً طوالَ حياتِها منذُ صغرِها؛ جعلَها تصبُّ مراتٍ كثيرةً غضبَها على أختِها المفضَّلةِ لوالدتِها.
تقولُ شروق: “والدتي تفضِّلُ أختي الكبرى بصورةٍ ملحوظةٍ، وكلُّ مَن حولَنا يَعلمُ ذلك؛ وهذا أمرٌ باتَ مُسلَّمًا به، خصوصًا وأنها في البدايةِ كانت تُنكِرُ ذلكَ، لكنْ بعدَ إلحاحٍ طويلٍ، ومحاولةِ استفزازِها أكثرَ من مرَّةٍ؛ قالتْ لنا إنها المقرَّبةُ إلى قلبِها؛ لأنها حنونةٌ جدًّا، وتَتفقَّدُها بشكلٍ مستمرٍّ، وترعاها، وتحاولُ بشكلٍ مستمرٍّ أنْ لا تسمحَ لها بالقيامِ بأيِّ شيءٍ وهي موجودةٌ، وتَحملُ عنها أعباءَ كثيرةً، وهو الأمرُ الذي لا تقومُ به باقي البناتِ”.
الابن المدلل
وفي الوقتِ الذي تُنكِرُ فيه معظمُ الأمهاتِ مَحبَّتَهنَّ لابنٍ أكثرَ من الآخَرَ، تأتي الستينيةُ “أم حسام” لتعترفَ أنّ ابنَها الكبيرَ أقربُ الأبناءِ لقلبِها، مبرِّرةً رأيَّها؛ أنَّ “كلَّ أمٍّ تحبُّ الابنَ الحنونَ، الذي يُظهرُ مشاعرَه ويهتمُّ بأُمِّه”.
ومع أنّ “أم حسام” تحبُّ جميعَ أبنائها؛ إلا أنّ ابنَها الكبيرَ مُقرَّبٌ منها؛ لأنه يحِنُّ عليها، ويبادرُ لطلبِ رضاها، ويُثني على ما تقومُ به، ويساعدُها في أعمالِ المنزلِ حتى لا تَجهدَ، لا سيَّما أنها باتت تعاني من بعضِ الأمراضِ.
فيما لا يُنكرُ الأربعيني “ياسين الحوراني”_ الذي رزقَه اللهُ خمسةَ أطفالٍ ذكورٍ_ لا ينكرُ على الإطلاقِ بأنه يحبُّ أحدَ أبنائه أكثرَ من البقيةِ؛ حيثُ يقولُ: “لا أعرفُ ما السببُ؛ إلا أنَّ ابني هذا وهو ترتيبُه الثاني بينَ الأبناءِ، أعدُّه قطعةً من قلبي، ولا أستطيعُ أنْ أخفيَ أنني أحبُّه بطريقةٍ لا توصَفُ، وهو أكثرُ مَن أتشوَّقُ لرؤيتِه، ولسماعِ صوتِه عندَما أكونُ بعيدًا عنهم”.
ويضيفُ “مستحيلٌ أنْ أفرِّقَ بينَهم بالتعاملِ، فأنا أعدِلُ بينَهم جميعًا، ولا أميِّزُ بينَهم على الإطلاقِ، فأنا أخافُ اللهَ؛ لكنني لا أستطيعُ أنْ أتحكَّم بمشاعري تُجاهَ ابني هذا تحديدًا”.
من جانبِها ترى الدكتورة “حكمت المصري” خبيرةُ العلاقاتِ الأسريةِ أنَّ الحبَّ ضِمنَ الأسرةِ مسألةٌ لا يملكُها الشخصُ، فهي قضيةٌ لاشعوريةً، فقدْ يشعرُ الأبُ بأنه يحبُّ ولدًا أكثرَ من الآخَرِ، ويفضِّلُه عنه، وهذا لا يدخلُ بالمساواةِ، ولكنْ إذا دخلَ الأمرُ في التمييزِ بشكلٍ واضحٍ؛ هنا تبدأُ الخطورةُ في الأمرِ.
فالأصلُ أنْ تكونَ هناك مساواةٌ وعدالةٌ، وعدمُ إظهارِ هذا الشعورِ الذي يميلُ فيه أحدُ الوالدَينِ لأحدِ الأبناءِ أكثرَ من البقيةِ؛ لأنّ ذلكَ يخلقُ عندَ الأبناءِ الآخرينَ “حالةً نفسيةً من عدمِ الأمانِ، وقد يسبِّبُ حالةَ عزلةٍ وانطوائيةٍ وعدائيةٍ، قد يُسقِطُها الابنُ على الأخِ الذي يَعدُّه محبوبًا عندَ والدَيهِ أكثرَ منه”.
وتشيرُ “المصري” إلى أنَّ هذا الأمرَ “خطيرٌ” على تكوينِ الأسرةِ، ولا بدَّ من الانتباهِ له؛ كونَ الأهلِ يشكلونَ للأبناءِ الأمانَ والطمأنينةَ؛ حتى ينجحوا، ويعيشوا حياةُ مستقرّةً، ويكونوا شخصياتٍ متوازنةً.
وتؤكّدُ إلى أنَّ الأصلَ أنْ يُعامَلَ جميعُ الأبناءِ ذكورًا وإناثًا سواسيةً، والمعاملةُ تكونُ بالمِثلِ من جميعِ الأطرافِ؛ (الأبِ والأمِّ والجدِّ والجدةٍ والإخوةِ الكبارِ)، وعدمُ التمييزِ والتفرقةِ بينَهم، خصوصًا وأنَّ جميعَ هذه السلوكياتِ تراقَبُ من قِبلِ الأبناءِ، ويركِّزونَ عليها كثيرًا.
التفرقة والتميز
وتدركُ “المصري” أنَّ هناك أبناءً شخصياتُهم تقرِّبُهم من الآباءِ، وهذا ما يخلقُ التفرقةَ والتمييزَ، مبيِّنًا أنّ هناكَ دَورًا كبيرًا يقعُ على كاهلِ الأسرةِ، ولا يجبُ أنْ يدخلَ بيتَهم مِثلُ هذه السلوكياتِ على الإطلاقِ.
وكانت دراسةٌ أميركيةٌ سابقةٌ؛ أجراها علماءُ اجتماعٍ في جامعةِ “كاليفورنيا”؛ قد كشفتْ أنَّ (74) من مئةٍ من الأمهاتِ و(70 )من مئةٍ من الآباءِ؛ يعترفونَ بتفضيلِ ابنٍ على البقيةِ، في حين كشفَ الأولادُ تمييزَ ذَويهِم للابنِ الأكبرِ، توصلتْ إلى أنّ الطفلَ الأكبرَ يتلقَّى المعاملةَ الخاصةَ، وأنَّ معظمَ الآباءِ والأمهاتِ لهم طفلٌ مفضَّلٌ عن غيرِه.
وفي حين لم يكشفْ الآباءُ عن الطفلِ المفضَّلِ، وترتيبِه بين الأبناءِ، إلّا أنَّ الأطفالَ المتوسِّطينَ والأصغرَ أعرَبوا عن اعتقادِهم بتفضيلِ الأبوَينِ للابنِ الأكبرِ، أو البنتِ الكبرى في العائلةِ؛ ما أثَّر على الإحساسِ بقيمتِهم ومكانَتِهم.
وقالت رئيسةُ البحثِ، البروفيسور (كاثرين كونغر”؛ إنها كانت تظنُّ في بادئِ الأمرِ أنَّ الأطفالَ سيشعرونَ بالتمييزِ بسببِ الابنِ الأصغرِ، الذي غالبًا ما يحصدُ الدلالَ؛ لكنّ النتيجةَ كانت عكسَ التوقُّعاتِ؛ إذْ تَبيَّنَ أنَّ الابنَ الأكبرَ يشعرُ بأهميةِ إنجازاتِه لدَى أهلِه، سواءً بعلاماتِه المدرسيةِ، أو إنجازاتِه الرياضيةِ، كونَها الأولى من نوعِها في العائلةِ. في حين كشفَ بقيةُ الأخوةِ عن إحساسِهم بالتهميشِ نتيجةَ المعاملةِ المميّزةِ.
شخصان مختلفان
كما كشفتْ دراسةٌ أخرى، أجراها باحثونَ، من جامعةِ “بريغهام يونغ” الأميركيةِ، أنّ الطفلَ الأصغرَ بصفةٍ عامّةٍ، يتعلقُ بالوالدَينِ أكثرَ، وترتبطُ علاقتُه بهِما، فيما لا يُدخِلُ الأشقاءُ الأكبرُ سنًّا أنفُسَهم في “دائرةِ المقارنةِ بينَهم وبينَ الأخِ الأصغرِ”؛ لذا لا يحتاجونَ إلى تعزيزِ مفهومِ المحبةِ من قِبلِ الوالدَينِ؛ وهو ما يجعلُ الطفلَ الأصغرَ يحتاجُ إلى الحبِّ والاهتمامِ، لأنه يضعُ نفسَه في دائرةِ المقارَنةِ دائمًا.
وتناولتْ الدراسةُ تصوُّرَ الأبناءِ عن التقاربِ العاطفي مع الأمهاتِ، ونظرتِهم إلى الصراعِ والتنافسِ، وتصوُّرِهم لفَخرِ الأمهاتِ بهم، وتصوُّرِهم للشعورِ بخيبةِ أملِ الأمهاتِ، فقامَ فريقُ البحثِ بتقييمِ أعراضِ الاكتئابِ بينَ الأبناءِ، وأكَّدَ الباحثونَ أنّ أعلَى معدَّلاتِ الاكتئابِ بينَ الأبناءِ؛ كان بينَ من يعتقدونَ أنهم الأقربُ عاطفيًّا لأمهاتِهم مقارَنةً بأشقائِهم، ومن يعتقدونَ أنهم الأكثرُ تحقيقًا لخيبةِ أملِ أمهاتِهم، موضحًا أنَّ التنافسَ بينَ الإخوةِ قد يكونُ مسؤولاً عن ارتفاعِ درجاتِ الاكتئابِ بينَ مَن يعتقدونَ أنهم الأقربُ لأمهاتِهم.
وقال “أليكس جنسن”، الأستاذُ المساعدُ، والمشرفُ على الدراسةِ: “رُبما يكونُ أكثرَ ندرةً، أنَّ الآباءَ سيقولونَ للإخوةِ كبارِ السنِّ: لماذا لا تكونونَ أشبَهَ بشقيقِكُم الأصغرِ؟ لكنْ من المُرجَّحِ أنْ يقولوا العكسَ؛ لِذا فالأطفالُ الصغارُ يتمُّ وضْعُهم دائمًا في المقارنةِ”. ونصحَ الآباءَ في النهايةِ بعدمِ المقارنةِ؛ لأنَّ الطفلَينِ الأكبرَ والأصغرَ شخصانِ مختلفانِ، وهذا يتطلبُ عدمَ مقارنتِهما ببعضٍ .
ويشيرُ الباحثُ “جيل سويتور”، أستاذُ الاجتماعِ في جامعةِ “بوردو” في لافاييت الأميركيةِ، إلى أنّ الفوزَ بلَقبِ الابنِ المُفضّلِ ليس بالضرورةِ شيئا جيدًا؛ لأنّ الابنَ المفضَّلَ يكونُ أكثرَ عرضةً للاكتئابِ.