تهاجروش وتوجعوا قلوب أحبابكم ..
من الآخِر ..هذه البلاد أحسن من غيرها وسندوتش فلافل فيها أزكى من مليون طعم لحمة بالغربة ،اقتنع ولا إنت حر ..
الهجرة في زمن الإغراء صعبة، بتشوف فيها أشخاص بِدون أيِّ مستوى دراسي أو تراكمات، يطمحوا للهجرة تحت شعار “الله كريم”، الحلُّ الوحيدُ قواربُ الموتِ التي يُغادِرُ فيها شبابُنا عبرَ بحرٍ أكلتْ أسماكُه أجسادَ رفاقِهم، يتَّجِهونَ نحوَ قارّةٍ نسمعُ عنها الجميلَ والرائعَ من عملٍ، وحقوقٍ، وأجورٍ خياليةٍ، والحقِّ في السَّكنِ، والحقِّ في الحريةِ، و الحقِّ في الدراسةِ والتعليمِ المَجاني، الحقِّ في التعبيرِ والكلامِ..
إيّاكَ أنْ تُصدِّقَ هذا الكلامَ المَعسولَ والمُزركَش، و الصوَرَ المزيفةَ التي يَنشرُها أصحابُكَ عندما يسافرون .. ولا تصدِّقْ الحياةَ الورديةَ التي ينقلونَها ويحكونَها لكَ ..
لا عادتُهم راح تناسبك، ولا تقاليدُهم حتيجي مقاسَك، ولا طقوسُهم يُمكِنُ أنْ تَنسجِمَ معها،
الغربةُ تبقَى غربةً، والبُعدُ بُعدًا، ويَظلُّ ترابُ الوطنِ خيرًا من الغربةِ وألماسِها، وإنْ عشتَ في قصورِ الأمراءِ والأسيادِ.
رغمَ افتقارِ الوطنِ لأساساتِ العيشِ الكريمِ _وهذا لا نُنكِرُه_ لكنَّ هناك سببًا أساسًا؛ هو الاحتلالُ، وسببًا ثانيًا بغيضًا اسمُه الانقسامُ ، ورغمَ كلِّ هذا إلّا أنَّ حِضنَ الوطنِ حَنونٌ على الأجيالِ التي تتمنَّى التباهي به، وهي في عقرِ ديارِها، يا الله على كمّيةِ الشعورِ المَريرِ الذي نشعرُ به؛ عندَما نسمعُ أنَّ شخصًا يهاجرُ دونَ سببٍ ودونَ أُفقٍ! بِلا تخطيطٍ، وبرفقةٍ تعيسةٍ ،ستَرجِعُ حتمًا إنْ لم يأكلْكَ السمكُ لِتَعرِفَ قيمةَ الوطنِ ،بعدَما تَعايَشتَ مع الغربةِ، وتَجرَّعتَ من كأسِ مَرارتِها.
كلُّ البهرجةِ التي تَسمعوتَها؛ ستَختفي بلحظةٍ، وكلُّ المُغرِياتِ التي تُقدَّمُ لكَ؛ ستَلحقُ برَكبِ مَن سبقوكَ وهاجَروا ستذوبُ أيضًا ، والوعودُ تتحوّلُ لِكوابيسَ،
وتقريبًا “أوَّلُ ما تَصِلُ للشخصِ الذي تَظُنُّه صاحبَكَ؛ لن تُلاقيهِ سَندًا لكَ كما أنتَ تتوقَّعُ، واسألْ يا صديقي مَن سبقوكَ !”
يا صاحبي، واللهِ هذهِ البلدُ _رغمَ كلِّ ما فيها_ تَبقَى حنونةً عليكَ ،ولن تَقسوَ عليكَ مِثلَ الغُربةِ المُرَّةِ ،نحن نَعرفُ أنَّ الوضعَ صعبٌ، وفُرَصَ الشغلِ أصعبُ، وشهادتَكَ صار لها سنينَ وهيَ مركونةٌ بِدرجِ الطاولةِ، بس صدِّقني دوامُ الحالِ من المُحالِ، ومصيرُها تُفرَجُ ، لا تفكِّرْ أنَّ الحلَ في الهجرةِ؛ لأنكَ لن تكونَ مبسوطًا؛ وأنتَ تُشعِلُ قلبَ أمِّك كلِّ يومٍ مليونَ مرَّةٍ ، بينَما هي تَحمِلُ همَّكَ ،أنتَ بهذا تؤذيها؛ ولا تُريحُها…
فكِّرْ مليونَ مرّةٍ قبلَ قرارِ الهجرةِ عَبرَ المُستقبَلِ المجهولِ، وعبرَ قواربِ الموتِ ،إيَّاكَ أنْ تَتركَ أُمَّكَ وأباكَ وأهلَكَ، والناسَ التي تُحبُّكَ ،وتكسِرَ خاطرَهم..
كلمةُ “الله يرضى عنكَ”؛ وَحدَها تَجعلُ نفسيَّتَك ومعنوياتِكَ عاليةً، وتُعطيكَ أملًا في الحياةِ رغمَ كلِّ قسوَتِها، وكلِّ شيءٍ مُرٍّ فيها.
لا تُهاجِرْ، وتَكسِرْ قلبَ أمِّكَ وتُوجِعْها؛ وأنتَ لا تَعرِفُ طريقَك إلى أين ؟ وتَحملُ حقيبتَكَ على كتفِكَ، وتسيرُ إلى طريقٍ نهايتُهُ قاسيةٌ، في بلادٍ أقسَى بكثيرٍ من وطنِكَ !
مرَّةً أخرى، يا ابنَ الأصولِ ، البَهرجةُ التي تراها عيناكَ على مواقعِ التواصلِ، وقصصُ أصحابِكَ أيضًا غيرُ صحيحةٍ، ومليئةٌ بفَلترةٍ وتحسيناتٍ للواقعِ الفارغِ ، ليس هناكَ ونيسٌ ولا رفيقٌ دائمٌ ،حتى عملُكَ لن يؤَمِّنَ لكَ كلَّ أحلامِكَ ، وهناكَ الكثيرُ من الحكاياتِ ليس لها علاقةٌ بالواقعِ ،ونهايتُها دائمًا الندَمَ، وخسارةٌ كبيرةٌ ليس فيها عودةٌ.
كثيرٌ من الشبابِ الذين هاجروا؛ يتمنّونَ لو رجعَ فيهِم الزمنُ ليسكُنوا في غرفةٍ صغيرةِ على السطوحِ ،وصِدقًا لو سألناهُ بعدَ رجوعِه؛ لأجابَ “إنها قصرٌ مُقابلَ فرشتِه التي كان يدفعُ أُجرتَها كثيرًا؛ حتى ينامَ عليها ليلةً بليلةٍ في غُربتِه الباردة .
صحيحٌ أنَّ السفرَ حُلمٌ لكثيرٍ من الشبابِ ، وكلُّ شخصٍ طامحٌ، ولدَيه هدفٌ أو غايةٌ أو يريدُ الوصولَ إليها، وهي المَنفَذُ والحلُّ لِوقائعٍ مؤسِفٍ؛ لكنْ هناكَ فرقٌ بينَ هجرةٍ بدونِ هدفٍ، وبدونِ عودةٍ ،وسفرٍ من أجلِ تطويرِ القدراتِ، أو بناءِ الذاتِ ماديًّا أو مهاريًّا أو علميًّا لفترةٍ مؤقتةْ .
لطالَما صادفنا فيديوهاتٍ لتجاربَ حيّةٍ عن الغربةِ و الهجرةِ ومتاعبِها بالطرُق غيرِ القانونيةِ، أو هجرةٍ سريّةٍ، وكُنا نعيشُ مع المهاجرِ لحظاتِ المتاعبِ والمُغامَرةِ، بمَشاعرَ جيَّاشةٍ في بعضِ الأحيانِ، وحبسٍ للأنفاسِ .
هذه نصيحةٌ لكُلِّ مَهووسٍ بالهجرةِ؛ الطريقُ ليستْ مفروشةً بالورودِ ،وباختصارٍ نح لَسنا ضدَّ أنْ تُسافرَ، وتكتشفَ وتُجرِّبَ، وترى كيف الدنيا ،لكنْ إيّاكَ أنْ تُعاندَ وتكابرَ …
عندَنا مئاتُ الشبابِ والعائلاتِ؛ ما زالوا مفقودينَ وغيرَ معروفٍ مصيرُهم لهذهِ اللحظةِ، فلا نريدَ لكَ أنْ تصيرَ رقمًا مجهولاً، وتُحَسِّرَ قلبَ أمِّكَ وأبيكَ وأحبابِكَ .
فكر وترّوى وما تسمع من أي حد بيعملك البحر طحينة ،عقلك براسك وبتعرف خلاصك
و #سلامتك_وتعيش