Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

انتبهوا لأبنائكم .. فكُلُّنا جائعٌ للعطفِ والحنانِ!

– ألو، السلامُ عليكم، كيف حالُكِ يا زوجتي العزيزة؟ أنا في الطريقِ، هل تحتاجينَ شيئًا أشتريهِ وأنا قادمٌ؟

= لا، لا شيءَ..

– تمام، إذنْ مسافةُ الطريقِ، وأكونُ في البيتِ، حضِّري الغداءَ لأني جائعٌ.

= حاضر.

تركتْ الزوجةُ هاتفَها؛ ونسيتْ أنْ تُغلقَه، وقبلَ أنْ يُقفلَ الزوجُ هاتفَه، سمعَ زوجتَه وابنَه خالدَ يتحدّثانِ.

– هل سألَ عني بابا؟

= أكيد يا حبيبي، فهو يُحبُّكَ كثيرًا، وفي كلِّ اتصالٍ يسألُ عنكَ.

– أنا متأكّدٌ أنه لم يسأل عني يا أمي! هو لو يحِبُّني كما تقولينَ لَعلَّمَني “الشطرنج”، رغمَ إلحاحي عليه.

وكان الأبُ لا يزالُ يضعُ الهاتفَ على أُذنِه ويسمعُ، ثُم أوقفَ السيارةَ لكي يستمعَ بوضوحٍ إلى حديثِهما، سمعُ خالد يُكمِلُ حديثَه ويقولُ لها: هل تذكُرينَ الشطرنجَ الذي حصلتُ عليه كهديةٍ لنجاحي السنةَ الماضيةَ؟ تمنّيتُ أنْ يعلِّمَني، طلبتُ منه فعلَّمني حركَتَينِ، ثُم جاءه اتصالٌ فترَكني وذهبَ، وكلَّما طلبتُ منه تعليمي، يكونُ مشغولاً، هل تعرِفينَ مَن علَّمني الشطرنج؟ والدُ صديقي أحمد، عندَما سمِعَني أتوسَّلُ لابنِه أحمد أنْ يعلِّمَني، قال لي: تعالَ أنا أُعلِّمُكَ.

 اخفِضْ صوتَكَ يا خالد، لأنّ والدَكَ على وشكِ الوصولِ. كلُّ هذا والزوجُ “أبو خالد” يسمعُ الحديثَ.

– هل أصارِحُكِ بشيءٍ يا أمي؟ عندَما أذهبُ إلى بيتِ أحمدَ صديقي، ويَعودُ أبوهُ من العملِ، يستأذنُ أحمدُ منّي ليفتحَ البابَ لأبيهِ، وعندَما يفتحُ البابَ يسلِّمُ على أبيهِ، فيسألُه أبوهُ وهو يفتحُ يداهُ “أينَ حِضنُ أحمدَ؟ فيقولُ له أحمد، هنا ويرمي بنفسِه في حِضنِ أبيهِ، وبعدَها يعودُ لِنُكمِلَ الَّلعبَ.

كانت هذه الكلمةُ كالصاعقةِ التي نزلتْ على قلبِ الزوجِ، الذي يستمعُ إلى الحديثِ في الجهةِ الأخرى، الكلمةُ هَزَّتْهُ كثيرًا، وهو يجلسُ في السيارةِ.

حضَنتْ أمُّ خالد ولدَها بقوّةٍ وقالتْ له: ألَمْ أَحضنْكَ أنا كلَّ يومٍ عندَ عودتِكَ من المدرسةِ يا خالد؟ وهنا سمعَ الزوجُ “أبو خالد” الكلمةَ التي أدمَعتْ قلبَه؛ قبلَ أنْ تُدمعَ عينَيهِ، وهو لا يزالُ في السيارةِ.

قال لها: يا أمي، أنا جائعٌ لحِضنِ أبي، فقالتْ له: يا خالدُ، أبوكَ يعودُ وقد أنهكَه التعبُ، فقال لها: أعرفُ، ويحملُ معه دائمًا احتياجاتِ البيتِ، وعندَما يجلسُ ليستريحَ، يُمسِكُ الهاتفَ، ويُكمِلُ اتصالاتِه، وبعدَها طلبَ خالدُ من أمِّه هاتفَها ليلعبَ به حتى يحينَ موعدُ الغداءِ.

بسرعةٍ أقفلَ “أبو خالد” الخطَّ قبلَ أنْ يحسَّ ابنُه، وأخذَ يفكِّرُ في كلامِ ولدِه، فبدأَ يعيدُ علاقتَه في بيتِه كشريطٍ سينمائيّ، ويُعيدُ الكلامَ الذي سمِعَه، فكانت مشاعرُه تهتزُّ، وسألَ نفسَه سؤالاً: كيف مرَّتْ السُّنونَ من عُمرِ ابنِه من غيرِ أنْ يفكرَ باحتضانِه؟ وشعرَ في ساعتِها أنه هو المحتاجُ كثيرًا لحِضنِ وَلَدِه.

مرَّ على محلٍّ.. واشترى لعبةَ شطرنجٍ جديدةً، وغلّفَها بصورةِ أجملِ هديةٍ، ورجعَ مسرعًا إلى البيتِ، ولم يكنْ يعرفُ ماذا سيفعلُ، أو من أينَ يبدأُ، كلُّ الذي كان يعرِفُه أنه عليه تغييرَ نفسِه وتصليحَ الأوضاعِ، تركَ أوراقَ عملِه في سيارتِه، لم يكنْ في يدِه غيرَ الهديةِ.

وقفَ بالهديةِ على بابِ الشقةِ، ولم يفتحْ البابَ بالمفتاحِ، بل رنَّ الجرسَ، لأنه يعلمُ أنّ خالدَ سوفَ يجري ليفتحَ البابَ، وعندَما فتحَ خالدُ البابَ، وجدَ أباهُ واقفًا؛ يَحملُ الهديةَ، وعلى وجهِه ابتسامةُ حبٍّ عريضةٌ، لم يرَها خالدُ من قبل.

= قالتْ الأمُّ: مَن يا خالدُ بالبابِ؟

– إنه أبي يا أمي.

علّقَ خالدُ عينَيهِ على الهديةِ، وقال في سرِّهِ: “أكيد هي ليس لي”.

دخلَ أبوه، وقفلَ خالدٌ البابَ، وهو في طريقِ عودتِه لغرفتِه، كان أبوه لا يزالُ واقفًا على البابِ، وسمعَ أباهُ يقولُ له: أين الحِضنُ يا خالدُ؟ تَجمّدَ خالدٌ في مكانِه، وأخذَ يَدورُ برأسِه كأنه يبحثُ ليتأكّدَ أنَّ ما سمِعَه صحيحٌ! قالَ له: هل قلتَ شيئاً يا أبي؟ قالَ له: نَعمْ، قلتُ لكَ أين حِضنُ خالد؟ صرخَ خالدٌ وهو يفتحُ ذراعَيهِ، ويرتمي في حِضنِ أبيهِ، وقال: هذا حِضنُ خالد.

رمَى أبوهُ الهديةَ على الأرضِ، وحَضنَ ابنَه، وظلَّ يُقبِّلُه من كلِّ مكانٍ وهو يَحمِلُه، وكأنّه يراهُ للمرّةِ الأولى.

خرجتْ الأمُّ من المطبخِ، وهي تقولُ: حالاً سيكونُ الغداءُ جاهـــزًا، فوقفتْ مكانَها مستغرِبةً وهي تشاهِدُ زوجَها يحملُ خالدًا، وكأنَّ الاثنَينِ في دُنيا مختلفةٍ، حتى لم ينتبِهوا لدخولِها.

ثُم جلسَ وهو في حِضنِه وهمسَ لزوجتِه أنْ تُؤجِّلَ الغداءَ؛ حتى مرَّ الوقتُ وخالدٌ لا يريدُ أنْ يتركَ حِضنَ أبيهِ، حتى غطَّ في نومٍ عميقٍ، وبعدَها نامَ الأبُ الذي أدركَ أنه هو من كان الجائعَ الأكثرَ لِحِضنِ ولَدِه.

استيقظَ خالدٌ ونظرَ إلى أبيهِ وهو نائمٌ، ابتسمَ وقرَصَ نفسَه ليتأكّدَ أنه ليس في حُلمٍ.

تُعلّمُنا هذه القصةُ، وتُذكّرُنا أنّ خلفَنا كميةً كبيرةً من المشاعرِ والأحاسيسِ، مرّتْ علينا دونَ أنْ ننتبِهَ لها، خلفَنا أطفالٌ وأولادٌ وبناتٌ هم في أمَسِّ الحاجةِ إلى عاطفتِنا وحُبِّنا وحنانِنا، هي همسةٌ في آذانِنا جميعًا، انتبِهوا من أبنائكم، ولا تَجعلوهم يشعرونَ بالغيرةِ من بيوتِ أصدقائهم وأقرانِهم، دَعوهم يعرِفونَ ويشعُرونَ بدفءِ أحضانِكم داخلَ البيتِ؛ حتى لا يبحثوا عنها خارجَه، فخالدُ موجودٌ في بيوتِ الكثيرِ منّا، وكُلُّنا جائعٌ لأولادِه وبناتِه، كُلُّنا جائعونَ للعطفِ والحنانِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى