الرجل والأعمال المنزلية
من النظرياتِ المولودةِ في كُشكِ الخرافاتِ؛ بأنَّ الرجلَ الذي يعاونُ زوجتَه في الأعمالِ المنزليةِ هو “زلمة محكوم”، لذا ومن بابِ أنْ يُثبِتَ الرجلُ رجولتَه أمامَ المجتمعِ، يرفضُ مُعاونتَها؛ لأنَّ كرامتَه “تنقحُ عليه” لو عاوَنَها، وينسَى زوجتَه لو مرِضتْ يومًا، أو تَعِبتْ؛ سيُصبحُ البيتُ “خرابةً”.
تشتكي كثيرٌ من الزوجاتِ بأنَّ أزواجَهنَّ يقضونَ وقتَهم في البيتِ (ضيوفَ شرفٍ)، لا يشاركونَ في الأعمالِ المنزليةِ، وأنه في البيتِ يعيشُ حياتَه كما لو كان في فندقِ ( five star ) ،ويريدُ من (أمِّ العيالِ) أنْ تفعلَ له كلَّ شيءٍ، بمُجردِ أنْ يضربَ إبهامَه في أُصبعِه الأوسطِ.
هذا الإهمالُ من كثيرٍ من الرجالِ، حقيقٌ لحدٍّ كبيرٍ؛ فقدْ سألتُ ذاتَ نقاشٍ أحدَ الأصدقاءِ: ما وَجهُ مُساعَدَةِ “سيادتِكَ” لزوجتِك؟ قال: أَحُطُّ الصحنَ في الحوضِ، وأضعُ فيه شوية مَيّة، عشان الأكل ما يلزق بالصحن.
رُبما يجهلُ الرجلُ الذي لا يعاونُ زوجتَه فوائدَ التعاونِ، ورُبما يَعرِفُها؛ لكنّه” يُطنِّشُ”، ورُبما تَجِدُه من المُناصرينَ لحقوقِ سيداتِ الكونِ، والإشادةِ بهِنَّ(ع الطلعة والنزلة)، لكنه لا يعملُ بمُقتضياتِ تلكَ المُناصَرةِ، والإشادةِ معَ سيدةِ بيتِه، التي تستيقظُ مع بزوغِ الفجرِ، وتنامُ بعدَ نومِ الشمسِ.
إنّ هذا النوعَ من الرجالِ؛ بتلكَ الأفعالِ يهينُ أختَه، ويُمَهِّدُ لإهانةِ بنتِه دونَ أنْ يدري، فحينَما هو لا يساعدُ زوجتَه، وكأنها إشارةٌ لزوجِ أختِه، ولزوجِ ابنتِه مستقبلاً، بألَّا يُعاوِنَها، وبأنْ يتركَها وحدَها تُعاني من عملِ البيتِ.
أرى أنه من الجميلِ ذِكرُ فوائدِ التعاونِ الزوجي:
1_ من الناحيةِ النفسيةِ، فإنّ التعاونَ يُشعِرُ الزوجةَ بأنَّ وزنَها المَعنوي ثقيلٌ عندَ زوجِها، وإنها رفيعةُ المستوى، وليستْ وحدَها في ميدانِ الخدمةِ المنزليةِ، وأنها محلُّ اهتمامِ زوجِها، فتزيدُ الألفةُ بينَهما.
2_ الرجلُ المتعاونُ يُعدُّ قدوةً لأولادِه، فالأولادُ يقلّدونَ ما يَرَونَه في البيتِ.
3_التعاونُ يعني توفيرَ الوقتِ والجهدِ المبذولِ من الزوجةِ، فحينَ يتعاونُ الزوجانِ في عملٍ ما، فإنَّ الجهدَ يَتوزَّع على الطرَفينِ، وبناءً على ذلكَ تزيدُ فرصةُ أنْ يجلسَ الزوجانِ وقتًا إضافيًا.
4_التعاونُ فرصةٌ لأنْ يشعرَ الزوجُ بمَدَى التعبِ الذي تشعرُ به الزوجةُ، ويَعدُّها إنسانةً يصيبُها التعبُ، وتأمَلُ منه أنْ يساعدَها دونَ أنْ تطلبَ، فحينَ يقفُ لساعاتٍ في ترتيبِ المطبخِ، يشعرُ بالتعبِ الذي يصيبُ ظهرَ الزوجةِ ورُكبَتَيها، وحينَ يخِبزُ يشعرُ بمدَى الحرارةِ القادمةِ من “طنجرة” الخبزِ، التي تشعرُ بها زوجتُه، وغيرُ ذلكَ.
5_ وحسبُ الرجلِ المُعاونِ لزوجتِه فخرًا؛ أنه يطبّقُ ما قاله الرسولُ _صلى الله عليه وسلم_( خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه، وأنا خيركُم لأهلِه)، والخيريةُ هنا جزءٌ من الرجولةِ.
أرى أنّ عدمَ تَعاونِ الرجالِ ليس نابعًا من أنهم يتعبونَ جسديًّا؛ بل هي مسألةٌ نفسيةٌ قادمةٌ من موروثٍ اجتماعيٍّ سلبي، بأنّ الأعمالَ المنزليةَ هي من اختصاصاتِ الزوجةِ من(ألِفِها إلى يائِها).
فيا عزيزي الرجلُ، دعْكَ من هذه الخرافاتِ، وعاوِنْ زوجتَكَ، وستنالُ من الحبِّ والدلالِ ما يُرضيكَ، ولا تنسى أنّ زوجتَك هي زهرةُ حياتِك، فعاوِنْها بما تَطلبُ، فليس في الأمرِ انتقاصٌ للرجولةِ.
وفرصة سعيدة