“مريم قوش”: النصوصُ الفلسطينيةُ تلَخِّصُ قصةَ نضالٍ إنسانيةً لا تتكَرَّرُ
"انتماءُ النهار" يحصدُ جائزةَ "أنطون سعادة" الدوليةَ

السعادة
إنَّ حريةَ الأوطانِ نتيجةٌ حتميةٌ وقادمةٌ، فأنْ تَسبقَنا كلماتُنا بالحريةِ؛ هي نبوءةٌ بأنَّ كلَّ الجدرانِ ستُكسَرُ، وأنَّ كلَّ القيودِ ستَتحطَّمُ”، بهذه الكلماتِ عبّرتْ الشاعرةُ الفلسطينيةُ “مريم قوّش” عن أملِها بحريةِ الوطنِ، كما تحرَّرتْ كلماتُ دواوينِها الشعريةِ التي كتبتْها في قطاعِ غزةَ المُحاصَرِ _حيثُ تقطنُ_، وخرجتْ إلى العالمِ لتفوزَ بجوائزَ دوليةٍ عديدةٍ، لم يَسبِقْها إلًا رعيلٌ كبيرٌ من الشعراءِ الفلسطينيين،َ الذين جابوا المعمورةَ شعرًا وكلماتٍ.
وفازتْ “قوش” مؤخرًا بجائزةِ “أنطون سعادة” الأدبيةِ، بنُسختِها الثانيةِ، والتي أُقيمتْ على مسرحِ المدينةِ في العاصمةِ اللبنانيةِ بيروت، عن ديوانِها “انتماءٌ للنهارِ”، فيما فازتْ العامَ الماضي بجائزةِ البحرِ الأبيضِ المتوسطِ الدوليةِ للشعرِ لعامِ (2022)، وهي جائزةٌ دوليةٌ تقامُ في إيطاليا، شارَكَ في تنظيمِها عشرونَ جامعةً أوروبيةً وأمريكيةً، بمُشاركةِ شعراءَ عالميِّينَ على اختلافِ لغاتِهم: العربيةِ، والإيطاليةِ، والفرنسيةِ، واليونانيةِ، والألبانيةِ، من مختلفِ دولِ العالمِ.
رسائلُ الى البرتقاليِّ
أمّا في عامِ (2021) حصدتْ ثلاثَ جوائزَ: الأولى جائزةُ دولةِ فلسطينَ الدوليةُ للآدابِ والفنونِ، عن ديوانِ “كما تشمي القطا”، وجائزةُ فلسطينَ الدوليةُ عن ديوانِ “رسائلُ إلى البرتقالي”، وفي عامِ (2019) نالتْ جائزةَ “جابوتش” للأدبِ العالمي، التي تُنظِّمُها وزارةُ الثقافةِ اليابانيةُ والمصريةُ، وترجمتْ قصائدُها إلى اللغةِ اليابانيةِ، أيضًا حصلتْ على العديدِ من الجوائزِ المَحليةِ.
وُلدتْ “مريم قوّش” في مخيّمِ النصيراتِ، وتعلّمتْ في مدارسَ غزةَ، ودرستْ البكالوريوس في الجامعةِ الإسلاميةِ، والماجستير في النقدِ والأدبِ في جامعةِ الأقصى، تُعرّفُ نفسَها بأنها “مهتمةٌ بالشعرِ والأدبِ والنقدِ”، ملامحُ الموهبةِ الفطريةِ التي تمتلكُها “مريم” ظهرتْ في سنٍّ مبكرةٍ، ففي الـ (12) من عمرِها كتبتْ تجاربَ نثريةً بسيطةً، وفي عامِ ( 2005) بمرحلةِ الثانويةِ العامةِ، بدأتْ في تدوينِ الشعرِ الموزونَ، قائلةً: “تحتاجُ في لحظةٍ معيّنةٍ أنْ تُخرجَ الموهبةَ المغمورةَ بداخلِكِ إلى شيءٍ واقعي؛ وهذا ما كان بأشعاري”.
تكتبُ “قوّش” الشعرَ الرمزي، والرومانسي، والوطني، وتستمدُّ هذا من فلسطينَ الحاضرةِ دومًا في كلِّ قصيدةٍ عربيةٍ وفلسطينيةٍ، لأنها بحدِّ ذاتِها جوهرُ الفكرةِ والروحِ العربيةِ والفلسطينيةِ ، تقولُ عن ذلك:” من الطبيعي أنْ تكتبَ عن فلسطينَ، وعن الإنسانِ؛ لأنّ الشعرَ هو كائنٌ حيٌّ، له تجارِبُه الخاصةُ التي عاشَها في حياتِه، وله مُخمل الذاكرةِ في المجتمعِ الذي يعيشُ فيه، يؤثِّرُ ويتأثّرُ به ومنه ، وبالتالي أنْ تتّسِمَ غالبيةُ كتاباتي بالبُعدِ الوطني، المتعلقةُ بالتحرّرِ والوطنِ المسلوبِ والحريةِ؛ فهذا نتاجٌ لتجاربِ الحياةِ التي يعيشُها شِعري بشكلٍ يوميّ ، فالقصيدةُ هي نتاجٌ طبيعيٌّ لهذَينِ العالمَينِ، للإنسانِ، وخلاصةِ وعصارةِ المجتمعِ الذي عاشَ فيه.
وتضيفُ لـ “السعادة”: تحملُ قصائدي الفرحَ والألمَ الفلسطيني في آنٍ معًا؛ ذلكَ لأنّ فلسطينَ رغمَ ما تعانيهِ من ظروفٍ صعبةٍ؛ لِما فيها من حروبٍ وحصارٍ، إلَّا أنها مليئةٌ بالفرحِ والحبِّ والانتماءِ للنهارِ، وسماؤها مليئةٌ بالأحلامِ والأمنيّاتِ التي ستَتحقّقُ، وهي المدينةُ التي أنجبتْ الكثيرَ من المُبدِعينَ في كلِّ المجالاتِ، لكنْ هناك تعتيمٌ إعلاميٌّ على الواقعِ الثقافي فيها، وفي فلسطينَ عمومًا، إذا تَداولْنا وسائلَ الإعلامِ العربيةَ والدوليةَ بشكلٍ فاعلٍ كَضحايا حروبٍ لا أكثرَ.
نُناضلُ بطريقتِنا
وتُتابعُ: وعلى الرغمِ من حالةِ التعتيمِ الذي يكونُ سبَبُه التضييقَ، وغيابَ أبجدياتِ الحياةِ الثقافيةِ الدوليةِ، وحالةَ اللاشيءٍ التي نعيشُها مُجبَرينَ بسببِ انتهاكاتِ الاحتلالِ بين الفينةِ والأخرى؛ إلّا أنّ القصيدةَ العربيةَ، والقصيدةَ الفلسطينيةَ، والقصيدةَ الغزيّةَ؛ تَخرجُ رغمًا عن الأسوارِ والقيودِ، وتُحلّقُ وترفرفُ وتصِلُ إلى آفاقٍ لم نكنْ نَحلمُ بها.
وتؤكّد “قوش” أنّ الكتابةَ في قطاعِ غزةَ أصعبُ من الكتابةِ في أيٍّ بلدٍ آخَرَ، فهي لها وضعٌ خاصٌّ من النواحي الثقافيةِ، والسياسيةِ، والاقتصاديةِ، والنفسيةِ، فالغزيونَ يكتبونَ والصواريخُ تحاصِرُهم من كلِّ جانبٍ، يكتبونَ عن جمالِ الحريةِ، وهم يرزحونَ تحتَ الاحتلالِ، يكتبونَ عن جمالِ الطبيعةِ، وهم لا يملكونَ إلا شاطئَ البحرِ الذي يعاني من التلوّثِ كلَّ دقيقةٍ، يكتبونَ عن النورِ والضوءِ، وهم يعيشونَ في أزمةِ كهرباءٍ مستمرّةٍ .
ترَى “قوش” أنّ أهميةَ جائزةِ “أنطوان سعادة” الدوليةِ تكمُنُ في كونِها جائزةً دوليةً؛ فتحتْ أجنحتَها وأبوابَها لجميعِ الشعراءِ العربِ في العالمِ العربي وخارجَه، وأنْ يحملَ ديواني هذه الجائزةَ أمرٌ مشرّفٌ، لاسيَّما أنَّ بيروتَ كانت دومًا أرزةَ الثقافةِ العربيةِ، ورائدةً لها، وإليها ينتمي كلُّ روّادِ الشعرِ العربي الحديثِ والقديمِ، وهي مَن أسَّستْ للكثيرِ من أنواعِ الشعرِ العربيةِ المعروفةِ؛ كشُعراءِ المَهجرِ، وشعراءِ النكبةِ، وشعراءَ العصرِ الحديثِ.
وحولَ حتميةِ الشعرِ والكتابةِ تقولُ قوش:” نكتبُ ونحن نموتُ؛ لتبقَى كلماتُنا للأجيالِ القادمةِ شاهدةً على أنَّ هناكَ أناسًا وأجيالًا أرادتْ أنْ تنتصرَ، وأنّ هناك أشخاصًا صنعوا حريتَهم وحريةَ كلماتِهم، أبدَعوا في صمودِهم وفى عطائهم، وأنّ هناك أشخاصًا حملوا فلسطينَ الوطنَ الكاملَ على أكتافِهم؛ وغرّدوا في كلِّ المعمورةِ أنَّ فلسطينَ حُرّةٌ، فالنصُّ الفلسطينيّ لا يتكرّرُ؛ لأنه يلخِّصُ قصةَ نضالٍ إنسانيةً لا تتكرّرُ، وأهلُّه أشخاصٌ يناضلونَ بطريقةٍ لا تَتكرَّرُ أيضًا .