Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

صراعُنا الإنسانيّ بينَ الوحشيةِ والحيوانيةِ

قرأتُ منذُ فترةٍ غيرِ بسيطةٍ كتابَ “حيوانيّةُ الإنسان” الذي يَسرُدُ تفاصيلَ وأحداثًا وقصصًا، كيفَ يصبحُ فيها الإنسانُ كائنًا بشريًّا لا يَمُتُّ للإنسانيةِ بِصِلَةٍ، يصبحُ فيها حيوانًا كاملاً لا يَفقَهُ، ولا يُدركُ، ولا يجتاحُه أيُّ مشاعرَ يُمكِنُ أنْ تكونَ ذاتَ علاقةٍ بالإنسانِ، في الوَهلةِ الأولى لقراءةِ العنوانِ، استنكَرّتُ أنْ يكتُبَ المؤلفُ عنوانًا صارخًا كهذا، لكنْ عندَ قراءةِ صفحاتِ الكتابِ، أدركتُ أنّ هناكَ كثيرًا من الحيواناتِ لدَيها مشاعرُ في مراحلَ كثيرةٍ أكثرُ من الإنسانِ.

في الأسبوعِ المنصَرِمِ أدركتُ أنَّ الإنسانَ وحشٌ، وليس حيوانًا بالمُطلَقِ، فنحن
نَظلمُ الحيواناتِ إذا شبَّهناها في تصرُّفاتِ الإنسان غيرِ السَّوِيّةِ والمتطرّفةِ، فأنْ نصحوَ أمامَ جريمةٍ تُنفِّذُها امرأةٌ في طفلٍ لا يتعدَّى الثالثةَ من عمرِه؛ عبرَ إغراقِه في برميلِ مياهٍ؛ وانتظارِه حتى يموتَ أمامَ عينَيها، أمرٌ لا يُمكِنُ أنْ تُنفِّذَه إنسانةٌ تنطبقُ عليها صفاتُ البشريةِ! لأيِّ دافعٍ من الدوافعِ مَهما كانت مؤلمةً أو تَدفعُها للغيرةِ.

وكذلكَ ما حدثَ في جريمةِ الأبِ الذي ذبحَ طفلتَه ذاتَ الأربعِ سنواتٍ بسِكِّينٍ حتى وصلَ إلى عظمِ الرقبةِ! أيُّ خيالٍ يمكنُ أنْ يسرحَ في تفاصيلِ هذه الجريمةِ! وأيُّ عقلٍ يُمكِنُ أنْ يستوعبَ أنَّ هذا حَدثَ فعلاً من كائنٍ بشريٍّ يُطلقُ عليه لفظُ إنسانٍ! أنا شخصيًّا لا يُمكِنُني أنْ أقولَ أنَّ هذا الكائنَ البشريَ حيوانٌ أصلاً! فإنَّ صفةَ الحيوانيةِ _وإنْ كانت ضِمنَ نطاقِ المرضِ النفسي_ ظالمةٌ.

الحقيقةُ أنَّ الوحشَ البشريَ في الألفيةِ الثالثةِ باتَ نموذجًا يتكرّرُ بشكلٍ يوميّ، فحَجمُ الجرائمِ الإنسانيةِ التي بِتْنا نسمعُ بها؛ تكادُ لا تَمرُّ بتَصوَّرِ ذاكرةِ أكثرِ مُخرِجي “هوليود” جنونًا لأفلامِ الرعبِ، لكنّ ما نعيشُه اليومَ من إسفافٍ كاملٍ في التربيةِ، والدِّينِ، والأخلاقِ، والسلوكِ؛ يَجعلُنا ندركُ أننا مجتمَعٌ متوَحّشٌ يأكلُ فينا القويُّ الضعيفَ؛ دونَ أيِّ ميزانٍ لأيِّ اعتباراتٍ أسَريَّةٍ، أو أهليةٍ، أو زوجيةٍ، أو حتى إنسانيةٍ.

والأغربُ أننا جميعًا نستنكرُ هذه الجرائمَ الفادحةَ، في حين أننا نمارسُ في حياتِنا اليوميةِ عشراتِ الجرائمِ التي تُشبِهُها في النتائجِ؛ لكنّها أقلُّ حِدّةً ودمويةً، فأنْ يَطعنَ رجلٌ في شرفِ زوجتِه؛ ليَسلبَها حقوقَها الشرعيةَ في المؤخَّرِ والنفقةِ وحضانةِ أبنائها؛ فتلكَ جريمةٌ! وأنْ يحبسَ رجلٌ أبناءَه عن أمِّهم، ويُصادرُ منها حقَّ المشاهدةِ الأسبوعيةِ؛ فهذه جريمةُ قتلٍ في ميزانٍ آخَرَ!،وأنْ يصارعَ الرجلُ زوجتَه في راتبِها، ويَحرِمَها حقَّ التصرّفِ فيه؛ أيضًا جريمةٌ!، أنْ يصادرَ الأخُ حقَّ أخيه في الميراثِ، أو الشراكةِ؛ فتلكَ جريمةٌ! فالمالُ يُعادِلُ الروحَ.

الصرعةُ في القاعدةِ الإنسانيةِ تقولُ: إنّ ممارسةَ الجرائمِ الصغيرةِ، يَجعلُنا مع الوقتِ مُجرمينَ كبارًا؛ حتى وإنْ لم نُهدِرْ قطرةَ دمٍ واحدةٍ، حتى وإنْ كُنا نَحسِبُ في قرارِ أنفُسِنا أننا لم نَظلمْ أحدًا، والحقُّ الذي يجبُ أنْ نَعرِفَه تباعًا؛ أنَّ مَن يَنجو من وحشيةِ المجتمعِ والجرائمِ الصغيرةِ؛ هو بالضرورةِ إنسانٌ يفرّقُ بينَ الحلالِ والحرامِ في كلِّ تفاصيلِه، يستَفتي قلبَه، ويسيرُ على قاعدةِ الحلالِ بيِّنٌ والحرامُ بيِّنُ، وبالتالي تَضعُه مخافةَ اللهِ في كلِّ المَحطّاتِ والمواقفِ والسلوكياتِ في درجةِ الإنسانيةِ التي يستَحِقُّها.

وبِلا أدنَى هَوادةٍ، نحن مُلزَمونَ بحمايةِ المجتمعِ، وكَبحِ جماحِ الوحشِ المُتنامي في كلِّ فردٍّ فيه، وهذا يُملي علينا أنْ نُحسِنَ تربيةَ أبنائنا بطريقةٍ سليمةٍ قائمةٍ على الصفاتِ الإنسانيةِ التي تتواجدُ في فِطرتِنا، ويُعزِّزُها دِينُ التوحيدِ العظيمُ، بتَعاليمِه الواضحةِ السَّلسةِ البسيطةِ ، وأنْ نَبتعدَ بِهم قدْرَ المُستطاعِ عن انفتاحِ الحضارةِ ومادّيتِها عن تَغوُّلِ الآلَةِ والتكنولوجيا في حياتِنا ، وأنْ نحافظَ على حواسِّنا الطبيعيةِ بحِشمةِ النظرِ ، طِيبِ الروائحِ، وجميلِ الكلامِ ، حلاوةِ التذوقِ ومَلمسِ الأشياءِ في أيدينا، فغَسْلُ الطبقِ باليدِ شعورٌ مختلفٌ تمامًا عن غسلِه في الآلةِ التي تُصادِرُ  شعورَ، وشغفَ، وجمالَ، وجودةَ خَلقِ اللهِ.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى