المراهقونَ الأكثرُ تضَرُّرًا من سلبياتِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي
يَجِدونَ فيها الَّلعبَ والترفيهَ والمتعةَ والدعمَ والتعزيزَ

السعادة
تشغلُ وسائلُ التواصلِ الاجتماعي حيَزًا كبيرًا وأساسًا من حياةِ المراهقينَ اليوميةِ؛ كَمراسلةِ أصدقائهم على “واتس آب” و”سناب شات”، أو مشاركةِ منشورٍ على “فيسبوك” ،أو مشاركةِ صورةٍ على “إنستغرام”، أو تقليدِ أحدِ المشاهيرِ، أو تصميمِ رقصةٍ على “تيك توك”، فإنَ المراهقينَ في هذا الزمنِ أصبحوا مُحاطينَ بالإنترنت من كلِّ مكانٍ.
هذا الحَيزُ يَجعلُهم أكثرَ عرضةً للخطرِ النفسي من الأذى الذي يَلحقُهم من التنَمُّرِ الإلكتروني، والقلقِ، والاكتئابِ، والعزلةِ الاجتماعيةِ، علاوةً على إمكانيةِ تَعَرُّضِهم للعنفِ والتهديدِ، أمّا في حالِ الاستخدامِ المُفرطِ؛ فإنهم عُرضةٌ لفقدانِ النومِ وتَشتُّتِ الانتباهِ، في حينٍ يتعاملُ معه غالبيةُ الأهالي على أنه مُتعةٌ وترفيهٌ وانفتاحٌ على الخبراتِ والمعارفِ والقدراتِ، وبالتالي باتَ حصولُ الطفلِ على جهازٍ لَوحيٍّ في عُمرٍ مبكّرٍ جدًّا؛ أمرًا في غايةِ السهولةِ والاعتياديةِ.
الشعورُ بالمحيط
وبحَسبِ استطلاعٍ لمركزِ “بيو” للأبحاثِ لـ (1316) مراهقًا؛ تتراوحُ أعمارُهم بينَ (13 و17) عامًا، بينَ مُنتَصَفِ أبريل/ نيسان، وأوائل مايو/ أيار، كشفَ أنّ المراهقينَ يرَونَ أنّ تَجرِبتَهم على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي أكثرُ إيجابيةً ممّا يتخيَّلُها الكبارُ، فقط (27٪) منهم، قالوا إنّ تجرِبتَهم أسوَأُ ممّا اعتقدَه أهلُهم، أمّا البقيةُ فرأوا أنّ تجرِبتَهم كانت إمّا جيدةً أو أفضلَ.
وأفادَ المراهقونَ الذين شارَكوا بالاستطلاعِ؛ أنَّ الأمرَ الجيّدَ الذي تؤَمِّنُه لهم وسائلُ التواصلِ الاجتماعي، يشملُ الشعورَ بالاتصالِ، والحصولِ على الدعمِ من المجتمعِ، ففي المُجمَلِ، (80٪) من المستطلَعينَ قالوا: إنّ وسائلَ التواصلِ الاجتماعي تمنَحُهم مستوًى مُعيَّنًا من الاطِلاعِ على ما يجري في حياةِ أصدقائهم، و(71٪) رأَوا أنّه المكانُ الذي يُمكِنُهم فيه إظهارُ إبداعِهم، و(67٪) منهم لدَيهِم اعتقادٌ بأنّ وسائلَ التواصلِ الاجتماعي تُطَمئِنُهم إلى أنَّ ثَمّةَ من سيَدعمُهم في الأوقاتِ العصيبةِ، فيما يشعرُ (58٪) أنّ هذه المنصّاتِ تجعلُهم أكثرَ قَبولًا من الآخَرينَ.
وأظهرتْ البياناتُ أنّ المراهقينَ يميلونَ إلى استخدامِ هذه الوسائلِ على هذا النحوِ _وفقًا للاستطلاعِ_ أهمُّ ثلاثةِ أمورٍ أبلَغَ عنها المراهقونَ في النشرِ هي: إنجازاتُهم، وعائلاتُهم، وعواطفُهم، كَما ونزعَ المشاركونَ في الاستطلاعِ إلى القولِ: إنَّ وسائلَ التواصلِ الاجتماعي إيجابيةٌ أو مُحايِدةٌ في الغالبِ بالنسبةِ لهم شخصيًّا، لكنّهم يميلونَ إلى الاتجاهِ السلبيِّ أكثرَ؛ عندَما يتعلّقُ الأمرُ بأثرِها على الأشخاصِ في سِنِّهم _وفقَ الاستطلاعَ_ ولفتَ الاستطلاعُ إلى أنّ (60٪) من مُجمَلِ المراهقينَ يشعرونَ بسيطرةٍ ضئيلةٍ أو معدومةٍ على البياناتِ التي تَجمعُها شركاتُ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي منهم.
غالبيةُ الآباءِ والأمهاتِ الذين استطلعتْ مجلةُ “السعادة” آراءَهم، عبرَ منَصَتِها الالكترونيةِ؛ يعتقدونَ أنّ أبناءَهم لا يشعرونَ بالسعادةِ جرّاءَ استخدامِ منصّاتِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي، فهل فِعليًّا استخدامُ أطفالنا لمواقعِ التواصلِ الاجتماعي يَجعلُهم غيرَ سُعَداء ؟
جادّةٌ ومُتعَمّقةٌ
في هذا السياقِ، تقولُ “رائدة أبو عبيد”، دكتورةُ علمِ النفسِ التربويّ:” إنّ هذه القضيةَ تستحقُّ من الجميعِ نظرةً جادّةً مُتعمِّقةً حولَ كيفيةِ تأثيرِ منصاتِ التواصلِ بشكلٍ سلبيّ على الأطفالِ والمراهقينَ، إذْ غيَّرتْ التطوراتُ التقنيةُ التي تَحقَّقتْ في العَقدِ الماضي الطرُقَ التي نتواصلُ فيها اجتماعيًّا، أسرعَ ممَّا نتخيَّلُ، وعلى الرغمَ من مزايا المنصاتِ التي جعلتْ من عمليةِ التواصلِ أسرعَ وأكثرَ مُرونةً؛ لكنْ إذا كان الاستخدامُ مُفرطًا _رغمَ مُتعَتِه_ فلَه جَوانِبُه المُظلِمةُ، فهو سلاحٌ ذو حَدَّينِ.
وتُضيفُ: الاكتئابُ أصبحَ أكثرَ شيوعًا بينَ الأطفالِ والمراهقينَ؛ في الوقتِ الذي يزيدُ فيه استخدامُهم لمواقعِ التواصلِ بشكلٍ خاصٍّ، والإنترنت بشكلٍ عامٍّ، ومن الصعبِ الجَزمُ بأنّ هذه المواقعَ تُسبّبُ الاكتئابَ بشكلٍ مباشرٍ، لكنْ على الأقلِّ قد تكونُ أحدَ العواملِ التي تساعدُ في الإصابةِ به.
وتوَضِّحُ: هناكَ نوعانِ من الدوافعِ الاجتماعيةِ وراءَ استخدامِ الأطفالِ لمواقعِ التواصلِ الاجتماعي، إمّا للتعزيزِ الاجتماعي، أو التعويضِ الاجتماعي، فإذا كان الاستخدامُ بِنيَّةِ التعزيزِ الاجتماعي؛ فلا ضَررَ في ذلكَ، إذْ يَتِمُّ الاستخدامُ في هذه الحالةِ كَفُرصةٍ إضافيةٍ للتفاعلِ معَ الآخَرينَ، وإذا كان الاستخدامُ بِنيّةِ التعويضِ الاجتماعي، يكونُ الاستخدامُ هنا مُعزِّزًا لِلقَلَقِ الاجتماعي، ولبعضِ مظاهرِ الاكتئابِ؛ لأنّ الطفلَ حينَها يستخدمُ مواقعَ التواصلِ لتعويضِ النقصِ في المهاراتِ الاجتماعيةِ، أو عدمِ الراحةِ في مواقفِ التفاعلِ الواقعيّ، أو المواجهةِ وَجهًا لِوجهٍ.
وتُتابعُ: بما أنّ التواصلَ مع الأقرانِ افتراضيًّا أقلُّ إشباعًا عاطفيًّا مقارنةً بالتواصلِ الواقعي، فلا نستغربُ عندما نجدُ أنَّ الأطفالَ الذين يَقضونَ وقتًا أطولَ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي؛ يشعرونَ بالعزلةِ، أو أنّ شعورَهم بالعزلةِ قد يُشجِّعُهم على فرطِ استخدامِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي.
وتُنوِّهُ: إنّ عبارةَ “سلاحٌ ذو حَدَّينِ” لا تأتي مُجازَفةً، فمواقعُ التواصلِ إمّا أنْ تُمِدَّكَ بالسعادةِ والمالِ، أو أنْ تُترُكَكَ في دَوّامةِ الاضطراباتِ النفسيةِ، كالاكتئابِ وزيادةِ الطاقاتِ السلبيةِ من ردودِ الأفعالِ، أو التهميشِ وعدمِ الرغبةِ في التفاعلِ مع ما يَنشرُه الطفلُ عبرَ حسابِه.
مَلَلٌ وعزلةٌ
وتضيفُ: إنه عندَما يحاولُ الطفلُ الهروبَ من علاقاتِه الاجتماعيةِ المحدودةِ؛ حالِمًا بتكوينِ علاقاتٍ أكثرَ مصداقيةً وكَرمًا معه، ويصطَدمُ بواقعٍ مختلفٍ قد يَجعلُه يدخلُ في اكتئابٍ يَتركُه يائسًا؛ من حُلمٍ كان يراهُ مُنقِذًا لواقعِه غيرِ الجيّدِ، مشيرةً إلى أنّ كثرةَ البقاءِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، قد تصيبُ الطفلَ بالمَللِ، والعزلةِ، وعدمِ الرغبةِ في الخروجِ ومشاركةِ الأهلِ، والأقاربِ، أو أصدقاءِ المدرسةِ والجيرانِ، إذْ تُسيطرُ عليه هذه المواقعُ، وتَتحكّمُ في مزاجِه، وعلى الوالدَينِ تَقنينَ عمليةِ البقاءِ على مواقعِ التواصلِ الإلكتروني، والقربَ من الأبناءِ للحيلولةِ دونَ أيِّ تأثُّرٍ سلبيٍّ، قد يَحدثُ من خلالِ هذه المواقعِ، وكذلكَ إفهامُ الطفلِ بمتابعةِ ما يتناسبُ مع عمرِه وقدراتِه وهواياتِه وطموحاتِه.
في حين، يرى “محمود عبد العزيز منصور”، الأخصائي النفسي والاجتماعي، أنّ قضاءَ الأطفالِ وقتًا أطولَ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعي؛ قد يكونُ سببًا مباشرًا للاكتئابِ؛ لأنّ الطفلَ يصبحُ في عزلةٍ عن واقعِه الاجتماعي؛ إلى واقعٍ افتراضيّ يعيشُ فيه نوعًا من السعادةِ المؤقَتةِ، والتي غالبًا ما تنعكسُ عليه بالسلبيةِ، وأشارَ إلى أنّ هذا لا يعني بأنْ يُحرَمَ الأطفالُ من وسائلِ التواصلِ؛ لأنها تقنيةٌ حديثةٌ، ويجبُ تَقنينُ ذلكَ ما أمكنَ بإشرافِ الوالدَينِ، وعدمُ تركِ الأطفالِ بمُفردِهم لساعاتٍ أطولَ، خصوصًا وأنّ بعضَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي ليس لدَيها تَحكُّمٌ في بعضِ الإعلاناتِ غيرِ الجيّدةِ.
ينصحُ “منصور” الآباءَ والأمهاتِ؛ بالاستماعِ إلى الطفلِ، والإنصاتِ إليه؛ بدلَاً من تَوجيهِه فقط إلى ما يجبُ فِعلُه، وما لا يجبُ فِعلُه، ويُمكِنُك البدءُ بسؤالِ طفلِك عن آرائهِ ومشاعرِه، وخصِّصْ وقتًا للتأكُّدِ من أنكَ مُنخرِطٌ تمامًا مع طفلِكَ، وتستمعُ إليه، اترُكْ هاتفَكَ الجوال، ومواقعَ التواصلِ الاجتماعي بعيدًا عنكَ، وكُن عنصرًا فعّالاً في تربيةِ طفلِك. لأنكَ قُدوَتُه، وأكثرُ النماذجِ التي يحاولُ طفلُكَ تقليدَها، فقدْ تكونُ السببَ الأولَ في استخدامِه المُفرطِ لمواقعِ التواصلِ الاجتماعي دونَ أنْ تَدري، خاصةً عندما يرى التناقُضَ بينَ ما تَفعلُه؛ وما تَطلبُ منه أنْ يقومَ به؛ عندَها سيكونُ من الصعبِ إقناعُه بتَرشيدِ استخدامِه أو مَنعِه، فمِن المُهمِّ أنْ تتعاملَ مع هاتفِكَ بالطريقةِ التي تحبُّ أنْ يعامِلَ طفلُكَ فيها هاتِفَه.
دونَ وَعيٍّ
ويُبيّنُ “منصور” أنّ مواقعَ التواصلِ الاجتماعي تلعبُ الدَّورَ البديلَ لِلَّعبِ والترفيهِ والأنشطةِ التي يمكنُ للمواقعِ أنْ تُعيقَها، أو تُقلِّلَ منها دونَ وَعي الآباءِ بذلكَ، فبَدلاً من أنْ يقومَ الطفلُ بنشاطاتِه اليوميةِ مع أسرتِه وأصدقائهِ؛ يقومَ بها بمُفردِه على المواقعِ، ولا نلومُ الطفلَ حينَها؛ عندما نَجِدُه حبيسَ غرفتِه، ويُعدُّ ذلكَ أحدَ أكبرِ الاختلافاتِ في حياةِ أطفالِ الجيلِ الحالي، مقارَنةً بالأجيالِ السابقةِ، إذْ يقضونَ وقتًا أقلَّ بكثيرٍ في التواصلِ مع أقرانِهم واقعيًّا، ووقتًا أطولَ في التواصلِ إلكترونيًّا.
ويشيرُ “منصور” إلى أنّ أغلبَ الدراساتِ أظهرتْ بأنَّ كثيرًا من الأطفالِ والمراهقينَ من مُستخدمي مواقعِ التواصلِ الإلكترونيةِ؛ هم الأكثرُ عرضةً للتَنمُرِ الإلكترونيّ، وتقديرِ ذاتٍ سلبيّ، وعدمِ الرِّضا عن وزنِهم ومظهرِهم، بالإضافةِ لمشكلاتِ النومِ؛ خصوصًا الأرَقَ والنومَ المُتقطِّعَ.
وأشارت نتائجُ الدراساتِ بشكلٍ عام؛ إلى أنّ الإفراطَ في استخدامِ مواقعِ التواصلِ؛ هو أحدُ أهمِّ المُنبِئاتِ بالاكتئابِ والوحدةِ النفسيةِ، وانخفاضِ التفاعلِ الاجتماعي، وافترضَ الباحثونَ ظاهرةً جديدةً تُسمّى(اكتئابُ الفيسبوك Facebook depression)، تُعرفُ بأنها الاكتئابُ الذي يتطوّرُ عندَما يقضي الأطفالُ والمراهقونَ قدرًا كبيرًا من الوقتِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي مِثلَ «فيسبوك» و«تويتر»، وبعدَ ذلكَ تبدأُ تظهرُ عليهم أعراضٌ كلاسيكيةٌ للاكتئابِ، والأطفالُ الذين يعانونَ من اكتئابِ الفيسبوك، عرضةٌ لخطرِ العزلةِ الاجتماعيةِ، وفي بعضِ الأحيانِ ينتقلونَ إلى مواقعِ الإنترنت الخطرةِ، والمُدوّناتِ لِطَلبِ المساعدةِ، والتي قد تُعزِّزُ إساءةَ استخدامِ الموادِ النفسيةِ، والممارساتِ الجنسيةِ غيرِ الآمِنةِ، أو السلوكِ العُدواني، أو سلوكِ التدميرِ الذاتي.