Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
عيشها صح

الذكاءُ العاطفي.. هل نُتقِنُه في حياتِنا؟

د. حلمي خيري

دكتوراه في التنميةِ البشريةِ

الذكاءُ العاطفيُّ هو أسلوبُ حياةٍ مُكتسَبٌ وغيرُ قابلٍ للقياسِ، وإنما يعتمدُ على مؤشِّراتِ قياسٍ خاصةٍ، مِثلَ الصحةِ النفسيةِ والجسديةِ، ويبدأُ من البيتِ ويتعزَّزُ لاحقًا بأسلوبٍ ونظامٍ تربويٍّ شموليٍّ تَشارُكيٍّ (البيت، المدرسة والإعلام)”.

 الذكاءُ العاطفيّ أسلوبُ حياةٍ، وللأسفِ الشديدِ ترَبَّى مُعظمُنا في المدارسِ بأنَّ الطفلَ الذكيَّ هو الذي يَحصُلُ على أعلَى العلاماتِ فقط.

السؤالُ الشائعُ في هذه الأيامِ، كيف يُمكِنُ للأبناءِ اكتسابُ هذا النوعِ من الذكاءِ؟ وما الفَرقُ  بينَ الذكاءِ العاطفيّ، والأساليبِ المُلتَويةِ لتحقيقِ الهدفِ؟  الذكاءُ العاطفيّ مكتَسَبٌ وليس وراثيًّا، ولا يدُرَّسُ في المدارسِ،  فالطفلُ انعكاسٌ لسلوكِ الوالدَينِ، أيْ بِمَعنَى آخَرَ؛ نحن المِثالُ لأطفالِنا.   

ومع الأسفِ الشديدِ، وبِسببِ تَهافُتِ الشبابِ على المناصبِ والمادةِ؛ لم نَعُدْ نُميِّزُ بينَ الذكاءِ العاطفيِّ، والأساليبِ الملتويةِ للوصولِ إلى الهدفِ، وهنا تَكمُنُ الخطورةُ، إذْ إنَّ الكثيرينَ يَرونَ أنَّ سببَ الوصولِ للمَنصبِ، أوِ الحصولِ على مكاسبَ ماديةٍ، هو الذكاءُ العاطفيّ، والمهارةُ الاجتماعيةُ الناتجةُ عنه،بينَما واقعُ الأمرِ مُختلفٌ .

يُعَدُّ البيتُ هو المدرسةُ الأولى لاكتسابِ الذكاءِ العاطفي، وأنَّ “الطفلَ انعكاسٌ لسلوكِ والدَيهِ، وهما المِرآةُ الحقيقةُ لنا كَمُربينَ، كما أنّ الطفلَ يَفترضُ أنَّ ما يفعلُه الآباءُ والأمهاتُ هو الصحيحُ أوِ الصوابُ”.

أهمُّ علاماتِ الذكاءِ العاطفيِّ المُرتفعِ؛ الاعترافُ بالخطأِ، وتَحَمُّلُ المسؤوليةِ، والتعلُّمُ من الأخطاءِ، وتَقَبُّلُ الانتقادِ، وحُسنُ الاستماعِ، والتواصلُ البصري مع الآخَرينَ  أثناءَ الحديثِ.

ويتَّضِحُ الذكاءُ العاطفيّ في الحياةِ اليوميةِ، من خلالِ التعبيرِ عن المشاعرِ العاطفيةِ، ومدَى قُدرتِنا على كَبحِ درجةِ انفعالِنا أثناءَ مَدِّها وجَزْرِها بينَ الغضبِ والفرحِ؛ إلى أنْ نَصلَ لمرحلةٍ نُتقِنُ فيها اتِّزانَهُ، لِيَقودَنا إلى التحكُّمِ به، وإدارةِ انفعالاتِنا مع التكيُّفِ والتأَقلُمِ، ومدَى سُرعتِه، وفقًا لِما يُستَجدُّ من حولِنا من إشكالاتٍ؛ لنُحقِّقَ نوعًا من المرونةِ المُتقَبَلةِ مع مَن نتواصلُ معهم.

ويؤكّدُ خبراءُ إمكانيةِ تطويرِ الذكاءِ الانفعالي، بِحُضورِ فعالياتٍ حواريةٍ على الشبكةِ العنكبوتيةِ، أوِ التمثيلِ الحيِّ، والتقليدِ والمُحاكاةِ لأشخاصٍ يُعَدُّوا أذكياءَ عاطفيًّا، فمَثلاً، حضورُ الاجتماعاتِ الكبيرةِ التي يتناقشُ فيها بعضُ الكبارِ في قضايا اجتماعيةٍ، يُمكِنُ أنْ نَرصُدَ فيها طريقةَ تَواصُلِهم، وكيف يُقَدِّمونَ الحُججِ والبراهينِ بحِكمةٍ في الجلسةِ، ويُفحِمونَ الآخَرينَ  أثناءَ التعليقِ والمُداخلةِ البناءةِ، لِما يَدورُ في خَلَدِهم بعيدًا عن إثارةِ النزاع.

تطويرُ الذكاءِ الانفعاليّ :

ولا بدَّ أنْ تُنَمَّى مهاراتُ السمعِ والبصرِ، ولغةُ الجسدِ؛ لِتكتملَ قوةُ الذكاءِ الانفعالي للفردِ، والحفاظُ على الثقةِ بالنفسِ، والاتزانُ والاعتدالُ، وعَدمُ الخروجِ عن مِحورِ موضوعِ الجلسةِ، معَ الحرصِ على الحفاظِ على مشاعرِ الآخَرينَ بالتوازي، مع دَيمومةِ الجاهزيةِ الذهنيةِ “حاضرةً”  قَدْرَ الإمكانِ، وحسابِ مدَى قُدرةِ التركيزِ لأَطوَلِ وقتٍ مُمكِنٍ  دُونَ الشعورِ بالمَللِ والإحباطِ.

يُشيرُ الخبراءُ إلى إمكانيةٍ تعليميَّةٍ للأطفالِ عن طريقِ الدِّراما والتمثيلِ والمشارَكةِ الحقيقةِ في حلقاتِ نقاشٍ؛ ليتعلَّموا الإدارةَ الإيجابيةَ لذكائِهم العاطفيّ، والنتائجَ المُحبَّبةَ لدَيهم، بما يتوافقُ وأعمارَهم، إذْ إنَّ معايشةَ الطفلِ لتجرِبةٍ ما، والتحدُّثَ عنها أمامَ الآخَرينَ؛ تُظهِرُ مدَى امتلاكِه لصفاتٍ شخصيةٍ، تُطَوِّرُ لدَيهِ الذكاءَ العاطفيَّ من وقفتِه أو إلقائهِ وجَذْبِه للحضورِ.

علاقةُ الذكاءِ العاطفي بالذكاءِ العِلمي:

وللتوَسُّعِ أكثرَ بمفهومِ الذكاءِ العاطفي، وإمكانيةِ تعَلُّمِه وتَعليمِه للأبناءِ، يَعتمدُ على قدرةِ الشخصِ على فَهمِ وإدارةِ عواطفِه ومشاعرِه، والتعامُلِ معَ مشاعرِ الآخَرينَ، لِذا ولا يوجَدُ اختبارٌ لقياسِ الذكاءِ العاطفي، كالاختبارِ المُستخدَمِ لقياسِ الذكاء؛ ولذلكَ يُعَدُّ الذكاءُ العاطفيُّ، وَصْفًا للمهاراتِ الشخصيةِ، من خلالِ التعاملِ اليوميِّ معَ الأشخاصِ، ومُراقبةِ سلوكِهم _إذا أرَدْنا تَقييمَ ذلكَ_.

ولِتَحقيقِ ذلكَ، نحنُ بحاجةٍ إلى العناصرِ الأساسيةِ التاليةِ؛ قُدرةُ الشخصِ على تَقييمِ مشاعرِه وعواطفِه الحقيقةِ، وضَبْطِها، وأنْ تكونَ لدَيه القدرةُ على السيطرةِ على المشاعرِ السلبيةِ، من خلالِ خِبراتٍ وطُرقٍ اكتَسبَها للتخلُّصِ، أو تَخفيفِ تلكَ المشاعرِ؛ مِثلَ الغضبِ والقلَقِ.

والأهمُّ أنْ تكونَ لدَينا القدرةُ على فهمِ واستيعابِ مشاعرِ الآخَرينَ، إذْ تَعزَّزُ كفاءةُ الذكاءِ العاطفي بالتغذيةِ الإيجابيةِ الراجعةِ، وحِرصِ الإنسانِ على تطويرِ هذه المهارةِ، حتى ينجحَ في حياتِه المِهنيةِ والاجتماعيةِ، موَضِّحا: “فَهمُ المشاعرِ الشخصيةِ، وفَهمُ واستيعابُ الآخَرِ، وتقديمُ التنازلاتِ، واكتسابُ المهاراتِ للتعاملِ مع العواطفِ السلبيةِ” .يقول جميعان.

علاماتُ الذكاءِ العاطفيِّ المُرتفعِ :

أهمُّ علاماتِ الذكاءِ العاطفيِّ المرتفعِ؛ “الاعترافُ بالخطأِ، وتَحمُّلِ المسؤوليةِ، والتعلُّمُ من الأخطاءِ، وتَقَبُّلُ الانتقادِ، وحُسنُ الاستماعِ، والتواصلُ البصري مع الآخَرينَ أثناء الحديثِ، والذي يَعكِسُ الثقةَ بالنفسِ، وكذلكَ احترامُ مَشاعرِ الآخَرينَ، والتواضعُ، والمحافظةُ على المبادئِ والقِيَمِ، مَهما تغيّرتْ الظروفُ، أو كانت المُغرياتُ”.

ويرى أنّ اكتسابَ هذه المهاراتِ لها من الانعكاساتِ الإيجابيةِ المُهمّةِ على الصحةِ العقليةِ والجسديةِ، وعلى العلاقاتِ الاجتماعيةِ، وفقَ المُستشارِ “جميعان”، والأهمُّ هو الشعورُ بالثقةِ والرِّضا عن النفسِ.

كيفيةُ تعليمِ الأطفالِ الذكاءِ العاطفي:

  • علِّموا أطفالَكم ثقافةَ الاعترافِ بالخطأِ، وتَحمُّلَ المسؤوليةِ، وعدمَ تحميلِ الآخَرينَ مسؤوليةَ إخفاقِنا، وإلقاءِ الَّلومِ على الآخَرينَ لتبريرِ أخطائنا.
  • علِّموا أطفالَكم ثقافةَ نَقدِ الذاتِ، وقَبولِ الآخَرِ.
  • علِّموا أطفالَكم ثقافةَ التحرُّرِ من معالجةِ الخطأِ بالخطأِ؛ وذلكَ بتقديمِ بعضِ التنازلاتِ والتسامُحِ.
  • علِّموا أطفالَكم ثقافةَ التحرُّرِ من عقدةِ المنصبِ والمالِ.
  • علِّموا أطفالَكم سيئاتِ ثقافةِ “مِئة عين تدمع، ولا عيني تدمع”.
  • علِّموا أطفالَكم ثقافةَ العملِ الجماعي.
  • علّمْ طفلَكَ أنْ يفرحَ لنجاحِ إخوتِه في البيتِ وأقرانِه.
  • علّمْ طفلَكَ أنْ يكونَ غيورًا، وليس حسودًا.
  • علِّموا أطفالَكم أنْ ليس كلُّ ما يلمعُ ذهَبًا.

لِكُلِّ أمٍّ وأبٍ، لا تَكذبْ أو تُبالغْ بإنجازاتِكَ أمامَ أبنائكَ، ولا تَستخدمْ طُرُقًا مُلتَويةً لِحلِّ المشاكلِ، لأنَّ الطفلَ يقرأُ والدَيه، ويتعلَّمُ منهما، بلْ كُن واقعيًّا، وكُن المِثالَ الصالحَ؛ لأنَّ الإصلاحَ يبدأُ بالنفسِ ومن البيت”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى