Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

مرآتي

عزاء …

توفّيت والدة جارنا، وذهب أبي لتعزيته، وعندما عاد بدا عليه الحزن والتأثر من شدة ما رأى من حال الجار الحزين على فراق أمه، سألته مستغربة هل كان متعلقاً بها إلى هذا الحد؟ وأنا أعرف الجار الكهل ذا الأبناء الثمانية، والأحفاد العشرة، فأجاب أبي: بل إنه لم يعرف والدته إلا قبل بضع سنوات! بدا جليّاً أن ثمة قصة يجب أن تُروَى، ويالها من قصة:

كان الجار جنيناً عمره شهران، عندما اختلف والداه على موضوع تافه اختلقته جدته، وبسبب تسلط الجدة وتعنتها، طُلّقت الأم، ووضعت مولودها وحدها، وكبر في حضنها عامين، حتى أصابه مرض شديد خشيت منه على حياته، فاقترح والدها أن ترسله لأهله خشية أن يصيبه مكروه وتحث مشكلة كبيرة مع عائلة ظالمة كتلك! حملت الأم صغيرها وذهبت به لجدته وعماته لتربيته، وبعد أسابيع، اشتاقت لطفلها فذهبت لتزوره، لكن الجدة والعمة قابلتاها على الباب، وطردتاها بغلظة، وأخبرتها عمة الطفل أنه مات منذ زمن، بعد أن جاءت إليهم به، عادت الأم مفطورة الفؤاد، وقد استسلمت للقدر، ثم مرت الأيام وتزوجت رجلاً آخر حملها معه مسافراً إلى دولة عربية، أما طفلها الذي مات، لم يكن في الحقيقة ميتاً، بل حياً يرزق وبصحة جيدة، ربته جدته وعمته من بعدها، وقد أخبرنه أن أمه ماتت أثناء ولادته!

كبر الطفل الذي صار شاباً فرجلاً فكهلاً، وجاراً لوالدي، وهو لا يعرف سوى أن أمه ماتت، قبل أن يراها، وكبرت أمه في الغربة وحدها على ذكرى صغيرها الأول الذي خطفه منها المرض،،

مرت الأعوام وسافرت قريبة للجار إلى ذات الدولة، ونزلت عند قريبة أخرى، وكعادة الفلسطينيين وأهل غزة بالذات يحبون كل من يجيء إليهم من هناك ويتجمعون لاستقباله والتعرف إليه، القدر ساق الأم المغتربة لزيارة الوافدة الجديدة، وفي سياق التعارف وذكر الأماكن والعائلات، توصلتا إلى أنهما تزوجتا من ذات العائلة سابقاً، وتذكرت الأم طفلها بحسرة بعد أن أخبرتها بقصة وفاته، لكن الزائرة المندهشة أخبرتها أن الطفل “علي” ابن “حسن”، لم يمت، وهو الآن حيّ بل ومتزوج من أختها وله قبيلة من الأبناء والأحفاد!

لم يستطع كل من رووا القصة وصف شعور وصدمة الأم، ثم شعور وصدمة لابن، بعد أن علم كل منهما بأنه أضاع عمره دون الآخر، وبين دموع الحسرة والفرح تاهت الكلمات، حتى استجمع الجار قواه وبدأ يتواصل مع أمه، التي لم يسعفها العمر لتعيش حتى يتمكن من لقائها، فاغتم لموتها فوق المعقول..

ما هوّن عليه أنه بعد حديثه مع والدته تعرف إلى خالته في غزة وأصبح يزورها، ومن سخرية القدر أنها جاءت لزيارتها سابقاً أكثر من مرة قبل أن تعرف أن لها ابناً يسكن غير بعيد عنها!

الذي استوقفني في هذه القصة كيف أن الجدة الظالمة، أو حتى العمة، لم تتراجع أي منهما عن تلك الكذبة الشنيعة وتخبر الرجل بالحقيقة؟ ألم تمر الأعوام ويتبدد الخلاف وينتهي الكره، بل وغابت أمه عن الأعين؟ ألم يؤنبها ضميرها على فراش الموت؟ ألم تشعر بمسئولية تجاه طفل شاخ يتيماً بسببها؟ لم أجد جواباً.. سوى أن مشكلة البشر ليست في الظلم، بل في التمادي فيه، والإصرار عليه!

نِسوية …

كنت أروي لطفلتي كندة (5 سنوات) حكاية سندريلا، لكن بنسختي الخاصة، التي اخترت جعلها “فيمينست” قليلاً، وجعلت سندريلا فتاة طموحة مثقفة تحب القراءة، ولديها موهبة تصميم الأزياء، كانت تقرأ من مكتبة والدها الضخمة رغم أن زوجته الشريرة حرمتها الذهاب إلى المدرسة، وتصمم فساتينها الخاصة وترتديها رغم أنها منعتها من عرضها في المتاجر أو للسيدات، المهم أنني وصلت بسندريلا إلى نموذج الـ “سترونج إندبندنت وومن”، ومن ثم دعوتها لحفلة الأمير، حيث انهالت عليها هناك “عروض العمل” وفرص “وظيفة الأحلام”، بالتزامن مع إعجاب الأمير بها وعرضه الزواج عليها، وسألت كندة: برأيك ما الذي على سندريلا اختياره؟ العمل والطموح أم الزواج من الأمير؟ قالت دون تردد: الزواج من الأمير! حاولت أن “أشيطن” الأمير، فقلت إنها طلبت منه أن تعمل في التصميم وتطلق إبداعها وتنشئ مشروعها الخاص، لكنه هزئ بها وعنّفها ورفض ذلك قطعاً، ثم سألتها مجدداً: لو كنت مكان سندريلا ماذا ستفعلين، قالت: سأحتار، لا تتخيلون فرحتي، وأنا واثقة من أنها أخيراً ستتبع المسار الذي رسمته في قصتي بدهاء، ثم قلت: سندريلا احتارت مثلك، لكنها في النهاية اختارت قبول عرض العمل على الزواج من الأمير، فقالت: “ييي، ما أهبلها! تتجوز الأمير”!

حاولت أن أشرح مميزات قرار سندريلا وصواب اختيارها، فكنت أقول: إنه شخص سئ يمنعها من العمل، فتجيبني: لكنه أمير! وأرسم صورة مشرقة لحياة سندريلا ونجاحاتها القادمة، فتقول: لكنها تركت الأمير!

مستسلمة سألتها: كندة ما تعلمت من القصة؟ قالت بسرعة البرق: أن أتزوج الأمير!

ما هذا الجيل؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى