الدراما الفلسطينيةُ .. جهدُ المُقِلِّ من المؤسَّسةِ الرسميةِ :
تُعدُّ الدراما التليفزيونيةُ قوةً ثقافيةً مؤثّرةً لا يُستهانُ بها في المجتمعاتِ؛ والسببُ في ذلكَ انتشارُها الواسعُ، وقدرتُها على تَخطِّي الحواجزِ والوصولِ إلى أكبرِ عددٍ من الأفرادِ، وهي الناقلُ بامتيازٍ لِهمومِ وآمالِ الشعوبِ، والمُؤثِّرُ الحقيقُ في الجماهيرِ؛ لأنَّ المسلسلاتِ تَدخلُ إلى كلِّ بيتٍ، وتخترقُ عقولَ ومشاعرَ المُشاهدينَ، وتساهمُ في بناءِ المعرفةِ والتعاطفِ إلى حدِّ الاقتناعِ.
ولقد أثّرتْ الدراما الفلسطينيةُ تأثيرًا كبيرًا في المجتمعِ العربي، وفي وَعيِ الأشخاصِ؛ وجسَّدتْ واقعَ الحياةِ، والصراعَ بينَ الخيرِ والشرِّ، ورأيناها قد طرحتْ حلولًا، أو عالجتْ مشكلاتٍ، أو عاداتٍ مجتمعيةٍ سيئةٍ ، فالدراما عامةً لها وظائفُ متعدِّدةٌ في تفكيرِ الناسِ بمختلفِ فئاتِهم، والدراما المقاوِمةُ خاصةً جعلتْ الوطنَ العربيَّ والعالمَ بأسرِه؛ يتعرّفُ على عاداتِ وتقاليدِ الشعبِ الفلسطينيِّ المقاوِمِ، وسَيلِ التضحياتِ التي يقدِّمُها في الذَّودِ عن حياضِ الأُمةِ الإسلاميةِ والعربيةِ بأسرِها.
وأعتقدُ أنَّ من الوظائفِ الأساسيةِ للدراما في المجتمعاتِ هي التوحيدُ؛ حيثُ تَجمعُ الدراما التلفزيونيةُ أُناسًا مُختلفينَ معًا في نفسِ الوقتِ، وفي أماكنَ مختلفةِ لِمشاهدةِ المُسلسَلِ، وتُقدِّمُ نفسَ الرسالةِ، فالمُسلسَلاتُ التي تمَّ إنتاجُها وبثُّها على فضائياتِ فلسطينَ خلالَ السنواتِ الماضيةِ؛ عرَضتْ رسائلَ ثوريةً تاريخيةً؛ تستندُ إلى أحداثٍ حقيقيةٍ، وتتَطرّقُ فرعيًّا إلى قضايا اجتماعيةٍ وإنسانيةٍ بطابعٍ دراميٍّ فريدٍ ومُميَّزٍ.
ومن الجميلِ أنه في العصرِ الحالي نَجِدُ أنّ الثورةَ الرقميةَ، والتكنولوجيا، ومواقعَ التواصلِ الاجتماعي نقلتْ لنا الدراما في أيِّ مكانٍ، وأيِّ وقتٍ، فأصبحتْ هناك مواقعُ على الإنترنت تَعرِضُ أعمالًا دراميةً ضخمةً لا تُعرَضُ على التليفزيونِ؛ مُقابِلَ اشتراكٍ ماديٍّ أو بِدونِ..؛ ففي السيارةِ، أو المَقهى، أو الشارعِ تستطيعُ مشاهدةَ مُسلسَلِكَ المفضَّلِ، ومتابعةَ مشهدٍ رُبّما فاتكَ منه، فلا يوجدُ مكانٌ خالٍ من الدراما “البيتُ والعيادةُ والمَقهى أو حتى المحلُّ الصغيرُ؛ لا بُدَّ من وجودِ تليفزيونٍ أو شاشةٍ؛ وهذا ما جعلَ الدراما تحتَلُّ أثرًا كبيرًا لدَى الجميعِ.
أمّا عن مكوِّناتِ الدراما الفلسطينيةِ، وبِسببِ حداثتِها، تَجِدُها لا تزالُ تعاني الكثيرَ من ضعفِ المقوّماتِ الأساسيةِ، خاصةً في بناءِ الحَبكةِ الدراميةِ والفنيةِ، وأنها كانت أقربَ إلى التجريبِ التقليدي، منها إلى الاحترافِ، ومعَ ذلكَ قدّمتْ العديدَ من الأعمالِ الوطنيةِ بامتيازٍ.
إلَّا أنَّ أغلبَ المسلسلاتِ حافظتْ على تماسُكِ ووحدةِ المَضمونِ بشكلٍ قوي، وعملتْ على مراعاةِ طبيعةِ المجتمعِ الفلسطينيّ المحافظِ المُلتزِمِ دينيًّا وأخلاقيًّا؛ وهذا الأمرُ بدا جَليًّا عبرَ عدّةِ مَشاهدَ تَجمعُ بينَ مُمثِّلينَ وممثلاتٍ، فلم يكُنْ هناكَ أيُّ مصافحةٍ باليدِ بينَ الرجالِ والنساءِ، حتى أنَّ بعضَ المَشاهدِ افتقدتْ لِلحِسِّ العاطفيّ بينَ الأمِّ وابنِها في أقوَى وأقسَى المَشاهدِ تأثيرًا، وأشدِّها لوعةً، وذلكَ عندَ استشهادِ الابنِ أو الزوجِ.
كما ظَهرَ جليًّا اختلافٌ واضحٌ في أداءِ بعضِ الشخصياتِ، وتَبايُنٌ في خصائصِها النفسيةِ والاجتماعيةِ، فبعضُ المشاركينَ يحتاجونَ إلى تدريبٍ أكثرَ لِتَقمُّصِ الشخصيةِ وعَيشِ الدورِ، خاصةً أنَّ التمثيلَ يحتاجُ إلى عنصرِ الإبهارِ، وأنْ تتغلّبَ الصورةُ على الحوارِ، والكلامِ المنطوقِ أثناءَ العملِ الدرامي.
وحتى نُصَرِّحَ باطمئنانٍ أنَّ لدَينا دراما في فلسطينٍ؛ يجبُ أنْ تتوافرَ المؤسسةُ الراعيةُ للحراكِ الدرامي؛ لِخَلقِ مُناخٍ يؤدّي إلى النهوضِ بهذا الجانبِ في حياتِنا الثقافيةِ والإعلاميةِ، وإنْ كانت موجودةً على خَجلٍ.
فمن الواضحِ أنَّ الدراما الفلسطينيةَ تسيرُ بينَ حقولٍ من الشوكِ؛ بفِعلِ الأوضاعِ الاقتصاديةِ الصعبةِ، وغيابِ الاهتمامِ الرسميّ والمؤسساتيّ فيها، والذي يتطلّبُ التفاتَ المؤسَّسةِ الرسميةِ الفلسطينيةِ، عَدا عن أهميةِ توجيهِ المُستَثمرِ الفلسطينيّ إلى أهميةِ الاستثمارِ في هذا القطاعِ المُربحِ ماديًّا ووطنيًّا، بتسويقِ تَطلُّعاتِ الوطنِ وآمالِه إلى العالمِ الخارجي.
ومع تقديري العميقِ للجميعِ، ومحاولاتِهم الرائعةِ؛ فالواقعُ الصعبُ الذي تعيشُه الدراما الفلسطينيةُ، لم يمنعْ عددًا من وسائلِ الإعلامِ، والقنواتِ المَحليةِ الفلسطينيةِ، وبعضِ المحاولاتِ الفرديةِ من خَوضِ غمارِها، عبرَ صناعةِ مُحتوًى فلسطينيٍّ عملَ على إبرازِ الروايةِ الفلسطينيةِ عربيًّا وعالميًّا بهدفِ التأثيرِ الإيجابي لصالحِ القضيةِ الفلسطينيةِ.
أخيراً، أتمنَّى من اللهِ أنْ تنتقلَ الدراما الفلسطينيةُ نقلةً نوعيةً ذاتَ عُمقٍ وتأثيرٍ أكبرَ في جميعِ مكوّناتِها، وأنْ يرى العامُ القادمُ دراما فلسطينيةً نوعيةً غايةً في الرَّوعةِ والتأثيرِ.