اصمتوا … المسؤولية مشتركة
عاجلاً أمْ آجِلاً، ستُواجِهُ الأهلَ مسألةٌ قد يراها البعضُ بسيطةً، ولكنها على درجةٍ عاليةٍ من الأهميةِ، وهي الخروجُ مع أطفالِهم إلى الأماكنِ العامّةِ، حيثُ يتوجّبُ عليهم الاختلاطُ بأشخاصٍ لا يعرفونَهم، كبارًا كانوا أم صغارًا، وحتى لا تتحولَ هذه التجربةُ إلى كابوسٍ، على الأهلِ البدءَ مبكرًا في تعليمِ أطفالِهم قواعدَ التصرفِ والسلوكِ في الأماكنِ العامةِ.
إنّ اصطحابَ الأُمِّ طفلَها الصغيرَ إلى العديدِ من الأماكنِ خارجَ المنزلِ، مِثلَ السوقِ والمتنزّهِ، وزيارةَ بعضِ الأهلِ والأصدقاءِ، يُعدُّ فكرةً صائبةً، وطريقةً ممتازةً لِتُحفّزَ فضولَ الطفلِ وتُنمِّيَ مهاراتِه الاجتماعيةَ في التواصلِ مع الآخَرينَ، ولِتعلّمَه الأخلاقَ الحميدةَ، وتوَسِّعَ آفاقَه ومداركَه.
ومن هنا، يجبُ أنْ يحترمَ الأهلُ اهتماماتِ أطفالِهم، وخلْقَ أنشطةٍ جديدةٍ تتناسبُ وقدراتِهم، كما يجبُ الخروجُ معهم إلى الطبيعةِ كلّما كان ذلك ممكِنًا، وبما أنّ الطفلَ الصغيرَ يكونُ عادةً فضوليًّا ومهتمًّا بكُلِّ ما هو حولَه، مغامرًا لا يعرفُ الخوفَ أو التراجعَ.
فعلى الأهلِ معرفةَ كيفيةِ حمايةِ أبنائهم في الأماكنِ العامةِ، لاسيَّما الأماكنُ التي من المتوَقعِ وجودَ أشياءٍ أو مناطقَ يُمكِنُ أنْ تعرّضَ حياتَهم للخطرِ، في أماكنِ الألعابِ الترفيهيةِ، وحدائقِ الحيوانِ، حتى داخلَ الأماكنِ المغلقةِ، والمنزلِ ذاتِه، فتقديرُ مغامرةِ الطفلِ، واندفاعُه تُجاهَ اكتشافِ الحياةِ مهمّةُ الأهلِ بالدرجةِ الأولى والأخيرةِ، وأيُّ خلَلٍ قد يتعرّضُ له الطفلُ يَنُمُّ عن قصورٍ في عائلتِه في بدايةِ الأمر.
في حادثةِ مدينةِ “أصداء” الترفيهيةِ المؤلمةِ التي أودَتْ بحياةِ طفلٍ بعدَ تعرُّضِه للعضِّ من قِبلِ أحدِ الأسودِ الموجودةِ داخلَ حديقةِ الحيوانِ التابعةِ للمدينةِ، تقعُ المسؤوليةُ الأولى والأخيرةُ على الجهاتِ الحكوميةِ المختصةِ في مراقبةِ هذه الأماكنِ ومتابعتِها؛ لأنّ مراقبةَ تطبيقِ إجراءاتِ السلامةِ في الأماكنِ الترفيهيةِ مهمَّتُهم الأولى والأهمُّ؛ مقابلَ ما تدفعُه هذه الأماكنُ من رسومِ تراخيصَ وضرائبَ، ثُم يتحمّلُ صاحبُ المُلكيةِ والإدارةِ والعاملينَ فيها بقيةَ المسؤوليةِ في الحادثةِ.
الحقيقةُ أنّ مِثلَ هذه الحوادثِ تَحدثُ في بلدانٍ كثيرةٍ بطرُقٍ مختلفةٍ، وما كُنا نتخيّلُ أن تَحدُثَ في غزةَ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ، فالطفلُ ضحيةٌ دقّتْ لنا الخزّانِ أمامَ إهمالِ كافةِ الأماكنِ الترفيهيةِ بسلامةِ مرتاديها… ضحيةٌ عليها أنْ توقِظَ الجميعَ ليكونوا على قَدرِ المسؤوليةِ … ضحيةٌ تقولُ للأهالي؛ إنّ وجودَكم في مكانٍ مغلقٍ بسورٍ لا يعني أنّ أبناءَكم بأمانٍ…. والحقيقةُ أنّ المشاهداتِ اليوميةَ في الأماكنِ العامةِ تدلُّ على أنّ إهمالَ الأهالي واضحٌ ومتفرّعُ في تفاصيلَ كبيرةٍ، وهذا ليس اتِّهامًا لوالدةِ “قطيط” …؛ وإنما إشارةٌ إلى أنّ مسؤوليةَ أبنائنا مطلوبةٌ منّا بالدرجةِ الأولى … وتَفقُّدَنا للمكانِ، وإجراءاتِ السلامةِ فيه مطلوبٌ مِنا كأهالي للمحافظةِ على سلامتِهم….
للأسفِ يا حكومةَ غزة، أبناؤنا ليسو بأمانٍ بالمُطلقِ … أماكنُ ترفيهيةٌ مميتةٌ …! مطاعمُ تقدّمُ وجباتٍ نيّئةٍ ومغشوشةٍ في كلِّ المواسمِ …! مدارسُ تصطحبُهم إلى رحلاتٍ مدرسيةٍ؛ وتُخلي مسؤوليتَها عن أيِ حادثةٍ تحدثُ للطفلِ خلالَ الرحلةِ، حتى لو خسرَ حياتَه، باصاتٌ تنقلُهم إلى المدارسِ والروضاتِ مكدَّسةٌ بإعدادٍ هائلةٍ، وغيرُ مؤهلة أصلاً لنقلِ الطلبةِ… الضربُ والتنمرُ والسخريةُ والتمييزُ والواسطةُ والمحسوبيةُ في منظومةِ التعليمِ… نظامٌ صحيٌّ بائسٌ للأسفِ يخضعُ للمحسوبيةِ والواسطةِ، حتى في نوعِ العلاجِ ومكانِه … وأنتم تقفونَ مكتوفي الأيدي إلى متى ؟!