فحوصاتُ ما قبلَ الزواجِ ضرورةٌ لإنجابِ أطفالٍ أصِحاءَ

السعادة
الدكتور : محمود عبد الصمد طبيب عام
حياةٌ جديدةٌ تنتظرُ العروسينِ؛ بيتٌ صغيرٌ وأطفالٌ يزيدونَ حياتَهم سعادةً وبهجةً، لذلك وجبَ على كل من يُقدِمُ على الزواجِ التأكدُ منها عن طريقِ الفحصِ الطبي. والفحصُ الطبي المعمولُ به في فلسطينَ إجباريٌّ قبلَ الزواجِ؛ هو مرض “الثلاسيميا”، فما طبيعةُ هذا المرضِ؟ وما أسبابُه؟ وما علاجُه؟ وما أنواعُ الأشخاصِ المصابين به؟ وما احتماليةُ ولادةِ أطفالٍ مصابينَ أو حاملينَ لهذا المرضِ؟ هذه الأسئلةُ وغيرُها يجيبُ عليها في حوارٍ د. مهند الغاوي .
دكتور حدِّثنا عن طبيعةِ هذا المرضِ؟
“الثلاسيميا” مرضٌ وراثي يؤثّرُ في صنعِ الدمِ ، فتكونُ مادةُ “الهيموغلوبين” في كرياتِ الدمِ الحمراءِ غيرَ قادرةٍ على القيامِ بوظيفتِها، ما يسبّبُ فقرَ الدمِ وراثياً ومزمناً يصيبُ الأطفالَ في مراحلِ عمرِهم المُبكرِ، نتيجةً لتلقّيهِم مورّثينَ مُعتلّينَ، أحدُهما من الأبِ والآخَرِ من الأمِ.
كيف يَحدثُ مرضُ الثلاسيميا؟
يحدثُ مرضُ “الثلاسيميا” نتيجةَ خللٍ وراثيٍّ مُعيّن؛ يؤدّي إلى نقصٍ حادٍّ في إنتاجِ بروتيناتٍ خاصةٍ في الدمِ تسمَّى “الغلوبين”، وهذه المادة الأخيرةُ هي المكوّنُ الرئيسَ “للهيموغلوبين” الموجودِ في خلايا الدمِ الحمراءِ.
مادةُ “الهيموغلوبين” هذه هي المسؤولةُ عن حملِ الأوكسجين من الرئتينِ إلى مختلفِ أجزاءِ الجسم، وبالتالي عندما تقلُّ هذه المادةُ لأيِّ سببٍ؛ يحدثُ فقرُ الدمِ (أنيميا)، وتكسُّرٌ سريعٌ في خلايا الدمِ الحمراءِ، ونقصٌ في كميةِ الأوكسجينِ التي تصلُ أجزاءَ الجسمِ المختلفةَ.
ما هي أعراضُ الثلاسيميا ؟
شحوبٌ شديدٌ بالجلدِ، مع فقرِ دم (الأنيميا)، وضعفُ الشهيةِ، وقلّةُ الطاقةِ والنشاطِ، وتضخُمُ الطحالِ.
وإذا لم يعالَجْ بطريقةٍ صحيحةٍ؛ تظهرُ بعد َذلك عدّةُ أعراضٍ منها، التأخُرُ في النموِ الجسمي والجنسي، وبروزُ ونتوءُ بعضِ عظامِ الوجهِ، وهشاشةُ العظامِ، كذلك تجمُّعُ الحديدِ في مختلفِ أنحاءِ الجسمِ، وحدوثُ تلَفٍ في عضلةِ القلبِ والكبدِ والبنكرياسِ، وكافةِ الغددِ الصمّاءِ بالجسم، عِلماً أنه لا يوجدُ أيُّ تأثيرٍ لمرضِ “الثلاسيميا” على النموِ العقلي والذهني لهؤلاءِ الأطفالِ.
كيف يتمُ توارثُ مرضِ الثلاسيميا؟
تنتقلُ السمةُ المسبّبةُ لهذا المرضِ من الآباءِ للأبناءِ عن طريقِ أجسامٍ مُعيّنةٍ تُسمّى بالجيناتِ (المورثات)، وهذه الأجسامُ هي المسؤولةُ عن نقلِ خصائصِ الآباءِ للأبناءِ، ولكي يظهرَ المرضُ، وتبدأَ مضاعفاتُه؛ لا بدَّ وأنْ يجتمعَ في جسمِ الشخصِ المصابِ جينانِ (واحدٌ من الأبِ والآخَرُ من الأمِ ) يحملانِ هذه السمةِ.
ماذا لو حملَ الشخصُ جيناً واحداً فقط؛ يحملُ هذه السمةَ المسبّبةَ للمرضِ؟
في هذه الحالةِ يكونُ الشخصُ حاملاً للمرضِ، وليس “مريضا”، وبالتالي لا تظهرُ عليه علاماتُ المرضِ أو مضاعفاتُه، ولكنْ سيكونُ هناك احتمالٌ لأنْ ينقلَ هذا الجين (السمة) لأطفالِه في المستقبلِ.
ما احتمالُ ولادةِ أطفالٍ مصابينَ أو حاملينَ لهذا المرضِ؟
تختلفُ الاحتماليةُ تبعاً لوجودِ هذه السمةِ في أحدِ الوالدينِ أو في كِليهِما معاً، فالحالةُ الأولى في حالِ تزوّجَ شخصٌ سليمٌ (لا يحملُ الجينَ الحاملَ لسمةِ الثلاسيميا) بشخصٍ يحملُ الجينَ الذي به الخللُ؛ فيكونُ احتمالُ ولادةِ طفلٍ “حاملٍ للمرضِ” بنسبة( 50%) في كلِّ ولادةٍ؛ مقابلَ( 50%) لولادةِ طفلٍ لا يحملُ السمةَ الجينيةَ، وفي هذه الحالةِ لا يوجدُ أيُّ احتمالٍ لولادةِ طفلٍ مريضٍ.
والحالةُ الثانية، إذا تزوجَ شخصانِ يحملانِ سمةَ الثلاسيميا (أي أنّ بكلٍّ منهما جيناً واحداً فقط يحملُ هذه السمة) يكونُ احتمالُ الأطفالِ على ثلاثةِ أنواعٍ؛ هناك احتمال (25% )من كلِّ ولادةِ لمجيء طفلٍ “سليم” لا يحملُ أيَّ جينٍ به سمةُ الثلاسيميا (سليم كلياً: ليس حاملاً للسمةِ ولا مريضاً). وهناك احتمالُ( 50%) من كلِّ ولادةٍ لمجيءِ طفلٍ يحملُ جيناً واحداً به سمةُ الثلاسيميا، وبالتالي يكونُ حاملاً للمرض. وهناك احتمالُ( 25%) من كلِّ ولادةٍ لمجيءِ طفلٍ مصابٍ بالثلاسيميا (مريض) أي يحملُ الجينينِ المصابَينِ معاً.
هل هناك علاقةٌ بين زواجِ الأقربِاءِ والإصابةِ بمرضِ الثلاسيميا؟
نَعم، إذا كان هناك حالاتُ ثلاسيميا بالعائلةِ، فزواجُ الأقرباءِ يزيدُ من فرصِ الإصابةِ بالمرضِ؛ بسببِ ارتفاعِ احتمالِ أنْ يكونَ لدى القريبينَ نفسُ الجينِ الذي يحملُ سمةَ المرضِ.
كيف نستطيعُ تجنُّبَ ولادةِ طفلٍ مصابٍ بالثلاسيميا؟
نستطيعُ أنْ نُجنّبَ أبناءنا هذا المرضَ الخطيرَ عن طريقِ القيامِ بفحصٍ بسيطٍ يُدعى ” فحصُ ما قبلَ الزواجِ” ؛ وهو الفحصُ لعيّنةٍ من الدمِ متوفّرٍ مجاناً في المراكزِ الصحيةِ التابعةِ لوزارةِ الصحةِ، فما على الراغبينَ بالزواجِ إلّا أنْ يقومَ أحدُهما بعملِ فحصِ الثلاسيميا، وفي حالةِ حملِه للسمةِ الجينيةِ؛ يقومُ الطرَفُ الآخَرُ بالفحصِ، وإذا لم يكنْ “حاملاً” أو إذا ثبتَ خلوُّهُ من السمةِ الجينيةِ؛ فلا يوجدُ هناك احتمالٌ بأنْ يولدَ طفلٌ مريضٌ؛ أي إذا كان أحدُ الوالدينِ فقط يحملُ السمةَ، أو كان كلاهُما خاليَيْنِ من السمةِ الجينيةِ؛ فبإمكانِهما إتمامُ الزواجِ دونَ الخوفِ على صحةِ الأطفالِ من هذه الناحيةِ.
ماذا يحدثُ إذا كان الخاطبانِ حاملَينِ لسمةِ الثلاسيميا؟
إذا كان الخاطبانِ حاملَينِ لسمةِ الثلاسيميا، فأمامهما عدّةُ خياراتٍ: فإنْ اختارَ الخطيبانِ الزواجَ والإنجابَ، فهناك احتمالُ( 25%) في كلِّ عمليةِ حملٍ أنْ يولدَ طفلٌ مصابٌ بالثلاسيميا، وهذا أمرٌ مثيرٌ للحيرةِ لهما، كذلك يُنصحُ الحاملونَ لجينِ الثلاسيميا الراغبونَ في الزواجِ أنْ يختاروا شريكاً لا يحملُ هذا الجينَ، ومن هنا نستطيعُ حمايةَ أبنائنا من الإصابةِ بالمرضِ في المستقبلِ، ونساهمُ في منعِ ظهورِ ولاداتٍ جديدةٍ لأطفالٍ مصابينَ بهذا المرضِ الخطيرِ.