Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

الحمايةُ الشعبيةُ للمرأةِ

يُعَدُّ الخلافُ والاختلافُ من الخصالِ التي جُبلتْ عليها النفسُ البشريةُ، حتى أنّ الطبيبَ النفسيَّ مارك بورغ يقولُ “إنَّ الغيابَ التامَّ للخلافاتِ ليس ظاهرةً صحيّةً، حيثُ إنه يعني انعدامَ الثقةِ بينَ أطرافِ العلاقةِ، وأنَّ كلَّا منهم يحاولُ أنْ يُظهِرَ التوافُقَ حتى لا تنهارَ العلاقاتُ.

والعلاقةُ الزوجيةُ تتشابَهُ مع كثيرٍ مع العلاقاتِ في هيكلِها، إلَّا أنها علاقةٌ لها خصوصيةٌ تقومُ على المَودّةِ والرحمةِ، والأدوارِ المتكاملةِ، والتوازنِ، وهي أكثرُ العلاقاتِ متانةً وقوةً؛ إلّا أنها لا تَخلو من الخلافاتِ؛ لذلكَ فقدْ أسَّسَ الإسلامُ منهجيةً لحلِّ هذه الخلافاتِ، ودفعَ باتّجاهِ الصُّلحِ وإصلاحِ ذاتِ البَينِ، وجعلَ الغَلَبةَ لهذا المبدأِ في حلِّ المشكلاتِ الأسريةِ والزوجيةِ، وجعل قولَه تعالى:(َ إنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)، وقولَه: (َإنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْـحاً وَالصُّلْـحُ خَيْرٌ) ؛مُرشِدًا وهاديًا .

أمّا إذا لم ينجحْ الحكماءُ في حلِّ المشكلةِ؛ يَحِقُّ لِمَن يشعرُ بالظلمِ التقاضي لحمايةِ حقوقِه، وكان هذا الدَّورُ مَنوطًا بالدولةِ، عندما كانت الدولةُ قويةً، تستطيعُ أنْ تحافظَ على تماسُكِ المجتمعِ وقوَّتِه، وتَحُدُّ من التعدّي على الحقوقِ، دونَ تدَخُلِ الواسطةِ والمحسوبيةِ، وتُقدِّمُ الخدماتِ اللازمةَ للفئاتِ الضعيفةِ والمتضرّرةِ من العلاقاتِ الفاشلةِ.

أمّا في الحالةِ الفلسطينيةِ، حيثُ نعيشُ تحتَ الاحتلالِ، وفي ظِلِّ نظامٍ سياسيٍّ ضعيفٍ ومُتَرَهِلٌ، ومجتمعٍ متمسِّكٍ بعاداتِه وتقاليدِه؛ يرفضُ أنْ يكونَ التدَخُلُ القانوني هو الحاكمُ في الخلافاتِ الزوجيةِ؛ لأنَّ هذا التدَخُلَ هو إنهاءٌ للعلاقةِ بشكلٍ قطعيٍّ وسَيِّئٍ، ويتركُ آثارًا نفسيةً سلبيةً على طرَفي المشكلةِ، قد توَلِّدُ فجورًا في الخصومةِ، نظرًا لِحدَّيةِ الأحكامِ القانونيةِ، فيجبُ أنْ يكونَ هناك رابحٌ وخاسرٌ، فالنفسُ البشريةُ لا تَقبلُ الخسارةَ، كما أنّ الحلولَ القانونيةَ تلتزمُ بالأدِلَّةِ والوثائقِ التي قد يعجزُ صاحبُ الحقِّ من الحصولِ عليها.

لذلكَ التزَمَ المجتمعُ الفلسطينيُّ خلالَ المراحلِ التاريخيةِ المختلفةِ بالإصلاحِ؛ من خلالِ الحلِّ العُرفيِّ أوِ العشائريِّ، أو ما يُطلِقُ عليه بعضُ المُهتمينَ بإصلاحِه (الحمايةَ الشعبيةَ) ، لِما له من آثارٍ إيجابيةٍ على استمرارِ العلاقةِ، والوصولِ لحلولٍ تَوافقيةٍ تُرضي طرَفيِ النزاعِ ، ويحافظُ على تماسُكِ الأسرةِ والمجتمعِ وتَرابُطِهم، ويقلّلُ الأضرارَ الناجمةَ عن الخلافِ سواءً على صعيدِ العلاقاتِ بينَ الأُسرِ، أو الحفاظَ على الأبناءِ، إنَّ أهمَّ إيجابياتِ الحمايةِ الشعبيةِ أنَّ الحلَّ نابعٌ من أفرادِ المجتمعِ المُتراحِمِ بالأصلِ، فهُم يقومونَ بعمليةِ إعادةِ، وصياغةِ، وإنتاجِ منهجِ عملٍ ورؤيةٍ لكُلِّ القضايا، بما يتناسبُ معَ المجتمعِ دونَ استيرادِ قوالبَ جاهزةٍ تُمارسُ دورَ الوصايةِ على مجتمعاتِنا.

لقد عمدتْ بعضُ الجهاتِ الطعنَ بهذا الشكلِ من أشكالِ الإصلاحِ؛ بوَصفِه يظلمُ المرأةَ، ويُصادِرُ حقوقَها لصالحِ الرجلِ؛ كونَها الحلقةَ الأضعفَ، وأنّ أيَّ حلٍّ يأتي على حسابِ حقوقِ المرأةِ، إلّا أنّ هذا الطعنَ يفتقدُ للمنهجيةِ والتشخيصِ السليمِ، وهنا لا أُنكِرُ وجودَ بعضِ الإشكالاتِ في التطبيقِ، ليس لِخَلَلٍ في المنهجِ، وإنما لعدمِ صلاحيةِ بعضِ رجالِ الإصلاحِ والوجهاء والمَخاتيرِ لحلِّ النزاعاتِ الأُسريةِ، وغلَبةِ المصلحةِ الماديةِ عندَ بعضِهم، وكذلكَ المشاكلُ والتنافُرُ بينَ رجالِ الإصلاحِ القائمينَ على حلِّ الخلافاتِ.

لذلكَ فإننا نَدعو إلى الحفاظِ على منظومةِ الحمايةِ الشعبيةِ، وإصلاحها، وتقويمِ كلِّ اعوِجاجٍ لحمايةِ كلِّ أفرادِ المجتمعِ، وخاصةً المرأةَ، ويجبُ أنْ يكونَ هذا من أهمِّ الأولوياتِ للحفاظِ على مجتمعٍ مَتينٍ، مُتماسِكٍ، ومُتراحِمٍ، وجبهةٍ داخليةٍ صلبةٍ في وجهِ احتلالٍ وحشيٍّ يمارسُ كلَّ السياسياتِ لتفكيكِ مجتمعِنا وهَدْمِه.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى