التربيةُ بِصبغةٍ أمنيَّةٍ
أَعتقِدُ أنَّ جميعَنا يتَّفِقُ على أنَّ التربيةَ قوَّةٌ ضابِطةٌ لسلوكِ الأفرادِ، إذْ يتَّخِذُها المجتمعُ أداةً لِضَمانِ استمرارِه، والحفاظِ على مقوِّماتِه الثقافيةِ، وتحقيقِ تَكيُّفِ الفردِ مع بيئتِه الاجتماعيةِ، فالتربيةُ بنَوعَيْها الرسميِّ وغيرِ الرسميِّ، المقصودةِ وغيرِ المقصودةِ، تُعَدُّ من أهمِّ أدواتِ الضبطِ الاجتماعيّ، فهي تُساعدُ الأفرادَ على التكيُّفِ مع مُجتمَعِهم، وعدمِ الخروجِ على المعاييرِ والقِيَمِ السائدةِ التي رسمَها المجتمعُ؛ ما يساعدُ الأفرادَ على التكيُّفِ والانصهارِ في بوتقةِ الأخلاقِ، فتُقلِّلُ من الانحرافِ الاجتماعي، كما أنَّ القِيَمَ والاتجاهاتِ تعملُ على تَحَقُّقِ أمنِ المجتمعِ واستقرارِه.
فكيف بنا إذا تَحدَّثْنا عن التربيةِ الأمنيّةِ بالتحديدِ؟! لوَجَدْنا أنفُسَنا في أمَسِّ الحاجةِ حاليًّا لتربيةِ أبنائنا تربيةً أمنِيَّةً صحيحةً واعيةً، لأنهم همُ المستقبَلُ، وهمُ الأملُ المنشودُ، فما يَشهَدُه العالمُ من تَطوُّرٍ سريعٍ، ونموٍّ مُطَّرِدٍ في كلِّ المجالاتِ؛ يوجِبُ مواكَبةَ هذا التسارُعِ ومجاراتَه، وتربيةَ أبنائنا تربيةً تساعدُهم على فَهمِ ما يدورُ حولَهم، وتَحميهم وتُمَكِّنُهم من العيشِ بأمنٍ واستقرارٍ، لِنَنْعَمَ جميعًا بوَطنٍ آمِنٍ، ومُجتمعٍ خالٍ من الجهلِ، ونَسعَدُ بالثقافةِ الأمنيَّةِ .
وعندَما نتحدّثُ عن نظريةِ الأمنِ الشاملِ، أوِ الأمنِ التكامُليّ، فقدْ يتَّسِعُ دَورُ المنظومةِ الأمنيّةِ لِيَشملَ كلَّ مَناحي الحياةِ؛ ما يَستلزِمُ بالضرورةِ تطوُّرَ المسؤوليةِ؛ فلم تَعُدْ الأجهزةُ الأمنيّةُ وَحدَها المسؤولةَ عن أمنِ المواطنِ؛ بلْ أصبحتْ جميعُ المؤسَّساتِ الرسميةِ، وغيرِ الرسميةِ ضِمنَ إطارِ المسؤوليةِ التي تُحَقِّقُ أمنَ الوطنِ والمواطنِ.
وهنا، كان لابدَّ من الاهتمامِ بدَورِ الأسرةِ والأهلِ والمجتمعِ ، والاهتمامِ بتطويرِ العلاقةِ بينَ مؤسَّساتِ التربيةِ، والمؤسَّسةِ الأمنيّةِ، في إطارِ العلاقةِ الوظيفيّةِ المُتزامِنةِ؛ فالأسرةُ هي المَدرسةُ والمؤسَّسةُ الأولى في التربيةِ، وفي تعزيزِ المفاهيمِ الأمنيّةِ لأبنائها من خلالِ تَوجيهاتِ الآباءِ والأمهاتِ، وهي الأساسُ الذي تنطلقُ منه المؤسَّساتُ التربويةُ والأمنيّةُ، ومن المؤكَّدِ أنه لا أمنَ لأيِّ مُجتمَعٍ؛ ليس فيه أمنٌ أُسَريٌّ، وليس فيه أُسرةٌ مسؤولةٌ تهتمُّ بأمنِ أفرادِها ومُجتمَعِها.
ولأنَّ المَدرسةَ هي الحِضنُ الفِكريُّ الطبيعيُّ والثقافيُّ الآمِنُ؛ كان من الضروريِّ احتواءُ المناهجِ الدراسيةِ على العديدِ من المواضيعِ الأمنيّةِ الهادفةِ والمؤثِّرةِ، حيثُ من المُفترَضِ أنْ تقومَ جهاتٌ تعليميةٌ مُختَصَّةٌ بإعدادِ الجانبِ النظريّ للمحتوَى التدريبيّ، بالتعاونِ مع الجهاتِ الأمنيّةِ حسبَ خُطةٍ مدروسةٍ وموَزَّعةٍ على الفئاتِ والمراحلِ التعليميةِ، وعلى الوزارةِ تجهيزَ أماكنِ تقديمِ وعَرْضِ المُحتوَى التدريبيّ، والمُختصينَ الذين سيَقومونَ بتوضيحِ وشرْحِ هذه المواضيعِ الأمنيّةِ، كما يجبُ عليها أنْ تُتابِعَ النتائجَ للتعرُّفِ على التغذيةِ الراجعةِ، ومُعدَّلاتِ التغيُّرِ في الانحرافِ السلوكي، والخروجِ بقراراتٍ وتَوجيهاتٍ مع الجهاتِ الأمنيةِ؛ لتطويرِ المُحتوَى أو لإثرائهِ حسبَ الاحتياجاتِ التي رشحتْ من التقييماتِ والتغذيةِ الراجعةِ.
وهنا نؤكّدُ على أنّ عمليةَ طرْحِ وممارسةِ التربيةِ الأمنيّةِ؛ تَتِمُّ من خلالِ عمليةٍ تَشارُكيَّةٍ بينَ المؤسَّسةِ الأمنيّةِ والمؤسَّساتِ التعليميةٍ _كلٌ حسبَ دَورِه_ ويجبُ أنْ تعملَ التربيةُ الأمنيّةُ _وخصوصًا ما يتَّصِلُ منها بالمناهجِ الدراسيةِ_ على مواكبةِ المُستجدّاتِ الأمنيّةِ، وتوضيحِ سُبُلِ مواجهتِها من خلالِ ربطِ هذه السُّبلِ بما يتلاءَمُ والمُستَجَدّاتِ المُعاصِرةِ، ومواجهةِ عملياتِ الإسقاطِ والتجنيدِ، وظاهرةِ ترويجِ المخدِّراتِ والمؤثِّراتِ العقليةِ. ويجبُ أنْ تَضُمُّ هذه المناهجُ بعضَ الأمثلةِ الواقعيةِ، والمشكلاتِ الحقيقةِ معَ الحلولِ المُناسبةِ للمشكلاتِ التي طُرحتْ، بعدَ أنْ تُبرِزُ خُطورتَها وأثَرَها المُدَمّرَ على الفردِ والأسرةِ، والمجتمعِ.
ومن الواجبِ أيضًا تعريفُ الطلبةِ بجهودِ الأجهزةِ الأمنيّةِ، ودَورِهم في خدمةِ أمنِ المجتمعِ، والتأكيدُ على أهميةِ تَعاوُنِ المواطنِ، وتَفَهُمِه لجهودِ الأجهزةِ الأمنيةِ، وكذلكَ تعريفُهم بدَورِهم المُهِمِّ والمُتميِّزِ في المحافظةِ على أقرانِهم، وبيانُ كيفيةِ مساعدةِ رجالِ الأمنِ في المحافظةِ على أمنِ وسلامةِ المجتمعِ، معَ التعريفِ بالجهاتِ التي يُمكِنُ أنْ يلجأَ إليها المواطِنُ للإبلاغِ عن أيِّ جريمةٍ يَعلَمُ بها أو يشاهدُها، ففي عصرِ “الإنترنت” لا حدودَ ولا حواجزَ للجرائمِ والمُجرمينَ، فالأمنُ _الذي هو من أسمَى الغاياتِ_ يُمكِنُ أنْ يُختَرَقَ من خلالِ التكنولوجيا المُتقدِّمةِ، وقُدراتِ المهاجِمينَ والمتطفِّلينَ، وهنا يجبُ أنْ تتَضَمّنَ برامجُ التربيةِ الأمنيّةِ مواكَبةً لكُلِّ جديدٍ في عصرِ التكنولوجيا الحديثةِ، من مُعَدَّاتٍ، وأجهزةٍ، وبرامجَ، وتطبيقاتِ اختراقٍ، وغيرِها، حتى يتَسنَّى لأبنائنا مواجهةُ الجريمةِ الأمنيّةِ وأساليبِها بدِقّةٍ وسرعةٍ وكفاءةٍ عاليةٍ.