عامِلوا الناسَ بلُطفٍ ومحبةٍ .. فالدنيا دَوّارة!
نَسُوقُ معاً هذه القصةَ القصيرةَ؛ لكي نأخذَ منها عِبرةً وعِظةً في هذه الدنيا الفقيرةِ البائسةِ، فيُحكَى أنّ نجّارًا كان يعيشُ في إحدى القرى البعيدةِ مع زوجتِه وابنِه الصغيرِ، وكان يُقيمُ معهم؛ والدُه العجوزُ الطاعنُ في السنِّ.
لم يكُنْ النَّجَّارُ يُحسِنُ معاملةَ والدِه على الإطلاقِ! فقد كان يقدِّمُ له الطعامَ في إناءٍ قذِرٍ مصنوعٍ من الصَّلصالِ، ولم يكنْ ذلكَ الطعامُ بالكافي، الذي يسدُّ جوعَ ذلكَ العجوزِ المسكينِ.
ليس هذا وحسْبُ، بل كان يُسيءُ إليه بالتوبيخِ والصُّراخِ والعباراتِ القاسيةِ المؤذيةِ، كُلّما أُتيحتْ له الفرصةُ لذلكَ، والعجوزُ صامتٌ مُنكَسِرٌ لا يتكلّمُ ولو بكلمةٍ واحدةٍ.
أمّا ابنُ النجارِ الصغيرِ، فقد كان مختلفًا عن والدِه، كان طفلاً طيّبًا، يحبُّ جدَّهُ كثيرًا، ويَحترِمُه ويُحسِنُ معاملتَه، وكثيرًا ما شعرَ بالغضبِ والضيقِ من تصرّفاتِ والدِه، وفي أحدِ الأيامِ، بينما كانت العائلةُ تتناولُ طعامَ الغداءِ، وقعَ إناءُ الطعامِ من بينِ يدَيِ العجوز_ دونَ قصدٍ_ وتَحطَّم إلى قطعٍ صغيرةٍ، فاستشاطُ ابنُه غضَبًا، وانهالَ على والدِه المسكينِ بِوابِلٍ من الشتائمِ المؤذيةِ الجارحةِ! أمّا العجوزُ فلم يَرُدُّ هذه المرّةَ أيضًا. لقد كان يشعرُ بالأسَى لأنه كسرَ الصحنَ، وكلماتُ ابنِه مزّقتْ قلبَه دونَ أنْ يكونَ له حيلةٌ في الدفاعِ عن نفسِه، أو تهدئةِ غضبِ ابنِه.
لم يتقبّلْ الحفيدُ ما كان يَحدُثُ أمامَه؛ وحزنَ أشدَّ الحزنِ لطريقةِ تَعامُلِ والدِه القاسيةِ مع الجدِّ المسكينِ؛ لكنَّه هو الآخَرُ كان ضعيفًا، لا يَجرؤُ على الوقوفِ في وجهِ والدِه!
في اليومِ التالي، ذهبَ النَّجَّارُ إلى وَرشَتِه _كالعادةِ_ ليبدأَ عملَه، فوجدَ ابنَه الصغيرَ هناكَ؛ وقد راحَ يصنعُ شيئًا ما بالخشبِ.
فقال له والدُه: ما الذي تصنعُه يا بُنيَّ؟
فأجابَ الابنُ: إني أصنعُ إناءً خشبيًا للطعامِ…
الأبُ: إناءٌ خشبيٌّ! ولمن؟!
إنّه لكَ يا أبي، عندَما تَكبَرُ وتتقدّمُ في السِّنِّ مِثلَ جدّي؛ ستحتاجُ إلى إناءِ طعامٍ خاصٍّ بكَ، فالأوعيةُ الفَخَّاريةُ تنكَسِرُ بسرعةٍ، وقد أَضطَّرُ حينَها لتَوبيخِكَ بقسوةٍ؛ لِذا ارتأيْتُ أنْ أصنعَ لك إناءً خشبيًّا لا يَنكسِرُ.
عندَ هذه الكلماتِ، أجهشَ الأبُ بالبُكاءِ، لقد أدركَ خطأَه أخيرًا، وعرفَ مقدارَ ما سبَّبَه لوالدِه المسكينِ من ألمٍ، فقرَّرَ التكفيرَ عن أخطائه، ومنذُ ذلكَ اليومِ حرصَ على أن يُحسِنَ لأبيهِ العجوزِ، ويقومَ على رعايتِه كما يجبُ.
رُبَما انتهتْ هذه القصةُ بتنهيدةٍ قاسيةٍ، وألَمٍ أصابَ قلوبَنا؛ لكنَّ الدروسَ والعِبرَ منها لم تَنتَهِ، فكثيرٌ من الأبناءِ ما يؤذونَ آباءَهم وأُمهاتِهم، دونَ مراعاةٍ لِسِنِّهم الكبيرِ، ودونَ مراعاةٍ لأحاسيسِهم وشعورِهم الذي قد يُمزِّقُ قلوبَهم.
عامِلوا الناسَ كما تُحِبُّونَ أنْ يعاملوكم، فالدنيا دوّارةٌ.. وسيَأتيكم الدورُ عاجلاً أو آجِلًا.