Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

أهلاُ رمضان

نتمنَّى أنْ يُقبِلَ علينا شهرُ “رمضانَ” بِحُلَّةٍ مختلفةٍ، ومَتَجدِّدةٍ ، لم نألَفْها، تَساءَلْنا كثيرًا عن شكلِه ولونِه في أيامِنا الماضيةِ، وكيف نَتعامَلُ معَه بصورةٍ جديدةٍ، وبضوابطَ عديدةٍ، نخشَى القادمَ، ونحن الذين كُنا نتمنَّى ونَدعو أنْ يأتيَ بشكلٍ جديدٍ؛ خروجًا من روتينِ الأيامِ ونَمَطيةِ الليالي ، أمَلاً في التجديدِ، وخروجًا عن المألوفِ .

يأتي “رمضانُ” بثوبٍ جديدٍ؛ لِيُنظِّمَ علاقاتِنا الاجتماعيةَ، ويَضبِطَها، ويُخفِّفَ أعباءَنا الاقتصاديةَ، فهي فرصةٌ جميلةٌ ونادرةُ الحدوثِ، جاءتْ على طبقٍ من رغباتِنا وأُمنيّاتِنا، فرصةٌ للخروجِ من نمَطيّةِ السلوكِ إلى مُتعةِ التجديدِ، الخروجِ من القوالبِ والأفكارِ المخزونةِ، التي طالَما شكّلتْ كثيرًا من قناعاتِنا، إلى مُمارسةٍ عمليةٍ تُحقِّقُ ذواتِنا.

“رمضانُ” اليومَ بقالبٍ جديدٍ أكثرَ بُعدًا عن المحيطينَ والمخالِطينَ، وأكثرَ قُربًا إلى المَولَى “عزَّ وجلَّ”، أكثرَ قربًا من فلسفةِ “رمضان” التي غُيِّبتْ سنينَ ماضيةً، وقتلتْ فيه كثيرًا من المَعاني والقِيَمِ باسمِ عاداتٍ وتقاليدَ، فهل “رمضان” اليومَ فرصةٌ جميلةٌ لإعادةِ رسمِ سياساتٍ رمضانيةٍ متوازِنةٍ مع الروحِ والجسدِ، وإعادةِ تشكيلِ قناعاتٍ أكثرَ عُمقًا وفَهمًا لِحِكمةِ الصيامِ والتعاطي مع تفاصيلَ “رمضان” باسترخاءٍ أكبرَ ورَوِيَّةٍ؟

ومن جانبٍ آخَرَ تَعلو أصواتٌ عديدةٌ في “رمضان”، بأنَّنا رمضانيو النزعةِ، نعودُ إلى اللهِ، ونتراجعُ بِسَفَرِه وانقضائه، ليتكرَّرَ المَشهدُ في كلِّ عامٍ.

أحِبَتِّي، “رمضان” موسِمٌ ينبغي أنْ يُستقبَلَ باختلافٍ، وجميلٌ أنْ نكونَ رمضانيِّينَ، مُختلفينَ، ومتميِّزينَ فيه، فهو محطةٌ لإعادةِ البناءِ، وترميمِ النفسِ، واستعادةِ تَوازُنِها، بعدَ أنْ أعيَتْنا الحياةُ بزيفِها واللَّهْثِ خلفَ فُتاتِها .

فكيف لا نكونُ رمضانيّينَ في “رمضان”؟ ولِمَ لا نستثمرُ لحظاتِه وأنفاسَه الطاهرةَ؟ “فرمضان” ليس فرصةً لِجَلدِ الذاتِ، وللبكاءٍ على أطلالٍ، وتعذيبِ أرواحٍ، فوَ اللهِ “رمضان” ما جاء من أجلِ ذلكَ، فلا وقتَ للعتابِ والجدالِ، ولا وقتَ لِنَنْكأ جراحَ الماضي، وتقصيرِ الأمسِ، وذنوبِ البارحةِ، تعالَوا بنا لنركبَ قطارَ “رمضان” عبرَ محطاتِه الثلاثينَ، تعالَوا لنكونَ رمضانيّينَ حقًّا، نُشبِعَ حاجاتِنا، ونُغَذّيَ أرواحَنا، ونُقيمَ شرَعَنا، ونُجسِّدَ العطاءَ والسَّخاءَ، وننهلَ من بركاتِ “رمضان”، ونقتربَ من ربِّنا .

هذا “رمضانُ”؛ ضَعفٌ وجوعٌ لِتَقوَى ولِتملأَ روحَك تَقوَى، من مَعيَّةِ اللهِ، وبُعدًا عن الشهوةِ، “رمضانُ” فرصةٌ لإعادةِ ضبطِ البوصِلةِ نحوَ الشَّمالِ، نحوَ الهدفِ الأصيلِ، حيثُ رضا اللهِ وطاعته،

“رمضان” محطةُ تصحيحِ مَسارٍ، وتوجيهِ بوصلةٍ نحوَ معرفةِ اللهِ، “فرمضان” يتوَسَّلُ أنْ نكونَ مُنتَمينَ له بامتيازٍ، رمضانيِّينَ حتى النُّخاعِ، فهو فرصةٌ، ومِنحةُ كرمٍ من الربِّ وعطاءٍ، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ؛ فكيف أكونُ رمضانيًّا في تِلكُمُ الليلةِ وكلِّ لياليهِ؟

يا أحِبَّتي، من عَظمةِ اللهِ؛ أنْ جعلَ لنا مواسمَ ومواقيتَ، “رمضان” من أجملِها وأكثرِها أجرًا، فلا تُفوِّتْ فرصةً ربّانيةً تعيدُ التوزانَ إلى روحِكَ، والأملَ إلى قلبِكَ، والصحةَ إلى بدَنِكَ.

فكُن رمضانيًّا في كلِّ حياتِك، وفي كلِّ تفاصيلِك، وتَجنَّبْ جَلْدَ ذاتِك، والإفراطَ في معاتبتِها، وغَرِّدْ لتُجَمِّلَ رُوحَك، وسافِرْ لِتعاتِبَها برِفقٍ وحُنوٍّ ودفءٍ.

جميلٌ أنْ نعاتبَ ذواتِنا بحُبٍّ، وكأننا نمسحُ على روحِنا بيَدِ العطفِ والرأفةِ لنُعيدَها إلى مُربّعِ الطاعةِ والانضباطِ، ولنَحُثَّها على أنْ تكونَ متماسكةً للعطاءِ والبذلِ عاشقةً.

كلُّ ابنِ آدمَ خطّاءٌ، وخيرُنا التوابُ؛ فلُطفًا بنَفسٍ تحملُ لواءَ شفائكَ، ولقاحَ وقايتِكَ، فمَن يداوي نفسَكَ سِواها؟! لكنْ بحُبٍّ وطِيبةٍ، واخترْ لها أجملَ الكلماتِ، واحضنْها بدفءٍ وهدوءٍ، وأخرِجْها من حالةِ الحزنِ، ولا تدَعْ الوجَعَ يستمرُّ طويلًا ، فعاتِبْ واهرُبْ سريعًا من عالمِ الألمِ ودوائرِه، استَحضِرْ أجملَ ما فيكَ، وعاتِبْ بمَودّةٍ، واعلَمْ -يا صديقي- أنَّ حياتَنا قاسيةٌ، وظروفَنا صعبةٌ، ومحطاتِنا مؤلِمةٌ، فعليكَ أنْ تسافرَ إلى هناكَ، حيثُ إشراقةُ الصباحِ، وتغريدُ طيورِها، والزعفرانُ نابتٌ في قلوبِها، هناك حيثُ الأملُ في وجهِ اللهِ، يتجلَّى ويضيءُ الأرضَ بنورِه.

ولا تنسَ -يا صديقي- أنّ مواسمَ العطاءِ وإنعاشِ الروحِ، والانطلاقِ من جديدٍ بمَعيّةِ الرحمنِ ضرورةٌ وحتميةٌ لاستمرارِ المسيرِ، فرِفقًا بروحٍ هي رفيقةُ مشوارِكَ وعنوانُه.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى