Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

زلزالُ “تركيا وسوريا” وازدواجيةُ معاييرِ تقديمِ خدماتِ الاستجابةِ الإنسانيةِ

اجتهدتْ دولُ العالمِ المتقدّمةُ، والمنظماتُ الدوليةُ العاملةُ في المجالِ الإنساني والإغاثي إلى وضعِ معاييرَ تنظّمُ آليَّةَ عملِها، فيما يتعلّقُ بتقديمِ الخدماتِ الإنسانيةِ للدولِ والشعوبِ في أوقاتِ الأزماتِ، سواءً كانت كوارثَ طبيعيةً، أَم نزاعاتٍ وحروبًا، وذلكَ كَنوعٍ من الاستجابةِ الإنسانيةِ العاجلةِ، التي تهدفُ لحمايةِ الإنسانِ، وسلامتِه بالدرجةِ الأولى، ثُم حمايةِ الممتلكاتِ والبِنَى التحتيةِ، والمواردِ الطبيعيةِ الأخرى، أو الحدِّ من تفاقُمِ الضررِ؛ تُعرَفُ بمفهومِها الاصطلاحي “بالمبادئِ الإنسانيةِ”، أيْ مجموعةُ المبادئِ التي تَحكمُ الطريقةَ التي تَسري بها الاستجابةُ الإنسانيةُ، وهي محوريةٌ في الحفاظِ على وسيلةٍ للوصولِ إلى السكانِ المُتضرّرينَ في الكوارثِ الطبيعيةِ، أوِ المواقفِ الطارئةِ المُعقّدةِ.

ويُعَدُّ مبدأُ الإنسانيةِ مبدأً أصيلاً في الاستجابةِ الإنسانيةِ، بحيثُ يجبُ التطرّقُ للمعاناةِ الإنسانيةِ أينما وُجدتْ، فالغرضُ من العملِ الإنساني هو الحفاظُ على حياةِ الإنسانِ، واحترامُها وحمايةُ حقِّهِ في الصحةِ والحياةِ بشكلٍ عالميٍّ بعيدٍ عن القوميةِ، أوِ الثنائيةِ، أوِ أيِّ نزعةٍ أُخرى، إلى جانبِ مبدأِ النزاهةِ الذي يُوجِبُ تنفيذَ العملِ الإنسانيّ على أساسِ الحاجةِ فقط، مع إعطاءِ الأولويةِ لحالاتِ الشدّةِ الأكثرِ إلحاحًا، وعدمِ التمييزِ على أساسِ الجنسيةِ، أوِ العِرقِ، أوِ الجنسِ، أوِ المُعتقَدِ الدينيِّ، أوِ الطبقةِ، أوِ الآراءِ السياسيةِ، كما وتستندُ مبادئُ الاستجابةِ إلى الحياديةِ، فيجبُ على الجهاتِ الفاعلةِ في المجالِ الإنسانيِّ ألَّا تنحازَ إلى طرَفٍ في الأعمالِ العدائيةِ، أو تُشاركَ في خلافاتٍ ذاتِ طبيعةٍ سياسيةٍ، أو دينيةٍ، أو أيديولوجيةٍ، كما وتستندُ على مبدأِ الاستقلاليةِ، فيجبُ أنْ يكونَ العملُ الإنسانيُّ مُستقِلاً عن الأهدافِ السياسيةِ، أو الاقتصاديةِ، أو العسكريةِ، أو غيرِها من الأهدافِ التي قد تلتزمُ بها أيُّ جهةٍ فاعلةٍ، فيما يتعلّقُ بالمناطقِ التي يتِمُّ تنفيذُ الأنشطةِ الإنسانيةِ فيها.

وبالنظرِ لواقعِ حالِ ما وقعَ بتاريخِ (6/2/2023) من الزلزالِ الذي أصابَ كُلًّا من “تركيا وسوريا”؛ نَجِدُ أنّ هناكَ ازدواجيةً واضحةً ومُخالِفةً من قِبِل غالبيةِ دولِ العالمِ ومنظماتِه الدوليةِ، فيما يتعلّقُ بمبادئِ الاستجابةِ الإنسانيةِ، حيثُ لم تُراعِ مبدأَ الإنسانيةِ، وتنظرْ للكارثةِ من منظورِها الإنساني، وأنها وقعتْ على بَشرٍ تعرّضوا لنفسِ الكارثةِ في نفسِ الظروفِ  والتوقيتِ، بحجمِ أضرارٍ متشابهةٍ، ولكنّ أحدَهما يحملُ الجنسيةَ التركيةَ، والآخَرَ يحملُ الجنسيةَ السوريةَ، ففي الوقتِ نفسِه الذي عرضتْ فيه(70) دولةً المساعدةَ _وفقًا لتصريحٍ صحفيٍّ للرئيسِ التركيّ “رجب طيّب أردوغان”_ في عملياتِ البحثِ والإنقاذِ، وسيّرتْ طائراتِها في شبكةِ خطوطٍ جويةٍ مسانِدةٍ، بينما لم تقدِّمْ أيُّ دولةٍ مساعدتَها  لسوريا، سِوَى الجزائرِ في الساعاتِ الأولى لوقوعِ الزلزالِ، ومن ثمَّ قامتْ عِدّةُ دولٍ أخرى بتقديمِ المساعدةِ في ساعاتٍ لاحقةٍ؛ بعدَ سخطِ شعوبِهم من عدمِ إقدامِهم على شيءٍ.

إنَّ أيَّ انحيازٍ كان يجبُ أنْ يكونَ في الأصلِ للسوريّينَ؛ كونَهم الشعبَ الأكثرَ حاجةً إنسانيًّا، بِحُكمِ هشاشتِه وضعفِ بِناه التحتيةِ، ومَرافقِه الخدماتيةِ، جراءَ النزاعاتِ الداخليةِ وحالةِ الضعفِ العامِّ في مستوى الحياةِ الذي تعيشُه الدولُ العربيةُ.

كما وخضعتْ الاستجابةُ الإنسانيةُ للاعتباراتِ السياسيةِ والاعترافاتِ الدوليةِ في تقديمِ المساعداتِ، فلا تقومُ الكثيرُ من المنظماتِ الإغاثيةِ الدوليةِ، والدولِ الغربيةِ بإرسالِ أيِّ مساعداتٍ طارئةٍ إلى مناطقَ خاضعةٍ لسيطرةِ المعارضةِ السوريةِ، أي خارجَ نطاقِ سيطرةِ الحكومةِ السوريةِ، فوِفقَ تصريحِ “مارك شكال” مسؤولِ العملياتِ في سوريا بمُنظمةِ أطباءَ بلا حدودٍ، “لا تزالُ سوريا منطقةً رماديةً من الناحيةِ القانونيةِ والدبلوماسيةِ”؛ بمَعنَى أنّ المساعداتِ تصِلُ لنِصفِ السكانِ السوريّينَ المتضرّرينَ من الزلزالِ، في المناطقِ التي تسيطرُ عليها حكومةُ دمشقَ؛ حيثُ يتمُّ التنسيقُ مع الحكومةِ، في حينِ أنها لا تَصِلُ لنصفِ السكانِ السوريّينَ الآخَرينَ، الذين يعيشونَ في محافظةِ “إدلب”، التي تسيطرُ عليها المعارَضةُ، والتي حتمًا لقَبِلتْ بالمساعدةِ لو أنَّ أحدًا عرضَها عليهم، في ظِلِّ البردِ القارصِ، والنقصِ الحادِّ بموادِ التدفئةِ، ومعدّاتِ الرفعِ، والطواقمِ البشريةِ الموجودةِ، ولكنّ الأزماتِ التي يمرُّ بها العالمُ  خلالَ السنواتِ الأخيرةِ، سواءً جائحةَ كورونا، أو زلزالَ تركيا وسوريا؛ وضعتْنا على المحَكِّ، وكشفتْ حقيقةَ الجهودِ والمبادئِ والنظرياتِ التي تعملُ عليها الدولُ والمنظماتُ منذُ عشراتِ السنواتِ، لتأتيَ أمامَ موقفٍ إنسانيٍّ حقيقٍ واحدٍ؛ لتُثبِتَ فشلَنا وانحيازَنا لاعتباراتِنا المختلفةِ.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى