Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافةوفن

“وِجهةٌ ثقافيةٌ” عامرةٌ بالمعرفةِ والذاكرةِ

مكتباتُ نابلُس تَضمُّ مخطوطاتٍ نادرةً وكُتبًا علميةً قديمةً

 

السعادة

 

كلُّ اثنَينِ من كلِّ أسبوعٍ يجتمعُ “زهير الدبعي” مسؤولُ المراكزِ الثقافيةِ في بلديةِ نابلُس مع أصدقائه وأبناءِ جيلِه المُتقاعدينَ؛ من باحثينَ وأطباءَ وتربويّينَ وغيرِهم، ويتداولونَ آخِرَ الأخبارِ، أو يَطرحونَ كتابًا للنقاشِ فيما بينَهم، واختاروا مكتبةَ بلديةِ نابلُس مكانًا لاجتماعاتِهم، مُستمِدِّينَ من عُمقِ ثقافتِهم وارتباطِهم بالمكتبةِ ومحتواها العريضِ نشاطَهم وثباتَهم، ومستحضرينَ تجربةَ الماضي، حين كان رجالاتُ المدينةِ -قبلَ أكثرَ من قرنٍ- يلتقونَ هناكَ، ويتباحثونَ شؤونَهم المختلفةَ.

يرجعُ ارتباط “الدبعي” بالمكتبةِ لعامِ (1969)، حينَ جاءَها باحثًا، ليصيرَ شِبهَ مُقيمٍ فيها الآنَ، فهو نَهِمٌ للقراءةِ لدرجةٍ جعلتْهُ يحوزُ (3) آلافِ كتابٍ في مكتبتِه الخاصةِ بِبَيتِه.

ومع ذلكَ، يرتبطُ ورِفاقُه بمكتبةِ بلديةِ نابلس “ارتباطَ الغصنِ بالشجرةِ”، كما يقولُ “الدبعي” للجزيرةِ نت، بينَما يجلسُ متوسِطًا لفيفًا من أقرانِه بحديقةِ المكتبةِ الذين عقدَ وإياهُم أكثرَ من (300) لقاءٍ وفعاليةٍ فيها حتى الآنَ.


مواجهةُ المشروعِ الصهيونيِّ 

في حديثٍ للدبعي يقولُ:” “وجهةٌ ثقافيةٌ” عامرةٌ بالمعرفةِ والذاكرةِ والإبداعِ، وهي حصيلةٌ مُهمِّةٌ يحتاجُها كلُّ فلسطينيٍّ لمواجهةِ المشروعِ الصهيونيّ وروايتِه الطافحةِ بالكذبِ، فأصبحتْ الذاكرةُ والمعلوماتُ التي مصدرُها الكتبُ “ضرورةً لا بدَّ من نقلِها للأجيالِ القادمةِ بنجاحِها وفشلِها، حتى لا يُعيدوا إنتاجَ فشلِنا، وهو ما يُعرَفُ بتنشيطِ الذاكرةِ الجماعيةِ”.

ويوضّحُ أنّ المكتبةَ ساهمتْ في التصدّي للمشروعِ الصهيونيّ الهادفِ لاختراقِ الذاكرةِ الفلسطينيةِ، وتزييفِ الهويةِ، لذلكَ عمدَ الاحتلالُ للتصدّي لهذا الدّورِ، فمَنعُ إدخالِ الكتبِ إليها من الخارجِ، وخاصةً الفكريةَ والسياسيةَ والقضيةَ الفلسطينيةَ والمقاومةَ، وبالتالي قَلَّ تَنوُّعُها، وداهمَها وصادرَ العديدَ من كُتبِها مرّاتٍ عدّة وخاصةً خلالَ اجتياحِ المدينةِ عامَ (2002)، وفقَ ما يقولُ القائمونَ عليها.

يقولُ :”من المُفترَضِ أنْ يتِمَّ تحديدُ جهةٍ ما، بِغَضِّ النظرِ عن المرجعيةِ التي تَحكمُها سواءٌ من بلديةِ نابلُس أو وزارةِ الثقافةِ، لتُنشِئَ سِجِّلاً توثيقيًّا يَحصرُ عددَ المكتباتِ الخاصةِ (في المنازلِ)، لتكونَ هناكَ فكرةٌ على الأقلِّ بمَوجوداتِ المكتباتِ وحجمِها، وبعضِ الأمورِ النادرةِ فيها، وهو الأمرُ غيرُ المَعمولِ به للأسفِ حتى الآنَ”.

ويُبيِّنُ “الدبعي” أنّ وَرثةَ مكتباتٍ عديدةٍ سَعَوا للحفاظِ على مكتباتِ ذَويهِم من خلالِ إهدائها للمكتباتِ العامّةِ، التي أفردتْ لها مكانًا خاصًا، كمَكتبةِ بلديةِ نابلُس، ومكتبةِ جامعةِ النجاحِ، وغيرِهما، فالزائرُ لمكتبةِ البلديةِ في مدينةِ نابلُس؛ يلاحظُ في الطابقِ الثاني في قِسمِ الأرشيفِ الأماكنَ المُخصَّصةَ للمكتباتِ الخاصةِ المُهداة؛ مِثلَ مكتبةِ “قدري طوقان، والمؤرخِ إبراهيم الفني، والدكتورِ محمود عطا الله”، ومكتبةِ “شَوكتْ زيد الكيلاني”، الذي توَلّى رئاسةَ جامعةِ النجاحِ لعامَينِ، وتَبرَّعَ بمَكتبتِه لها.
يتابعُ :” تَتضَمّنُ مذكّراتُ رَحّالةٍ زاروا نابلُس مديحًا لِعلمائها ومؤرّخيها وأهلِ العلمِ فيها، فالكثيرُ منهم حضرَ هنا للتزوُّدِ من علمِ علمائها ومكتباتِها التي تَحوي نوادرَ المخطوطاتِ وأكثرَها قيمةً، وأكثرُ ما يُخيفُ في هذه الأيامِ؛ هو عدمُ الاكتراثِ المتزايدِ لدَى وَرَثةِ المكتباتِ الخاصةِ بمكتباتِ بيوتِهم؛ وأنْ تصبحَ الكتبُ، بالنسبةِ لهم، خيرَ مُكتَنَزٍ، وشرَّ موروثٍ، كما يقولونَ، وأنْ تخسرَ نابلُس تاريخَها الثقافي والعلمي، وعقلَها وزادَها المَعرفي.


مَراجعُ وأرشيفٌ 

أمّا مديرُ المكتبةِ “ضرار طوقان” يقولُ :”افتُتِحتْ المكتبةُ بألفِ كتابٍ؛ تبرّعَ بها أهالي المدينةِ، وموَظفو البلديةِ عندَ تأسيسِها؛ لِتَضُمَّ الآنَ أكثرَ من (120) ألفَ كتابٍ، فضلاً عن أرشيفٍ ضخمٍ، ومراجعَ ومصادرَ تُشكّلُ ثروةً علميةً وثقافيةً هائلةً لنابلسِ، ولِرُوَّادِ المكتبةِ الذين يأتونَ من كلِّ البقاعِ الفلسطينيةِ، وتُشكِّلُ المَراجعُ (15%) من تلكَ الكتبِ، إضافةً إلى مِليونَيِّ وثيقةٍ مُهمَّةٍ منذُ تأسيسِ بلديةِ نابلس عامَ (1869) خلالَ العهدِ العثماني، وما تلاها من حِقَبٍ، إضافةً لعددٍ لا بأسَ به من المَخطوطاتِ.

وعن واقعِ بعضِ المكتباتِ الأخرى، وإلامَ وصلَ حالُها؛ تَحدّثَ “سامر خنفر”، صاحبُ محلِّ “للخُردة”، كان يمتلكُ مكتبةً خاصةً تَحوي الكثيرَ من الكتبِ التي تتعلّقُ بالعديدِ من الموضوعاتِ العلميةِ والأدبيةِ والتاريخيةِ، هذه المكتبةُ بِيعتْ له بعدَ إقناعِه بكَونِها تحوي مخطوطاتٍ قديمةٍ؛ تمتلكُ قيمةً ماديةً كبيرةً، فاشترَى المكتبةَ بكاملِ كُتبِها الـتي زادَ عددُها عن (600) كتابٍ، أملاً بقيمتِها التي تَحوي تلكَ الكتبَ القديمةَ والثمينةَ.

ورغمَ أنّ “خنفر” فوجئَ بأنّ المكتبةَ تَخلو من هذه المخطوطاتِ، إلّا أنه وجدَ العديدَ من الكتبِ التي يزيدُ تاريخُ طباعتِها عن (100) عامٍ، باعَ منها عددًا كبيرًا لأُناسٍ يبحثونَ عن هذا النوعِ من الكتبِ من الداخلِ الفلسطينيّ المحتلِّ، ويهتمونَ باقتنائها لأسبابٍ عديدةٍ، كما باع جزءًا منها لسكانِ المدينةِ، الذين يبحثونَ عن الثقافةِ بسِعرٍ قليلٍ.


ضياعُ إرثٍ

“داوود مكاوي”، صاحبُ مكتبةٍ تَقعُ على مسافةٍ ليستْ بعيدةً من محلِّ “خنفر”، يقولُ:” وجدتُ الكتبَ مُلقاةً على الأرضِ؛ كتبٌ، ومجلاتٌ، ودورياتٌ، قديمةٌ ومُهِمّةٌ، مَنحَها أصحابُها لصاحبِ الفرنِ لتُحرقَ؛ فكنتُ أرحمَ بها؛ واخترتُ منها الكثير،َ وأضفتُها لمَكتبتي الخاصةِ في البيتِ؛ لأهميتِها وقيمتِها المعرفيةِ والعلميةِ والتاريخيةِ”.

وذَكَرَ “مكّاوي” مكتبةً أخرى لأحدِ علماءِ نابلس القدماءِ، من حارةِ الياسمينةِ؛ وهو الشيخُ “أحمد الخمّاش”؛ الذي كان من المُقتَنينَ النادرينَ للكتبِ الدينيةِ باللغتينِ العربيةِ والتركيةِ القديمة، التي كانت تكتبُ بالأحرفِ العربيةِ، وكيف عبثَ الناسُ بها، فسَرقَ البعضُ مخطوطاتٍ كثيرةً منها، فيما عبثَ “العَثُّ” بالبقيةِ الباقيةِ منها؛ فأتلفتْ ثقافةً كانت ستكونُ بالتأكيدِ مُهِمّةً للمدينةِ وأهلِها.

يضيفُ :”إنّ أحدَ أبناءِ العائلاتِ المرموقةِ في المدينةِ؛ أنهَى احتفاظَ عائلتِه بالمكتبةِ التي وَرِثَتْها عن علماءَ ومُثقفي العائلةِ بشكلٍ مَأساوي، عندما رفضتْ إحدى الجامعاتِ الموافقةَ على طلبِه الذي يشترطُ فيه توظيفَه في هذه الجامعةِ؛ مُقابلَ المكتبةِ التي سيَهديها لها، فقرّرَ أنْ يبيعَها لمكتبةِ الجامعةِ العِبريةِ مُقابلَ عشراتِ الآلافِ من الدولاراتِ، وهذه المكتبةُ تَحوي الكثيرَ من المراسَلاتِ بينَ أفرادِ عائلتِه والدولةِ العثمانيةِ، وهي وثائقُ مخطوطةٌ ونادرةٌ .


لكنّ مخاوفَ بعضِ أصحابِ المكتباتِ من ضياعِ كتبِهم؛ دفعتْهم إلى إفرادِ فقرةٍ خاصةٍ في وَصيَّتِهم لتوريثِها لشخصٍ ما من العائلةِ، كما حدثَ مع المؤرِّخِ “إحسان النمر” الذي ألَّفَ ما يقرُبُ من (50) مُؤَلَّفًا طُبعَ منها في حياتِه (34) مؤلَّفًا، وكان أهمُّها الكتابَ المَرجعي عن نابلس “تاريخُ جبلِ نابلس والبَلقاء”.

وأوصَى “النمر” في آخِرِ حياتِه “بطباعةِ ما بقيَ من كُتبِه، وأنْ لا يَخرُجَ أيُّ كتابٍ من مكتبتِه الخاصةِ التي تحتوي على ما يزيدُ عن ألِف كتابٍ، وأنّ ما في المكتبةِ مُلكٌ خاصٌّ لابنتِه الوحيدةِ خديجة”، التي التقينا بها في منزلِها في قصرِ النمرِ التاريخيّ، وأطلَعَتْنا على محتوياتِ المكتبةِ التي تحافظُ عليها، وتَهتمُ بها، إلّا أنها تُقيّدُ الباحثينَ من الاستفادةِ منها.

وتَجدُرُ الإشارةُ هنا، إلى أنّ بعضَ العائلاتِ الفلسطينيةِ؛ قد أهدَتْ مكتباتِها الخاصةَ للجامعةِ الأردنيةِ؛ كعائلةِ “زعيتر” التي أهدتْ مكتبةَ “عادل زعيتر” المُترجِمِ والمؤلِّفِ والمؤرِّخِ الفلسطيني النابلسي، بالإضافةِ إلى إهدائهم جزءًا منها لمكتبةِ بلديةِ نابلس بعدَ إنشائها، كما ذكرتْ لنا ابنتُه المحاضِرةُ في جامعةِ النجاحِ الوطنيةِ، الدكتورةِ “نائلة زعيتر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى