سِتةُ عقودٍ وشَغَفُ جَمْعِ الطوابعِ البريديةِ لم يُغادِرْهُ!
جَمعَ أكثرَ من ثلاثةِ آلافِ طابَعٍ

بدأَ شَغَفُهُ في جَمْعِ الطوابعِ البريديةِ؛ كَهُوايةٍ فنيةٍ أتناءَ دراستِه في المرحلةِ الابتدائيةِ، حيثُ كان يمارسُ الرسمَ والخطَّ والأمورَ الفنيةَ، فصادَفَ فِكرةَ جمعِ الطوابعِ البريديةِ خلالَ اطِّلاعِه على أحدِ المجلاتِ التي كانت تصلُ قطاعَ غزةَ آنَذاكَ، وسرعانَ ما لاقتْ هذه الهوايةُ حُبَّه وشغفَه، لاسيّما وأنّ لكُلِّ طابَعِ بريدٍ قصةٌ وحكايةٌ ومعلومةٌ.
هذا الشغفُ كان كفيلاً أنْ دفعَ الفلسطينيَّ “عبد المجيد يونس”، _وهو طبيبٌ صيدليٌّ، يبلغُ من العمرِ (73) عامًا منذُ نعومةِ أظفارِه_ إلى الاهتمامِ بجَمعِ هذه الطوابعِ البريديةِ، وتَطوّرَ لدَيهِ الأمرُ حتى كوّنَ هذه الثروةَ الكبيرةَ من طوابعِ البريدِ، التي يحتفظُ بها، من كلِّ العالمِ على مدارِ سِتةِ عقودٍ كاملةٍ، في هُوايةٍ لم تتلاقَ مع عملِه أو شكلِ حياتِه؛ لكنها ظلّتْ دَيدَنًا يحبُّ أنْ يُمارسَه، ويَجِدَ مُتعةً عظيمةً في كلِّ طابعٍ يُضيفُه إلى مجموعتِه المُكوَّنة من آلافِ الطوابعِ لكُلِّ الدولِ والمناسباتِ والشخصياتِ.
ثورةُ الاتصالاتِ
يقولُ لـ “السعادة”:” لا توجدُ طوابعُ بريديةٌ مِثلَ الماضي؛ بسببِ ثورةِ الاتصالاتِ وتكنولوجيا المعلوماتِ، لأنه لا توجدُ مراسلاتٌ بريديةٌ مِثلَ الماضي، إلا قليلاً، مشيرًا إلى أنه قامَ بتجميعِ هذه الطوابعِ البريديةِ القديمةِ والنادرةِ في (15) ألبومًا خاصًا، قام بتصنيعِها يدويًّا بعدَما اطّلعَ على ألبوم كَنموذجٍ أحضرَه له صديقٌ كويتيٌّ خلالَ دراستِه في جامعةِ الإسكندريةِ بمصرَ في سبعينياتِ القرنِ الماضي.
ويضيفُ: “الطوابعُ البريديةُ هي موسوعةٌ تَشملُ المعلوماتِ التي تريدُها ، تَحملُ معالمَ الدولةِ، والمجتمعِ، والمناسباتِ التي تحصلُ في أيِّ دولةٍ، والشخصياتِ المرموقةِ في الدولةِ، والتي لها تأثيرٌ في بناءِ هذه الدولةِ، والمناطقِ الأثريةِ في كلِّ دولةٍ، إضافةً مَثلاً إلى أحداثٍ مجتمعيةٍ عابرةٍ، أو مواسمَ أو أعيادٍ، حيثُ كانت الطوابعُ البريديةُ قديمًا حدَثًا ثقافيًّا في كلِّ دولةٍ .
ويتابعُ: «هذه الطوابعُ حينَما يتمُّ تَجميعُها؛ تُعطي الإنسانَ معلوماتٍ وثقافةً واسعةً، وتجعلُه مُطَّلِعًا ومُلِمًا بأحداثِ المجتمعاتِ الأخرى ، فعلى سبيلِ المثالِ هناكَ عِدّةُ طوابعَ خاصةٍ بالمسجدِ الأقصى، تحكي في مضمونِها الكثيرَ من المعلوماتِ والأحداثِ التي شملتْ مراحلَ تاريخيةً كاملةً من حياةِ أهلِ القدسِ والمسجدِ الأقصى ، إضافةً إلى عدّةِ طوابعَ متعلّقةٍ بالانتفاضةِ الفلسطينيةِ، التي لها طوابعُ خاصةٌ، وبأشكالٍ متعدّدةٍ في الموسوعةِ التي أمتلِكُها ، ولم يكنْ جَمعي للطوابعِ يختصُّ بمنطقةٍ عن غيرِها؛ إنما اتّجهتُ إلى أرشفةِ كلِّ طابعٍ يقعُ في يدي في أيِّ مكانٍ كنتُ أتواجدُ فيه .
ويروي لـ” السعادة” الصعوباتِ الكبيرةَ التي واجَهها خلالَ حياتِه، وهوايتَه في جمعِ الطوابعِ، لكنه وجدَ صعوبةً في تذَكُّرِ طابعٍ بريديٍّ قامَ باقتنائِه و أرشفتِه، وأكّدَ أنه بدأَ بجمعُ طوابعَ البريدِ المصريةَ، كونَ غزةُ كانت في ستينياتِ القرنِ الماضي تحتَ الإدارةِ المصريةِ.
نسخةٌ واحدةٌ
ويُقدِّرُ “يونس” عددَ الطوابعِ التي جمعَها دونَ تكرارٍ أبدًا، فهو يحتفظُ بنسخةٍ واحدةٍ من كلِّ طابعٍ، تقربُ إلى ثلاثةِ آلافِ طابعٍ بريديٍّ؛ يحملُ كلُّ واحدٍ منها معلومةً أو قصةً أو حدَثًا أو صورةً لشخصيةٍ صاحبةِ تأثيرٍ، وأنّ كافةَ هذه المعلوماتِ مخزّنةٌ في دماغِه، لتصنعَ منه شخصًا موسوعيًّا ومثقفًا، حوارُه وحديثُه ومعلوماتُه تقدّرُ في الوسطِ العائلي، وعلى صعيدِ المدينةِ والحيِّ، وأصدقاءِ المهنةِ الذين كانوا وما زالوا ينظرونَ إليه على أنه بنكُ معلوماتٍ.
ويوضّح يونس: أنه في البداياتِ كان يجمعُ طوابعَ بريديةً من مصرَ التي درسَ فيها الصيدلةَ في سبعينياتِ القرنِ الماضي، وعاش فيها (5) سنواتٍ، مشيرًا إلى أنه توَسَّعَ بعدَ ذلكَ لبقيةِ دولِ العالمِ، واستعانَ بذلكَ عبرَ شبكةِ أصدقائهِ الذين يشاركونَه هوايةَ جمعِ الطوابعِ في دولِ العالمِ.
ويتابعُ: “كنتُ أجمعُ هذه الطوابعَ بشكلٍ عام، وعندَ انتهاءِ العامِ الدراسيّ؛ أتفرّغُ لفَرزِها وترتيبِها وتبويبِها وأرشَفتِها بشكلٍ مِهني وفنيٍّ، منوِّها أنه حينَما كنتُ أدرسُ في مصرَ في سبعينياتِ القرنِ الماضي، لم أكْن أستطيعُ مراسلةَ أهلي عن طريقِ البريدِ العادي، ولكنْ كنتُ أراسلُهم عن طريقِ الطلابِ العربِ الذين يحملونَ رسائلَنا لذَوينا، فكنتُ أطلبُ منهم الطوابعَ التي تصلُ على المراسلاتِ لكي أحفظَها.
ويشيرُ إلى أنه في إحدى المرّاتِ، وخلالَ دراستِه في مصرَ؛ قدِمتْ باخرةٌ متنقلةٌ إلى مدينةِ الإسكندريةِ، حيثُ كان يدرسُ، وكان فيها ركنٌ للطوابعِ، فقامَ بشراءِ كميةٍ كبيرةٍ منها، بالإضافةِ إلى ما كان يَجمعُه من الأصدقاءِ، موضّحًا أنه كان يذهبُ إلى مكتبِ البريدِ القومي في كلِّ المحافظاتِ المصريةِ، خلالَ فترةِ دراستِه، ويأخذُ كلَّ الطوابعِ التي تَصدرُ حديثًا، مشيرًا إلى أنّ العاملينَ في هذه المكاتبِ كانوا يَعرفونَني شخصيًّا من كَثرةِ ما كان يتردّدُ عليهم، ويعرفونَ ما يريدُ.