Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

شابٌّ من ذَوي الاعاقةِ السمعيةِ؛ مُدرِّبًا لرياضةِ كمالِ الأجسامِ

"حاتم الأسدي" قصةُ تَحدّي بالأملِ

في خانيونس، حيثُ يكبرُ الأملُ في أحيائها، تنفردُ التجاربُ الجميلةُ في الاتساعِ، “حاتم الأسدي” واحدٌ من التجاربِ الجميلةِ التي تُعطي للآخَرينَ قدوةً ودافعيةً للبحثِ عن الفرصةِ والشغفِ، مَهما كانت المُعطياتُ، ومَهما كانت صعوبةُ الظروفِ وسوؤها، هناكَ وداخلَ المكانِ صوَرُ أبطالِ كمالِ الأجسامِ معلّقةٌ في كلِّ مكانٍ، إضاءاتٌ بيضاءُ وصفراءُ خفيفةٌ، وعَشْرُ آلاتٍ رياضيةٍ مدهونةٍ باللونِ الأحمرِ، موَزّعةٌ بطريقةٍ هادئةٍ داخلَ “جيم” حاتم الأسدي المتواضعِ.

النظرةُ الأولى تُعطيكَ انطباعًا عن بساطةِ الإمكاناتِ، وأنّ صاحبَ المكانِ شخصٌ مُنسَّقٌ مُرتبٌ هادئٌ، لكنْ لا يَخطرُ  في بالِكَ _أبدًا_ أنّ صاحبَ المكانِ من ذَوي الإعاقاتِ السمعيةِ! ويعملُ في مجالِ تدريبِ كمالِ الأجسامِ، في محاولةٍ منه لِكَسْرِ حاجزِ لغةِ الإشارةِ بينَ ذَوي الإعاقةِ والمجتمعِ.

نافذةٌ على المجتمعِ

يجلسُ حاتمُ (28 عامًا) على مقعدِ أسوَدَ في منتصفِ الصالةِ الرياضيةِ، ويُجهِّزُ نفسَه للبدءِ بعملِه كَمدرِّبِ كمالِ أجسامٍ، يرتّبُ ملابسَه، ويلبسُ حذاءَه الرياضيَّ بجديِّةٍ تامّةٍ، تُظهِرُ ملامحَ وجهِه وهو يحرّكُ يدَيهِ بلغةِ الإشارةِ مناقِشًا أحدَ مُتدرِّبيهِ عمّا سيقومُ به اليومَ.

إيماءةُ واحدٍ مع ابتسامةٍ صغيرةٍ، وحركةِ يدٍ كانت كفيلةً أنْ تفهمَ “السعادة” أنّ نموذجَ اليومِ من التحدي؛ يرحبُ بنا داخلَ مملكتِه التي ارتأَى أنْ تكونَ نافذتَه على العالمِ والمجتمعِ، ثُم أشارَ بإصبعِه نحوَ صورةٍ كبيرةٍ معلّقةٍ على الحائطِ لرجلٍ ذا عضلاتٍ قويةٍ.

يقولُ بلُغةِ الإشارةِ : “أنا كالموجودِ في الصورةِ، لديَّ عضلاتٌ مفتولةٌ، ألعبُ الرياضةَ بانتظامٍ”، يلُفُّ ظهرَه مُستعرضًا، ويرفعُ يدَيهِ للأعلَى؛ٍ بحركة شهيرةٍ لاستعراضِ العضلاتِ، ثُم يضحكُ ويُكمِلُ:” لكنّني فريدٌ من نوعي؛ لأني من ذَوي الإعاقةِ السمعيةِ”.

الحوارُ مع “حاتم الأسدي”، الشابِّ الأَصمِّ الأبكَمِ؛ لم يكنْ سهلاً؛ خاصةً وأّن أسرةَ التحريرِ لا تُتقِنُ لُغةَ الإشارةِ بالمُطلَقِ؛ ما استدعانا إلى استضافةِ واحدٍ من أصدقائهِ؛ لِينقلَ لنا كلَّ ما يقولُه “حاتم”، لاسيَّما وأنّ بينَ الحركاتِ الكثيرَ من الكلماتِ والمشاعرِ التي يصعبُ فَهمُها من الشخصِ؛ إلا إذا كان له صديقٌ مقرّبٌ ينقلُها لنا.

يقولُ لـ” السعادة “: أنا مولودٌ بإعاقةٍ سمعيةٍ تامّةٍ؛ لكنني استطعتُ أنْ أدرُسَ من الابتدائيةِ حتى الجامعةِ، وقد حصلتُ على معدّلِ (75%) في الثانويةِ العامةِ، ثُم درستُ دبلومَ تكنولوجيا إبداعٍ في الجامعةِ الإسلاميةِ، وكنتُ طيلةَ فترةَ الدراسةِ؛ أنتظرُ فرصةَ العملِ حسبَ الشهادةِ ، لكني بعدَ التخرّجِ أدركتُ أنّ العملَ بالشهادةِ أمرٌ بعيدُ المَنالِ؛ بسببِ البطالةِ، وغيابِ فُرصِ العملِ ، ثُم بسببِ الإعاقةِ ؛ وهذا ما اكتشفاه أثناءَ عملي في “بطالة”، لمدّةِ ستةِ شهورٍ في إحدى مستشفياتِ قطاعِ غزةَ ، منوِّها “أنه متزوجٌ من فتاةٍ صمَّاءَ؛ أنجبَ منها طفلةً أسماها “سالي”، وهى من الأشخاصِ السامعينَ”.

طاقةٌ مدفونةٌ

ويضيفُ: “شعرتُ أنّ إعاقتي تشكّلُ حاجزًا بيني وبينَ الآخَرينَ، لاسيَّما وأنّ الجميعَ ينظرُ إلى ذَوي الإعاقةِ نظرةَ شَفقةٍ واحتواءٍ، وأنّ قدراتِنا دومًا أقلُّ من قدراتِهم، دومًا كنتُ أشعرُ أنّ هناكَ طاقةً مدفونةً داخلي، ولا أستطيعُ البَوحَ بها عن طريقِ الكلامِ، فوجدتُ برياضةِ كمالِ الأجسامِ ما يريحُني، أو يُهدِّئ الثورةَ التي بداخلي، أو ما يُفرِغُ طاقتي بعَدمِ الحديثِ، فأدمَنتُ ممارستَها على مدارِ( 6) سنواتِ”.

هل تستطيعُ التواصلَ مع الناسِ بلُغةِ الإشارةِ؟، يجيبُ “حاتم” وهو يَحُكُّ رأسَه: “الإعاقةُ ليستْ حاجزًا، بادِرْ وأثبِتْ أنك تستطيعُ أنْ تصنعَ المستحيلَ بإرادتِك”، لغةُ الإشارةِ غيرُ مُنتشرةٍ بينَ الناسِ، وكثيرًا ما أقابلُ أشخاصًا لا يفهمونَ عليَّ بالمُطلَقِ، ولذلكَ اضطُّررتُ لفَهمِ لغةِ الشارعِ وتطبيقِها بإشاراتٍ قريبةٍ للمُستَخدَمةِ لدَى الأشخاصِ الناطقينَ، لا تنفعُ في الكثيرِ من الأحيانِ، لكنني ما زلتُ أحاولُ..  لاسيَّما أنّ كثرةَ التواصلِ، والعِشرةِ تخلقُ نوعًا من الفهمِ بينَ الأشخاصِ، وهذا ما يَحدثُ بيني وبينَ المتدرّبينَ.

ويضيفُ عن بدايتِه:” كنتُ أمُرُّ بأوقاتٍ صعبةٍ، حتى شجَّعني بعضُ أصدقائي لألتحِقَ بالنادي الرياضي، في بدايةِ الأمرِ كنتُ أخشَى ألّا يفهمَ عليَّ الجميعُ؛ ولكنْ معَ مرورِ الوقتِ أصبح التواصلُ في غايةِ السهولةِ”.

وعن سببِ اختيارِه أنْ يكونَ مدرّبَ كمالِ أجسامٍ، يضيفُ:” أتقنتُ رياضةَ كمالِ الأجسامِ، وبِت ُّلا أقدِرُ على مُشاهدةِ أقراني السامعينَ يمارسونَ رياضةَ حملِ الأثقالِ بشكلٍ خاطئ، فأُساعِدُهم على اختيارِ الأوزانِ المناسبةِ لأجسامِهم، وأُعلِّمُهم الطريقةَ الصحيحةَ لحَملِها، وبناءً على ذلكَ قرّرتُ أنْ أصبحَ مدربَ كمالِ أجسامٍ مُعتمَدًا”.

ويتابعُ: في البدايةِ عانيتُ كثيرًا من المتدرّبينَ الذين لم يعطوني الثقةَ من البدايةِ، فالصورةُ النمطيةُ عن قُدراتِ الأشخاصِ من ذَوي الإعاقةِ السمعيةِ؛ ما زالت قائمةً ليس لدَى فئةِ الشبابِ، بل بكُلِّ شرائحِ المجتمعِ، لكنّ مهارتي في التدريبِ، وكفاءتي في إعطاءِ التعليماتِ، أجبَرتْهم على احترامِ قدراتي، وطريقةِ تعليمي، وأسلوبِ تَواصلي معهم ، من حركاتِ يدَيَّ، ونظراتِ عينَيَّ، حتى أصبحتُ مدرّبًا لكمالِ الأجسامِ، موثوقًا لدَى الأشخاصِ الناطقينَ.

الدَّمجُ والمساواةُ

أثناءَ الحوارِ، ترَكَنا “حاتم” عدّةَ مراتٍ من أجلِ أنْ يُصَحِّحَ لأحدِ مُرتادي ناديهِ بعضَ الحركاتِ التي يقومُ بها، أو يقومُ بتعديلِ بعضِ الأوزانِ لشخصٍ آخَرَ يمارسُ الرياضةَ، فيما تَحرّكَ لعِدّةِ مراتٍ لتصحيحِ أوضاعِ الأجهزةِ الموجودةِ، أو ترتيبِها بعدَ أنْ يستخدِمَها شخصٌ ما.

وينوِّهُ “الأسدي” أنّ المكانَ الذي صنعَه بكُلِّ حُبٍّ واهتمامٍ؛ باتَ مكانًا مُهِمًّا في حيِّ الأملِ، يرتادُه الكثيرونَ، ولقيَ ترحيبًا كبيرًا من الأشخاصِ العاديّينَ، والأشخاصِ ذَوي الإعاقةِ، ما جعلَني أشعرُ بالدمجِ والمساواةِ أثناءَ تدريبِهم، وغيّرَ من طاقتي واهتماماتي وميولي نحوَ المجتمعِ.

يواصلُ: “لابدَّ أنْ أرى نظراتِ استغرابٍ، أو عطفٍ، أو إحباطٍ من قِبلِ بعضِ الناسِ الجاهلينَ بنَوعيةِ إعاقتي؛ لأنّ أغلبَهم يتوَقَّعون عدمَ فهمي للحياةِ، ويشكِّكونَ في قُدرتي على بناءِ حياةٍ جيّدةٍ؛ لكنني أثبتُّ لهم العكسَ، الآنَ الجميعُ سعيدٌ لرؤيتي أُحقِّقُ هدَفي؛ كوني أوَّلَ شابٍّ في فلسطينَ من ذَوي الإعاقةِ السمعيةِ، يمارسُ هذه الرياضةَ، ويصبحُ مُدرّبًا لها”.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى