Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اجتماعيةتحقيقات

الصعوباتُ الماديةُ تضعُ الأزواجَ على جبهةِ الخلافاتِ الزوجيةِ

تصيبُهم بالبرودِ العاطفيِّ وغيابِ الاستقرارِ

 

تخضعُ العلاقةُ الزوجيةُ إلى الكثيرِ من المؤثراتِ الحياتيةِ التي تنعكسُ سلبًا على مزاجِ الزوجينِ وعواطفِهما، ما يؤدّي إلى صعوباتٍ في التواصلِ بينَهما، ولعلَّ من بينِ هذه المؤثراتِ وأهمِّها؛ الصعوباتُ الماليةُ التي تَعترِضُهما، والتي تكونُ لها آثارٌ وخيمةٌ على علاقتِهما، وتؤدي إلى إصابةِ علاقتِهما بالبرودِ العاطفي والجنسي.

تتربعُ الضغوطاتُ الماديةُ على قمّةِ هرمِ أسبابِ المشاكلِ الزوجيةِ في قطاعِ غزة، وتُشكّلُ مِحورَ حياةِ الغالبيةِ العُظمَى من سكانِها، لاسيّما وأنها أزماتٌ متتابعةٌ لا تَتركُ مجالاً للعائلاتِ لاقتناصِ فترةِ نقاهةٍ، فغيابُ مصادرِ الدخلِ، وانهيارُ منظومةِ الاستثمارِ، وقِلّةُ الأجورِ، وانتكاسُ الحكوماتِ، وتقليصُ الرواتبِ إلى أقلَّ من النصفِ في كافةِ أوجِهِ الأعمالِ؛ جميعُها أسبابٌ وراءَ تدَهوُرِ الأوضاعِ العائليةِ المستقرّةِ وعواطفِها، وتزايد الفجوةِ بين الأزواجِ.

نقطةُ اختبارٍ

وبحسبِ أخصائيّي العلاقاتِ الزوجيةِ والأسريةِ؛ أنّ الصعوباتِ الماديةَ من أكثرِ أنماطِ المشكلاتِ شيوعًا بين الزوجينِ، وهي مشكلاتٌ يمكنُ أنْ تخلقَ برودًا عاطفيًّا وجنسيًّا بينَ الطرَفينِ، مؤكّدينَ أنّ التغيُّراتِ التي تواجِهُها الأسرةُ من الناحيةِ الماديةِ من التحدّياتِ الصعبةِ التي يواجِهُها الزوجانِ، حيثُ يكونُ الانتقالُ من الغِنَى إلى الفقرِ نقطةَ اختبارٍ للزوجين.

تقولُ شيماء “35 عامًا”:” إنّ الحالةَ الماديةَ لزوجِها تشكّلُ وجهَ الحياةِ اليوميةِ داخلَ بيتِها؛ لذا ما إنْ ينتهي الراتبُ تتغيرُ نفسيةُ زوجي بشكلٍ ملحوظٍ؛ ويبدأ بالتحوّلِ إلى إنسانٍ عصبيٍّ يحترقُ من أقلِّ كلمةٍ أقولُها، ولو بصُدفةٍ عابرةٍ، وقد يثورُ دونَ أيِّ أسبابٍ أو مقدّماتٍ، كثيرًا ما يتعالَى صوتُه بالصراخِ؛ إذا تصرّفَ الأولادُ أيَّ تصرُّفٍ لا يُعجِبُه.

وتضيفُ: هذه الحالةُ من التوتُرِ في الحياةِ اليوميةِ والزوجيةِ، تستمرُّ في العشرِ الأواخِرِ من الشهرِ عادةً، والتي تكونُ أيامًا عصيبةً عليَّ كزوجةٍ وعلى أبنائي الذين يتكلمونَ بالهمسِ طيلةَ وجودِ أبيهِم داخلَ المنزلِ، منوِّهةً أنها مَهما علا صراخُه، أو تدَهورتْ عصبيَّتُه؛ تحاولُ قدْرَ المستطاعِ امتصاصَه؛ لأنها تدركُ تمامًا أنّ ما يَحدثُ معه خارجٌ عن إرادتِه، وسبَبُه الأولُ والأخيرُ شعورُه بالعجزِ أمامَ مُتطلَباتِ البيتِ والأبناءِ في نهايةِ كلِّ شهرٍ.

في حين يقولُ سعيد (30) عامًا:” إنّ الظروفَ الاقتصاديةَ الصعبةَ التي مرّتْ وستَمرُّ بنا؛ جعلتنا نرَى الحياةَ من “خُرم شيكل”؛ لذلكَ إذا لم يكُنْ معكَ مالاً يستُرُ عائلتَك وأبناءَك واحتياجاتِهم؛ فأنت خارجَ التغطيةِ تمامًا، ولا تستطيعُ أنْ تُفرِغَ الغضبَ الذي يجتاحُك _وأنت تشاهدُ ثلاجةَ بيتِكَ فارغًة_ إلّا في شريكةِ الحياةِ.

ويضيفُ: مُجرَدُ قولِ شريكتِك أنّ ابنَك بحاجةٍ إلى حليبٍ أو حفاظات؛ رُبما يصنعُ مشكلةً لا أصلَ لها، ولا مقدِّماتٍ، لكنه الشعورُ الصعبُ الذي يجتاحُكَ بكلِّ قوةٍ؛ دونَ أنْ تستطيعَ السيطرةَ عليه، ويصنعُ منكَ شخصًا لا يمكِنُ أنْ يُطاقَ؛ وبالتالي تصبحُ علاقتُك مع زوجتِك صراعًا مفتوحًا على كلِّ الجبهاتِ.

بتساوي قرش

أمّا أبو خالد فيقولُ لـ” السعادة”:” هذا الزمنُ أكّدَ لنا المَثلَ القائلَ “معك قرش بتساوي قرش” ، فمِن غيرِ المالِ لا اهتمامَ، ولا هدوءَ، ولا رضا، ولا استقرارَ؛ حتى على صعيدِ علاقاتِك الزوجيةِ، فالزوجةُ التي لا تَجدُ طلباتِها مُتوفّرةً داخلَ البيتِ؛ سرعانَ ما تنقبُ عليكَ سيلًا من المشاكلِ التي لا حصرَ لها، وأيُّ تبريرٍ منك يقابَلُ بالاتهامِ أنك مُقصِّرٌ، وأنت لا تستطيعُ أنْ تنفيَ هذه التهمةَ مُطلَقًا.

ويتابعُ: متطلباتُ الحياةِ، وصعوبةُ الأوضاعِ الاقتصاديةِ على الجميعِ؛ تضعُكَ باستمرارٍ في خانةِ التقصيرِ، وتضعُ شريكةَ حياتِك على الجبهةِ باستمرارِ، وهذا ينعكسُ على طبيعةِ الحياةِ الزوجيةِ، ويجعلُها باردةً سطحيةً، تميلُ إلى  المادّية التي  لا نستطيعُ التعاطي معها.

وأكّدتْ الكثيرُ من التجاربِ أنّ الضغوطَ الماليةَ والصعوباتِ التي يواجهُها الأزواجُ في توفيرِ متطلباتِهم واحتياجاتِ أُسرِهم الماديةِ؛ تؤدّي إلى فتورِ العلاقاتِ الزوجيةِ، وفي الكثيرِ من الأحيانِ تسبّبُ الطلاقَ العاطفي بين الزوجينِ.

serious muslim woman and a very upset man in the background, they’re arguing

من جانبِها، تقولُ الدكتورة “ختام أبو عودة”، مستشارةُ العلاقاتِ الأسريةِ والتربويةِ:” إنّ الصعوباتِ الماليةِ تسبّبُ الكثيرَ من التوتُرِ والقلقِ لدَى الزوجينِ، ومن شأنِ ذلكَ أنْ يُراكِمَ المشكلاتِ، وقد يدمّرُ العلاقةَ الزوجيّةَ في حالِ لم يتمّ إيجادُ الحلولِ المناسبةِ بشكلٍ سريع.

وتضيفُ: مع ازديادِ التوتّرِ والقلقِ؛ تُهيمِنُ الطاقةُ السلبيّةُ على حياةِ الزوجينِ، وتدمّرُ العلاقةَ بينَ الشريكينِ بشكلٍ تدريجي، وهذا الأمرُ من شأنِه أنْ يجعلَ الزوجَينِ متباعدَينِ عاطفيًّا وجسديًّا؛ ما يؤثّرُ سلبًا على الحُبِّ الذي يَجمعُهما، ويحدُّ من المشاعرِ التي تربطُهما، ويؤدّي إلى البرودِ الجنسي بينَهما.

وتلفتُ إلى أنه في ظلِّ تفاقُمِ المشكلاتِ الماديّةِ بينَ الزوجينِ، تُصبحُ الشجاراتُ الدائمةُ أمرًا لا بدَّ منه. ومع تراكُمِ هذه المشكلاتِ، وعدمِ التعاملِ معها بعقلانيّةٍ وحِكمةٍ، ينعدمُ الحوارُ بينَ الطّرَفينِ؛ ما يزيدُ الأمرَ سوءًا، ويقطعُ الطّريقَ أمامَ المصالحةِ، وتُصبحُ عودةُ الأمورِ إلى مجاريها شِبهَ مستحيلةٍ.

فقدانُ الحبِّ

وتُتابعُ: “إنّ المشكلاتِ الزوجيّةَ عمومًا، والمشكلاتِ الماديّةَ خصوصًا؛ تُبعِدُ الزوجينِ عن بعضِهما، يبدأُ اللومُ والغضبُ وتحميلُ الطّرَفِ الآخَرِ مسؤوليّةَ كلَّ ما يحصلُ بشكلٍ دائمٍ؛ وهذا يُضعِفُ الاهتمامَ بينَ الزوجينِ، ما يسبّبُ الإهمالَ وعدمَ الإصغاءِ، وفقدانَ الحبِّ على المدَى البعيدِ”.

وتشيرُ إلى أنه في خِضَمِّ كلِّ المشكلاتِ، والآثارِ السلبيّةِ التي تُخلّفُها الصعوباتُ الماديّةُ على الزوجينِ؛ من الطّبيعي أنْ يمتَنِعا عن ممارسةِ العلاقةِ الحميمةِ التي تحتاجُ بدَورِها إلى الطاقةِ الإيجابيّةِ والحبِّ والمشاعرِ الدافئةِ، والحوارِ؛ لتذليلِ العقباتِ التي تقفُ عائقًا أمامَ الاستمتاعِ بالعلاقةِ واستمرارِها.

وشدّدتْ الدراساتُ على أنّ الحالةَ النفسيةَ للزوجينِ؛ تلعبُ دَورًا كبيرًا في استقرارِ حياتِهما الأسريةِ والعاطفيةِ، لافتةً إلى أن الضغوطَ النفسيةَ التي تسبِّبُها الصعوباتُ الماليةُ، وعجزُ الزوجِ عن توفيرِ متطلباتِ أسرتِه ومستلزماتِها المعيشيةِ؛ يجعلُه يعزفُ عن ممارسةِ العلاقةِ العاطفيةِ، مؤكِّدِينَ أنّ الهمومَ، والتفكيرَ المُفرِطَ بمشكلاتِ الحياةِ، وضغوطَ العملِ، والضائقةَ الماليةَ، والتعبَ الجسدَي والإرهاقَ، كلُّها عواملُ تنعكسُ سلبًا على مزاجِ الإنسانِ وهِمّتِه ونشاطِه؛ ما يؤدّي إلى التأثيرِ بشكلٍ سلبيٍّ في العلاقةِ العاطفيةِ ، مؤكِّدةً أنّ التوتُرَ والإجهادَ الفكري والنفسي يُفضيانِ إلى تراجُعِ الرغبةِ الجنسيةِ، وغيابِ الرضا الجنسي، والامتناعِ عن ممارسةِ العلاقةِ العاطفيةِ، وهو ما يؤدّي في نهايةِ المطافِ إلى الانفصالِ النفسي والروحي بين الزوجينِ.

وأكّدَ المختصونَ على أنّ العلاقةَ بينَ الحالةِ النفسيةِ والعلاقةِ العاطفيةِ؛ هي علاقةٌ أقرَبُ إلى أنْ تكونَ علاقةً وثيقةً، فما يمُرُّ به الإنسانُ من مشكلاتٍ وضغوطٍ في الحياةِ؛ تؤثّرُ على رغبتِه في ممارسةِ العلاقةِ العاطفيةِ، موضّحينَ أنّ التوتُرَ الذي يمرُّ به الإنسانُ، وضغوطَ العملِ والحياةِ المختلفةِ، تنعكسُ سلبًا على مزاجِ الإنسانِ وهمّتِه ونشاطِه؛ ما يؤدّي إلى التأثيرِ بشكلٍ سلبيٍّ في العلاقة العاطفيةِ مع شريكةِ حياتِه، وفي مقابلِ ذلكَ تزيدُ الحالةُ النفسيّةُ الجيّدةُ من نشاطِ الإنسانِ وقدرتِه الجنسيةِ، وتؤثّرُ بشكلٍ إيجابي على عواطفِه، وعلى علاقتِه العاطفيةِ بشريكةِ حياتِه.

هُرمون السعادةِ

وتتابعُ أبو عودة قائلةً:” إنّ الإجهادَ والتعبَ، والنظامَ الغذائي غيرَ الصحي، وعدمَ ممارسةِ الرياضةِ، كلُّها عواملُ يؤدّي تراكُمُها إلى وجودِ نسبةٍ كبيرةٍ من المشكلاتِ والاضطراباتِ الجنسيةِ، وذلكَ لِكونِها تُفقِدُنا التوازنَ الجسمي النفسي، وتجعلُنا نستنفدُ قوانا. وبالعودةِ إلى خصائصِ البِنيةِ النفسيةِ العصبيةِ والجسمانيةِ للأفرادِ، قد يُفضي التوتُرُ الناشئُ عن ضغوطِ الحياةِ عندَ بعضِ الأشخاصِ إلى ارتفاعِ الحاجةِ الجنسيةِ، وذلكَ بخِلافِ الآخَرينَ الذين يعانونَ نقصًا حادًّا في هذه الاحتياجاتِ.

مشيرةً إلى أنّ البشرَ متمايزونَ تبعًا للكثيرِ من الخصائصِ والعواملِ، كما أنهم يتصرفونَ بشكلٍ مختلفٍ في مواجهةِ الضغوطِ والتوتُرِ، فالبعضُ عندما تكونُ لدَيهم مشكلاتٌ في الحياةِ، أو العملِ، تتجاوَزُ طاقتَهم؛ فإنهم يستجيبونَ بِرُدودِ فعلٍ تتّسِمُ “باللامبالاةِ”، إلى أنْ تصلَ إلى حدِّ النفورِ من ممارسةِ الجنسِ، بينَما يحاولُ آخَرونَ تخفيفَ التوتُرِ عن طريقِ إفراغِ حاجاتِهم الجنسيةِ بشكلٍ أكثرَ حِدّةً من المعتادِ.

وبيّنَتْ أنّ قائمةَ منافعِ العلاقةِ الجنسيةِ طويلةٌ بالقدْرِ الذي لا يمكنُ مقارنتُه بالتهربِ منها، فهي تساعدُ على تحسينِ المزاجِ من خلالِ زيادةِ مستوى “الأندورفين”، الذي يسمّى “هرمون السعادة”، بشكلٍ كبيرٍ، بالإضافةِ إلى أنّ التقارُبَ الجنسيَّ العاطفيَّ يقوّي العلاقةَ العاطفيةَ بين الشريكينِ، ويُبعدُ شبحَ الانفصالِ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى