المَرأةُ والإعلامُ
منذُ أنْ بدأَ العملُ على أجِندةِ قضايا المرأةِ؛ أصبحَ هناكَ شبكةً من المفاهيمِ والأدواتِ لا تَنفَكُّ عن بعضِها البعضِ، ولعلّ أبرزَها ثُلاثيةُ المرأةِ والإعلامِ والتمويلِ، والتي تهدفُ بشكلٍ خاصٍّ للتأثيرِ على المجتمعاتِ الإسلاميةِ وتَدشينِها، بما يخدمُ خُطَطَهم ومشاريعَهم في إخراجِ هذه المجتمعاتِ من سَمتِها الأخلاقي، وهُويّتِها الثقافيةِ والحضاريةِ، عن طريقِ تصغيرِ دائرةِ اهتمامِ المرأةِ، وزَجِّها في أتونِ من القضايا الفرعيةِ، التي لا حصْرَ لها من خلالِ التوجيهِ الإعلامي.
والإعلامُ في ذلكَ أصنافٌ وأقسامٌ، فهناكَ الإعلامُ المُوَجَّهُ، والإعلامُ العَشوائي، فالإعلامُ المُوَجَّهُ مُنقَسِمٌ إلى قِسمينِ: إعلامٌ موَجَّهٌ بأجِندةٍ وطنيةٍ وعَقَديةٍ، وإعلامٌ موَجّهٌ بأجندةٍ دوليةٍ، وتمويلٍ أجنبيٍّ، وسنأتي على توضيحِ كلِّ نوعٍ بشيءٍ من التفاصيلِ.
أوَّلاً: الإعلامُ الموَجَّهُ بأجِندةٍ وطنيةٍ وعَقَديةٍ؛ وهو إعلامٌ يستندُ لمَرجعيةٍ فكريةٍ عريقةٍ سليمةٍ من حيثُ الهدفِ والمبدأِ وسُموِّ الرسالةِ، والحِرصِ على التعاليمِ الإسلاميةِ، والحدودِ الشرعيةِ، والأخلاقِ الساميةِ، والهويةِ الوطنيةِ، والمَوروثاتِ الحضاريةِ، في المجتمعاتِ العربيةِ والإسلاميةِ، وتصديرِ الصورةِ المُشرِقةِ للمرأةِ في الإسلامِ، ومَدَى تكريمِ الإسلامِ للمرأةِ، ومواجهةِ كلِّ السردياتِ المُخالِفةِ لِما سبقَ.
وعلى الرغمِ من كلِّ الإيجابياتِ السابقةِ؛ إلّا أنَّ هناكَ الكثيرَ من المآخِذِ على هذا النوعِ من الإعلامِ، أهمُّها: غيابُ الاستراتيجياتِ الواضحةِ نحوَ قضايا المرأةِ، وتسويقِ صورةٍ مِثاليةٍ عن المرأةِ، حيثُ يدفِنُ رأسَهُ في الرمالِ عن كلِّ ما تتعرّضُ له المرأةُ من ظُلمٍ واضطهادٍ ومُعاناةٍ، في ظِلِّ أوضاعٍ إنسانيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ صعبةٍ، يعيشُها العالمُ الإسلامي، ولا أُبالِغُ عندَما أقولُ؛ هناكَ تَراجُعٌ في الالتزامِ بالقواعدِ والأحكامِ الشرعيةِ.
أمّا الإعلامُ الفلسطينيُّ المُوَجَّهُ بأجندةٍ وطنيةٍ وعَقَديةٍ، في ظِلِّ وجودِ الاحتلالِ الصهيوني، فإنه يرَكِّزُ على القضايا الوطنيةِ، ويَغفُلُ عن باقي القضايا المُهمّةِ، التي قد تُشكّلُ أولَويةً واحتياجًا حقيقًا للمرأةِ، والتي لها أثرٌ كبيرٌ في تَماسُكِ المجتمعِ وصمودِه في وجهِ الاحتلالِ، فالجبهةُ الداخليةُ _وعلى رأسِها المرأةُ_ كانت أحدَ أهمِّ رَوافعِ النضالِ الفلسطينيّ، ويَعُدُّ أنَّ القضيةَ الوطنيةَ أولَويّةٌ، وأنّ باقي القضايا تأتي بعدَ التحرُّرِ وكَنسِ الاحتلالِ.
ثانيًا: الإعلامُ الموَجّهُ بأجِندةٍ دوليةٍ، وتمويلٍ أجنبيٍّ، فإنه على النقيضِ تمامًا من النوعِ الأولِ، فهو يَحملُ أفكارًا مسمومةً نحوَ المرأةِ، ويستندُ لمرجعياتٍ فكريةٍ بعيدةٍ عن قِيَمِ المجتمعِ، ويمتلكُ إستراتيجيةً واضحةً ومحدَّدةً، تُجاهَ المرأةِ والأسرةِ، فيحاولُ بكُلِّ الأدواتِ والسُّبلِ نزْعَ المرأةِ من مجتمعِها، وخلْقَ هُوَّةٍ بينَهما تجعلُها دائمًا حانِقةً على أوضاعِها، وتصغيرِ دائرةِ اهتماماتِها، ويُعزّزُ فرديّتَها وتمَركُزَها حولَ قضاياها الخاصةِ، وإشغالِها بها على حسابِ القضايا الوطنيةِ الكُبرى، والالتزامِ بالأجندةِ الدوليةِ البعيدةِ عن أولوياتِ المرأةِ الفلسطينيةِ، فقط لأنها مرهونةٌ بالتمويلِ.
ثالثًا: الإعلامُ العشوائي (غيرُ الموَجَّهِ)، هذا النوعُ يكونُ في الأغلبِ مدفوعًا بالتعاطفِ مع المرأةِ، وقضاياها، وما تتعرّضُ له من ظُلمٍ، وما تُحقِّقُه من إنجازٍ، ويكونُ تَفاعلُه آنِيًّا ومع الحَدَثِ، بِدونِ إستراتيجيةٍ واضحةٍ، ولا رؤيةٍ مُستَنِدة لمرجعيةٍ فكريةٍ، وفي الكثيرِ من الأحيانِ يكونُ الاهتمامُ نابعًا من البحثِ عن التمويلِ في ظِلِّ الأوضاعِ السياسيةِ والاقتصاديةِ الصعبةِ، التي يعاني منها المجتمعُ الفلسطيني.
هذا تشخيصٌ وعرضُ بسيطٌ حولَ الإعلامِ وقضايا المرأةِ، وهو ينطبِقُ تمامًا على الحالةِ الفلسطينيةِ، وفي المَقالِ القادمِ سنُقَدِّمُ بإذنِ اللهِ تصوُّرًا وآلياتٍ لكيفيةِ التعاملِ الإعلامي لقضايا المرأةِ، بما يُحقِّقُ سعادةَ المرأةِ ورِفعةَ مجتمعِها، والمُساهَمةَ في البناءِ والتحريرِ.