زَي شربةِ المَيَّه.
الحَسدُ من أمراضِ القلبِ الأخلاقيةِ الخطيرةِ، التي صارتْ تَظهرُ أعراضُها بِطرُقٍ مختلفةٍ، وأشكالٍ مخيفةٍ، في كثيرٍ من الأحيانِ، كالسَّعيِّ الفعليِّ لزوالِ النعمةِ عن أيِّ شخصٍ لا تُحِبُّه، أو تَغارُ منه، مِش بَس تمنِّي زوالَها فقط ،للأسفِ بالسعيِّ والاجتهادِ أيضًا لهذا الأمرِ المُريبِ ..
و نارُ الحسدِ إذا اشتعلتْ؛ أحرقتْ كلَّ القِيَمِ الفاضلةِ، وولَّدتْ رذائلَ الأخلاقِ، من حِقدٍ، وعداوةٍ، وسَعيٍّ للوقيعةِ بينَ الإخوانِ، والبغضاءِ بينَ الناسِ، والتعزُّزِ والترَفُّعِ على الآخَرينَ، وغيرِ ذلكَ أشياءٌ كثيرةٌ.
وها الفترة صِرنا نشوف منشوراتٍ أشكالٍ وألوانٍ؛ بتِحكي عن الحسدِ والمحسودينَ وناس رايحة جاية على الشيوخ، أو بتلاقي سِت قد حالَها بتحكيلك دفعتْ مصاري عشانَ أفُك السحر، أو بنتي محسودة، أو إبني “مَسقي”، بصراحةٍ هذا الكلامُ مُبالَغٌ فيه؛ رغمَ أنّ الحسدَ وراءَ ذلكَ؛ ولَهيك بِدنا نِحكي كلمتين عالسريع عن هذا الموضوع.
عشان نكون مُتَّفِقين، أول حاجة الحسدُ هو من أكبرِ المعاصي وأشَرِّها، وأكثرُ حاجةٍ تُفسِدُ القلبَ، وكمان، أوّلُ خطيئةٍ وقعتْ في الأرضِ؛ عندما حسدَ إبليسُ آدَمَ _عليه السلامُ؛ فحَمَله على المَعصيةِ، فكانت الخَطيئةَ من ذلكَ إلى الأبدِ، فالحسدُ هو تَمَنِّي زوالِ نِعمةِ المحسودِ؛ وانتقالِها للحاسدِ؛ وهذا بِحدِّ ذاتِه مرضٌ نفسيٌّ مقيتٌ، ولا يجلبُ إلّا الكَراهيةَ بينَ الناسِ.
لكنْ بِنرجع نعيد ونزيد؛ أنَّ الأمرَ مُبالَغٌ فيه “هاليومين”، وصحيح أنَّ الحسدَ ذُكِرَ في القرآنِ الكريمِ، والأحاديثِ النبويةِ؛ لكنْ مِش بالمفهومِ الذي يظنُّه بعضُ الناسِ، فليس بإمكانِ الحاسدِ أنْ يجلبَ بعَينِه الضَّرَرَ للمحسودِ؛ فمَعنَى ذلك بأنه يملكُ القدرةَ بأنْ يُمرِضَ، ويُميتَ، ويؤذي بنظرةِ حَسدٍ.
رغمَ أنَّ الحسدَ مدخلٌ أساسٌ من مداخلِ الشيطانِ إلى القلبِ، فبالحسدِ لُعِنَ إبليسُ؛ وجُعلَ شيطانًا رجيمًا، ولهذا السببِ ذمَّ اللهُ تعالى الحسدَ في كتابِه الحكيمِ في آياتٍ متعدِّدةٍ، قال تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾، وفي آيةٍ أخرى، قال: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾.
ما في حد بيقدر ينكر حقيقةَ شعورِه برغبةٍ قويةٍ في الحصولِ على شيءٍ يمتلِكُه شخصٌ آخَرُ، أو بيكون بإيد شخص ثاني.
فقد شَعرْنا جميعًا بهذا الشعورِ مرّةً واحدةً على الأقلِّ، ولكنّ الذي يختلفُ فيه كلُّ واحدٍ عن الآخَرِ؛ كيف يتصرّفُ مع هذه الشغلة بِحَسدٍ؟ أو يتعاملُ على قاعدة “اللهم أعطِهم ما يتَمنّون لنا”.
إحنا ما بننكر وجودَ الحسدِ، والغيرةِ، والكيدِ، واللؤمِ، وغيرِها من الطِّباعِ البشريةِ المريضةِ، وما بنقدر نجزم عدم ثبوتِ أضرارِها، ومساوِئها على خَلقِ اللهِ أجمعينَ،
لكنْ من أبشعِ الأمورِ التي يُمكِنُ أنْ نَصادِفَها؛ رَبْطُ كلِّ الأحداثِ المصيريةِ في العالمِ سواءً الفرديةَ، أو المجتمعيةَ بالحسدِ، والعينِ، والسِّحرِ، والشعوذةِ!
لأنه الخوفُ المتواصِلُ من الحاسدينَ؛ يجعلُ الكثيرَ من الناسِ يخشَونَ إظهارَ نِعَمِ اللهِ عليهم! متناسينَ قولَه تعالى “وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ”..
آخِرُ حاجةٍ؛ الله يِبعد عنّا وعنكم شرَّ الحاسدِ؛ لأنّ عندَه شيئاً من الاعتراضِ على أقدارِ اللهِ تعالى التي قدَّرَها على عبادِه.
الحسدُ.. ما أعدَلَه بدأَ بصاحِبِه فقتلَه..