ما هي صوَرُ عقوقِ الوالدَين؟ وما هو الحُكمُ الشرعي لعاقِّ والدَيه؟

السعادة
عقوقُ الوالدينِ يأخذُ مظاهرَ عديدةً، وصوَراً شتَّى، نذكرُ بعضَها فيما يلي:
إبكاءُ الوالدينِ وتحزينُهما: سواءٌ بالقولِ أو الفعلِ، أو بالتسبّبِ في ذلك، نهرُهما وزجرُهما وذلكَ برفعِ الصوتِ والإغلاظِ عليهِما بالقولِ. قال تعالى:[وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً] (الإسراء:23)، التأفُفُ والتضَجُّرُ من أوامرِهما؛ قال تعالى_[فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ] (الإسراء:23)، شتمُهما ولعنُهما، والعبوسُ وتقطيبُ الجبينِ أمامَهما، فبعضُ الناسِ تَجِدُه في المجالسِ بشوشاً، مبتسما ً، حَسنَ الخُلقِ، فإذا ما دخلَ المنزلَ؛ وجلسَ بحضرةِ الوالدَينِ؛ انقلبَ ليثاً هصوراً لا يَلوي على شيءٍ، الإشاحةُ بالوجهِ عنهُما إذا تحدَّثا ما يدلُّ على قلّةِ الاعتدادِ برأيِهِما؛ فبعضُ الناسِ لا يستشيرُ والدَيهِ، ولا يستأذنُهما في أيِّ أمرٍ من أمورِه، سواءٌ في زواجِه، أو طلاقِه، أو خروجِه من المنزلِ؛ والسكنِ خارجَه، ذمُّ الوالدينِ عندَ الناسِ، والقدْحِ فيهِما، مزاولةُ المنكَراتِ أمامَ الوالدينِ؛ كشُربِ الدخانِ أمامَهما، أو استماعُ آلاتِ الَّلهوِ بحَضرتِهما، أو النومُ عن الصلاةِ المكتوبةِ، تشويهُ سُمعةُ الوالدينِ؛ وذلك باقترافِ الأعمالِ السيئةِ ، التي تُخِلُّ بالشرفِ، وتخرمُ المروءةَ، فلا شكّ أنّ هذا من عقوقِ الوالدينِ؛ لأنه يجلبُ لهما الهمَّ، والغمَّ، والخِزيَ، والعارَ.
المكثُ طويلاً خارجَ المنزلِ؛ وهذا مما يُقلِقُ الوالدينِ؛ ويزعِجُهما على الولدِ، الإثقالُ عليهِما بكثرةِ الطلباتِ، إيثارُ الزوجةِ على الوالدينِ؛ فبعضُ الناسِ يقدّمُ طاعةَ زوجتِه على طاعةِ والدَيهِ، ويُؤثِرُها عليهِما، التعدّي عليهِما بالضربِ؛ وهذا العملُ لا يَصدرُ إلّا من غلاظِ الأكبادِ، وقُساةِ القلوبِ، إيداعُهم دُورَ العجَزةِ والملاحظةِ؛ وهذا الفعلُ غايةٌ في البشاعةِ، ونهايةٌ في القُبحِ والشناعةِ، يقشَعِرُّ لهَولِه البَدنَ، ويَقِفُّ لخَطبِه شعرُ الرأسِ، والذي يفعلُه لا خيرَ فيه البتَّة.
هجرُهما، وتركُ برِّهِما ونُصحِهما، البخلُ والتقتيرُ عليهِما؛ فمنَ الناسِ مَن يبخلُ على والدَيهِ، ويُقتّرُ عليهِما في النفقةِ، السرقةُ من الوالدينِ؛ وهذا الأمرُ جمعَ بينَ مَحذورَينِ، السرقةُ والعقوقُ؛ فتجِدُ من الناسِ مَن يحتاجُ للمالِ؛ فيقودُه ذلكَ إلى السرقةِ من والدَيهِ؛ إمّا لكِبَرِهما، أو لغفلتِهما.
يعدُّ العقوقُ من أكبرِ الكبائرِ؛ ففي الصحيحينِ من حديثِ أبي بَكرة – رضي الله عنه – أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( ألا أُنَبِّئُكم بأكبرِ الكبائرِ ( ثلاثاً ) قُلنا : بلَى يا رسولَ الله ، قال : (الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالدينِ ، ألا وشهادةُ الزُّورِ ، أو قولُ الزُّورِ ) – وكان متَكئاً فجلسَ – فمازال يكرِّرُها حتى قُلنا ليته سكتَ”. رواه البخاري ومسلم .
وفي الصحيحينِ من حديثِ عبدِ الله بنِ عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_ أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : (إنّ من أكبرِ الكبائرِ أنْ يسُبَّ الرجلُ والدَيه ) فقالَ الصحابة : وهل يَشتمُ الرجلُ والدَيه! ، فقالَ المصطفى : ( نَعمْ يسُبُّ الرجلُ أبا الرجلِ ، فيسُبُّ أباهُ ، ويسُبُّ أمَّه ، فيسُبُّ أمَّه) رواه البخاري ومسلم.
انظرْ إلى هذا السؤالِ الاستنكاري من الصحابةِ _رضوان الله عليهم_ وهل يشتمُ الرجلُ والدَيه؛ لا أنْ يقتلَ والدَيهِ ، لا يتصوّرُ الصحابةُ في مجتمعِ الطُّهرِ مُجردَ أنْ يشتمَ الرجلُ والدَيه ، فقال الحبيبُ المحبوبُ : أن يُشتَمَ رجلٌ بأبيهِ؛ فيَرُدَّ هذا الرجلُ على الشاتمِ؛ بأنْ يشتمَ أباه ؛ وبهذا يكونُ الرجلُ سبَّ أباهُ بطريقٍ غيرِ مباشرٍ ؛ وهذا الفعلُ من أكبرِ الكبائرِ _والعياذُ بالله_ .
أيُّها الأبناءُ … العقوقُ سببٌ من أسبابِ الحرمانِ من الجنةِ، والطردِ من رحمةِ اللهِ؛ التي وَسِعتْ كلَّ شيءٍ ، ففي الحديثِ الذي رواه النسائي و البزار بسنَدٍ جيد، وحسّنه الألباني، ورواه الحاكم في المستدرك ، وصحّحه على شرطِ الشيخينِ البخاري ومسلم من حديثِ عُمر أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ _عزَّ وجلَّ_ إليهِم يومَ القيامة ) قيلَ مَن هم يا رسولَ الله ؟! قال 🙁 العاقُّ لوالديهِ ، والمرأةُ المترَجِّلةُ، والديّوثُ) رواه النسائي.
فعلى الآباءِ أنْ يتدبَّروا قولَ الرسولِ – صلى الله عليه وسلم – 🙁 ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ إليهِم يومَ القيامةِ ) خابوا وخسِروا _وربِّ الكعبةِ_ هؤلاءِ هم الذين طُرِدوا من رحمةِ الرحمنِ ، التي وَسِعتْ كلَّ شيء ، وأولُ المطرودينَ : العاقُّ لوالدَيهِ .
وعلى الأبناءِ أنْ يشكروا على نعمةِ الوالدينِ، وأنتم لا تدركونَ قدْرَ هذه النعمةِ، ولن تشعروا بها إلّا إذا فقدتُم الوالدينِ ، أَسألُ اللهَ أنْ يباركَ في أعمارِ آبائنا وأمهاتِنا ،وأنْ يختمَ لنا ولهم بصالحِ الأعمالِ، إنه على كلِّ شيءٍ قدير.
فالعقوقُ لا ينفعُ معه أيُّ عملٍ ، سواءٌ كان صلاةً أو زكاةً أو حجّاً أو صياماً؛ ففي الحديثِ الذي رواهُ الإمام الطبراني، وابنُ أبي عاصم في كتابِ السنةِ بسند حَسن ، وحَسَّنَ الحديثَ الشيخُ الألباني في السلسلةِ الصحيحةِ من حديثِ أبي أُمامة أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : (ثلاثةٌ لا يَقبلُ اللهُ منهم صرْفاً ولا عدْلاً ، العاقُّ لوالديهِ، والمنّانُ، والمُكذّبُ بالقدَرِ) .
إنّ العقوقَ دَينٌ لا بدَّ من قضائه في الدنيا قبلَ الآخرةِ ، فكما تَدين تُدان ، فإنْ بذلتَ البِرَّ لوالديكَ؛ سَخَّرَ اللهُ أبناءَك لبِرِّكِ ، وإنْ عققتَ والديكَ؛ سَلَّطَ اللهُ أبناءَك لعقوقِك ، ستَجني ثمرةَ العقوقِ في الدنيا قبلَ الآخِرةِ ، ففي الحديثِ الذي رواهُ الطبراني والبخاري أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( اثنانِ يُعَجّلُ لهما اللهُ في الدنيا البغيُ وعقوقُ الوالدينِ ) رواه أحمد في المسند.