قانونُ الوصولِ إلى أرضِ الأحلامِ؛ لا يَحمي المُغفَّلينَ أبدًا

السعادة
منذُ سنواتٍ طويلةٍ يعيشُ أحمد ” 40عامًا” حُلمًا مؤجَّلاً بالهجرةِ إلى بلادِ أوروبا، لاسيّما وأنَّ كلَّ أصدقائِه على مدارِ السنواتِ هاجروا خارجَ البلادِ، وزَيّنوا له جمالَ الحياةِ وسهولتَها هناكَ؛ مقابلَ ما يُعانيهِ مَن في غزةَ من غيابِ فُرَصِ العملِ، وعدمِ امتلاكِه منزلًا خاصًّ له ولعائلتِه.
على مدارِ سنواتِه العشرِ الأخيرةِ؛ حاولَ “أحمد” الخروجَ من غزةَ بِعدّةِ طرُقٍ، وفى كلِّ مرّةٍ كان يصلُ فيها إلى محطةٍ معيَّنةٍ؛ ثُم تبوءُ محاولاتُه بالفشلِ؛ فيعودُ إلى غزةَ خاسرًا ما سعَى إلى ادِّخارِه على مدارِ شهورٍ طويلةٍ، ورغمَ ذلكَ لم يغادِرْهُ حُلُمُ الهجرةِ مرّةً واحدةً.
في العامِ الماضي أخبرَه أحدُ الأصدقاءِ أنّ هناكَ شخصًا ثِقةً يعيشُ في “بلجيكا” فلسطينيَّ الأصلِ؛ يُدعَى ” خالد” اسمٌ مستعارٌ يعملُ في مجالِ “الفيَزِ والهجرةِ وتذاكرِ الطيرانِ”، وقد نجحَ في إيصالِ الكثيرِ من الشبانِ إلى أوروبا، وإلى البلدانِ التي اختاروها تحديدًا، وأنّ طريقتَه آمِنةً خاليةً من أيِّ مغامراتٍ؛ لذا هي مرتفعةُ السِّعرِ عن غيرِه، ومضمونةٌ بشهادةِ الجميعِ، كما أخبرَه أنْ لا يَقبلَ بالتواصلِ مع أحدٍ خوفًا من السلطاتِ الأوروبيةِ، لذا من يرِدْ أنْ يتواصلَ معه؛ عليه أنْ يتواصلَ عبرَ معارفَ مشترَكةٍ؛ حتى يحصلَ على الثقةِ بالتواصلِ معه.
تَواصَلَ مع “أحمد” الكثيرونَ من أصدقائه؛ ليسألوا عن هذا الشخصِ في محاولةٍ لجمعِ أيِّ معلوماتٍ؛ لكنّ طبيعةَ الحياةِ هناكَ، وطبيعةَ عملِ “خالد”؛ جعلتْ أيَّ حصولٍ على المعلوماتِ أمرًا مستحيلاً، ومع ذلكَ حاولَ التواصلَ مع الشخصِ المطلوبِ بكافّةِ الطرُقِ.. وكثيرةٌ هي المحاولاتُ التي فشلتْ؛ لكنه كان مُصِرًّا هذه المرّةَ على المجازفةِ بكلِّ ما يملكُ؛ حتى لو كانت حياتُه ثمناً لذلك.
بعدَ شهورٍ من التواصلِ؛ استطاعَ “أحمد” الوصولَ إلى “خالد”، والذي اتَّضحَ بصريحِ العبارةِ؛ أنه يعملُ في مجالِ التهريبِ من تركيا إلى دولِ أوروبا، والفيَزِ المخصَّصةَ للسفرِ إلى دولِ العالمِ المختلفةِ، كان التواصلُ عبرَ رقمِ واتس آب” مُشَفَّر، يحرصُ فيه “خالد” على حذفِ أيِّ نشاطٍ بعدَ دقائقَ؛ بِحُجَجِ المراقباتِ التي تفرضُها الدولُ الأوربيةُ على الهواتفِ النقالةِ.
أخبرَ “خالد” أنّ عمليةَ وصولِه إلى أوروبا تكلِّفُه عشرةَ آلافِ دولارٍ؛ يدفعُ منها الثلُثيَنِ قبلَ الخروجِ من غزةَ، في حين يدفعُ بقيةَ المبلغِ فورَ صعودِه إلى الطائرةِ المتجهةِ إلى أوروبا، وعليه تمَّ الاتفاقُ أنْ يوفّرَ “أحمد” المبلغَ؛ ويدفعَه بطريقةٍ معيَّنةٍ يتّفِقُ عليها الطرَفانِ حينَها، ثُم يُمهل خالدُ فترةَ خمسينَ يومًا؛ لإنجازِ الفيزةِ، وحجزِ الطائرةِ، وبقيةِ التفاصيلِ.
وفعليًّا استدانَ “أحمد” مبلغَ عشرةِ آلافِ دولارٍ من عائلتِه، وبعضِ أصدقائه، وعائلةِ زوجتِه؛ وكلُّه أملٌ هذه المرّةَ أنْ ينجحَ في الوصولِ إلى أرضِ الأحلامِ _كما يُسمّيها_، وسلّم ثُلثَ المبلغِ بالطريقةِ المُتَّفَقِ عليها، وانتظرَ أكثرَ من (50) يومًا دونَ أنْ يلمسَ أيَّ تَواصلٍ من “خالد”، وبعدَ عشرةِ أيامٍ من الموعدِ المُتفَقِ عليه؛ حاولَ التواصلَ مع “خالد” دونَ أيِّ استجابةٍ ، ومع كثرةِ المحاولاتِ اتّصلَ مع عائلتِه بغزةَ؛ لتُنكِرَ العائلةُ أنّ ابنَها يعملُ في هذا المجالِ، وأنهم لا يعرفونَ عنه شيئًا منذُ سنواتٍ طويلةٍ؛ بل ليس لدَيهم أيُّ علاقةٍ به، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ !!
بعدَ شهرينِ من الانتظارِ اكتشفَ “أحمد” أنه تعرّضَ لعمليةِ نصبٍ مُحكَمةٍ قائمةٍ على قاعدةِ “القانونُ لا يحمي المُغفَّلينَ مُطلَقًا”، حيثُ أنه أرسلَ النقودَ عبرَ مكتبٍ لصورةِ جوازٍ لا يعرفُ عنها شيئًا؛ الآن “أحمد” مُدانٌ بِستةِ آلافِ دولارِ، ولا يعرفُ الطريقَ إلى سدادِ دولارٍ واحدٍ منها .