إماطةُ الأذَى عملٌ يسيرٌ وثوابٌ كبيرٌ تفكيرٌ خارجَ الصندوقِ
إنّ إماطةَ الأذَى عن طريقِ المسلمينَ خُلقٌ كريمٌ من الأخلاقِ الحميدةِ التي حَضَّ عليها الإسلامُ، فهو ليس مُجرَدَ نصحٍ ووعظٍ؛ بل منهجٌ وتربيةٌ وأخلاقٌ، شُعبةٌ من شُعَبِ الإيمانِ غَفلَ عنها الكثيرُ من الناسِ، وثوابٌ وفضلٌ عظيمٌ.
ثوابٌ يُدخِلُ الإنسانَ الجنةَ، عملٌ رُبما نستهينُ به، أو نَستصغِرُه؛ لكنه عندَ اللهِ عظيمٌ، إنه لأمرٌ عجيبٌ..! أنْ تُزيلَ شيئًا يؤذي المسلمينَ في طرُقاتِهم، ترفعَ أشواكًا، أو غصنًا، أو تزيلَ حَجرًا؛ فيكونَ هذا الفعلُ سببًا في دخوِلكَ الجنةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وآله وسلم- قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ». رواه مسلم. يَتَقَلَّب فِي الْجَنَّة: يَتَنَعَّم فِي الْجَنَّة.
كم غصنَ شوكٍ؟ وكم غصنَ شجرةٍ؟ وكم حاويةَ نُفايةٍ؟ وكم من حفرةٍ، وكم من صخرةٍ مرَرنا بها؛ ولم نتوقّفْ لإزالتِها؟
وكم من ساعاتٍ رحلتْ من أعمارِنا، كان بإمكانِنا أنْ ندخلَ الجنةَ بعملٍ فيها لا يَثقُلُ علينا فِعلُه؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ». رواه مسلم.
إنّ لهذا الفعلِ وَقْعًا مُهمًّا وإيجابيًّ على حياةِ المسلمينِ، سواءً كانوا أفرادًا أو جماعاتٍ، فتَقاعُسُ كلِّ فردٍ عن القيامِ بواجبهِ في إماطةِ الأذى عن الطرقاتِ؛ يتسبّبُ بتَراكُم الأذى؛ وهذا يفسِدُ على الناسِ حياتَهم، وينشرُ الأمراضَ، ويتسببُ بالضرِّرِ للجميعِ.
ومن المعلومِ أنّ إماطةَ الأذى عن الطريقِ سُنّةُ من السننِ المُستحَبةِ، وليستْ من السننِ الواجبةِ من حيثُ الأصل، ومع ذلكَ من المُمكنِ أنْ تصبحَ هذه السُّنةُ واجبةً في بعضِ الأحوالِ، فإنّ المُرادَ من إماطةِ الأذى عن الطريقِ؛ هو إزالةُ كلِّ ما يؤذي خَلْقَ اللهِ.
عندَما أسيرُ في شوارعِ المخيمِ أو المدينةِ، وأرى ما يُلقَى فيها من نُفاياتٍ؛ عجَزَ المكلَّفونَ بإزالِتها عن كنْسِها وجمْعِها كلِّها، بما لدَيها من عُمّالٍ مُخلصينَ في عملِه،م وآخَرينَ غيرَ ذلك، وبما تُنفِقُه وكالةُ الغوثِ من المبالغِ سنويًّا للنظافةِ، أجِدُ نفسي أتساءلُ للمرّةِ (العشرطعش): لماذا لا نُفكّرُ خارجَ الصندوقِ فيما يخصُّ ضبطَ وضَماَن نظافةِ الشوارعِ؟!.
بدايةً، أعتقدُ أنّ هذا الوضعَ ماثلٌ للعِيانِ، كذلَك في جميعِ مُدنِ القطاعِ، وليس مخيَّمُنا فقط، لذا جميعُنا يجبُ أنْ يفكّرَ خارجَ الصندوقِ، أليسَ من الواجبِ التعميمُ على الجميعِ الالتزامَ بوضعِ القمامةِ في الأماكنِ المخصَّصةِ لها؟ حيثُ أنَّ الأهالي من المُفترَضِ أنْ يكونوا الأكثرَ حرصًا على النظافةِ بشكلٍ عام، فإنّ من طبيعةِ البشرِ الاعتناءَ بكلِّ ما هو جميلٌ وحَسنٌ، وإبقاءَه حَسنًا، فرؤيةُ حالِ الشوارعِ غيرِ الحسنِة، والأرصفةِ وما فيها من حُفرٍ ومَطبّاتٍ، من مُنَغِّصاتِ الحياة.
وقد لفتَ انتباهي، وأنا في زيارةِ لأحدِ الأحياءِ؛ أنّ البلديةَ قامت بعملِ حاوياتٍ ذاتِ حجمٍ متوسطٍ، جميلةِ المنظرِ، وتمَّ وضعُها في الطرُقاتِ للمساهمةِ في نظافةِ الشوارعِ.
ومن التفكيرِ خارجَ الصندوقِ، العملُ على تحسينِ حالِ هذه الشوارعِ، بتحسينِ بِنيَتِها الأساسيةِ، بتوحيدِ تصميمِ أشكالِ الأبنيةِ المُطلّةِ على الشوارعِ العامةِ، وتحسينِ أسفلتِها وأرصفتِها، وتحسينِ تشجيرِها، وإضفاءِ شكلٍ جماليٍّ عليها؛ بدِهانِها بألوانٍ موَّحدةٍ؛ كي تصبحَ جميلةَ المنظرِ في أعيُنِ المواطنينَ؛ لتبعثَ فيهم روحَ المبادَرةِ في المحافظةِ على جمالِ المدينةِ، هذا مختصرٌ للتفكيرِ خارجَ الصندوقِ، مع أننا مازِلْنا نُفكّرُ داخله.
عَودًا على بدءٍ، أليس من الوجوبِ الاقتداءُ برسولِ اللهِ محمدٍ_ صلى الله عليه وسلم_ أُسوتِنا الحسنةِ، بإماطةِ بإماطة الأذى عن الطريقِ؟ بغيةَ كسبِ رضا اللهِ تعالى، والحصولِ على مغفرةِ اللهِ، ومحبةِ وشفاعةِ رسولِه، والاقتداءِ بِسُنَّتِه الشريفة.