Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياحة

قريةُ “كَفرِ الديك” قريةٌ فلسطينيةٌ أثريّةٌ نابضةٌ بالحياةِ

 

السعادة

 

“كفرُ الديك” قريةٌ فلسطينيةٌ تَتبعُ محافظةَ “سلفيت”، وسُميتْ بهذا الاسمِ نسبةً إلى نزوحِ أحدِ مؤسِّسيها من منطقةِ عينِ الديوكِ؛ قربُ أريحا إلى تلكَ المنطقةِ، وتقعُ إلى الجنوبِ الغربيّ من مدينةِ نابلس، ويَحدُّها من الشمالِ قريةُ سرطة، ومن الشرقِ قريةُ برقين، ومن الغربِ ديرُ بلوط، ومن الجنوبِ ديرُ غسانة، وتقعُ على حدودِ محافظةِ نابلس الجنوبيةِ.

ترتفعُ قريةُ “كَفر الديك” عن سطحِ البحرِ (350) مترًا، وتبلغُ مساحتُها العمرانيةُ (630) دونمًا، ويُزرعُ في أراضيها الحبوبُ والبقولياتُ والأشجارُ المثمرةُ، وخاصةً الزيتونَ والعنبَ واللوزَ، بالإضافةِ إلى تربيةِ الأبقارِ والأغنامِ.

قريةُ “كفر الديك” حيثُ تعجزُ الكلماتُ عن وصفِ عَبقِ الأماكنِ التراثيةِ فيها؛ مِثلَ قريةِ “دير سمعان” الأثريةِ، حيثُ تَحلُّ العراقةُ والحضارةُ التي تأخذُكَ إلى عالمِ الأجدادِ الذين سكنوا هذه القريةَ، وشيّدوها بأيديهِم، وفي مكانٍ ليس ببعيدٍ، شاهدْنا قلعةَ “كفر الديك” التي تتمركزُ على قمةِ أعلى جبلٍ في القريةِ، ونبعِ “كفر الديك” “الفوّارِ” الذي يشكّلُ مصدرًا للحياةِ.


منتصفُ التسعينياتِ

قريةُ “دير سمعان” الأثريةُ التي تَحدّثَ عنها “وسامُ الديكِ” مختصُّ الآثارِ والتاريخِ قائلاً:” إنّ هذه القريةَ عبارةٌ عن مكانٍ أثريٍّ قديمٍ جدًّا؛ يتربّعُ على أكبرِ وأعلَى جبلٍ في القرية.
فعندَ الاقترابِ أكثرَ من قريةِ “الدير”؛ نشاهدُ فُسيفساءَ مرصوفةً بطريقةٍ هندسيةٍ ملتويةٍ؛ وتُكملها حجارةٌ دائريةٌ كبيرةٌ؛ كانت تُستخدمُ في عصرِ الزيتونِ والعنبِ، وهناكَ أيضًا ساعةٌ شمسيةٌ محفورةٌ في الصخرِ، كان يستخدمُها الأجدادُ لمعرفةِ الوقتِ والزمنِ، وأيضًا نرى حلبةً للمصارعةِ ثُم بِرَكَ السباحة.

“جَبِر أحمد” أحدُ سكانِ القريةِ، والذي يبلغُ من العمرِ (50) عامًا، يشيرُ إلى أنّ أعمالَ التنقيبِ عن هذا الديرِ بدأتْ في منتصفِ التسعينياتِ من القرنِ الماضي، فعندَما تمَّ تنظيفُ المكانِ من الأتربةِ؛ تمَّ الكشفُ عن أرضيةٍ مرصوفةٍ بالفُسيفساءِ، والتي لم يتبقَّ منها سِوَى إطلالةٌ تُصوّرُ للزائرِ عظَمةَ هذا الديرِ ودِقّةَ تصميمِه.

يضيفُ “: قنواتٌ تمتدُّ إلى جانبِ الواجهاتِ الحجريةِ، وتحتَ الأرضياتِ الفسيفسائيةِ، كما ويضمُّ أيضًا معبدًا، ومخازنَ للحبوبِ، ومرابطَ للخيلِ، وفي الجهةِ الجنوبيةِ للديرِ ما تزال واحدةٌ من الغُرفِ المفصولةِ عن أسوارِ الديرِ باقيةً بشكلِها الأصلي، فيما يطلُّ شباكٌ غربيٌّ من داخلِ هذه الغرفةِ على ثلاثِ بِرَكٍ مائيةٍ؛ نُحتتْ في الصخورِ الصمَّاءِ على غرارِ بِرَكِ سليمان في بيتَ لحم.
والجديرُ ذِكرُه أنّ الديرَ يضمُّ ساحةً دائريةً كبيرةً وواسعةً؛ تُسمّى “البَيدَرُ”؛ استُخدمتْ لأعمالِ تخليصِ الحبوبِ من سنابلِها، ولأغراضِ التدريبِ العسكري، وفي الجانبِ الغربي لهذا البَيدرِ الكبيرِ؛ شُقّتْ قناةٌ بِعُمقِ مترِ تقريبًا في الصخورِ؛ وبعَرضِ حوالي ثلاثينَ سم، وبطولِ عشرةِ أمتارٍ، تؤدِّي إلى البِركِ الثلاثِ داخلَ البيدرِ، وفي الجانبِ الشرقيّ الشماليّ للبيدرِ توجدُ ساعةٌ شمسيةٌ يتوَسَّطُها صليبٌ، وبحسبِ تقديراتِ الباحثينَ؛ فإنّ هذا الديرَ كان يُزَوِّدُ باقي المَحمياتِ البيزنطيةِ بالمؤنِ.

قلعةُ آلِ الديكِ 

وانتقلُ مختصُّ الآثارِ والتاريخِ في حديثِه؛ إلى قلعةِ الديكِ التي تبلغُ مساحتُها حوالي ألفَ مترٍ مربَّعٍ، وتتوسّطُها مبانٍ متشابكةٌ ببعضِها البعضِ مع ساحةٍ كبيرةٍ، سكنَتْها عائلةُ الديكِ؛ وهم أصلُ العائلةِ الحاليةِ، والتي تمثّلُ أكثرَ من نصفِ سكانِ البلدة.
التقينا بالحاج حِكمتْ الديك، الذي يتجاوزُ العَقدَ الثامنَ من عمرِه، وقد أشارَ في حديثِه إلى أنّ القلعةَ بُنيتْ على أكثرَ من مرحلةٍ زمنيةٍ، وأنّ الجزءَ الشرقي منها مكوَّنٌ من ثلاثةِ بيوتِ عَقدٍ متلاصقةٍ ، وهي أكثرُ الأجزاءِ قِدَمًا.

يقولُ :”عندَ الوقوفِ أمامَ البابِ الرئيسِ من هذه القلعةِ المكوّنةِ من ثلاثِ طبقاتٍ؛ تَجِدُ بابًا يبلغُ عَرضُه مترًا ونصفَ تقريبًا، وارتفاعُه حوالي مترَينِ ونصفَ؛ يستندُ على رُكنِه الجنوبيّ بابٌ خشبيٌّ ضخمٌ؛ لا يقِلُّ وزنُه عن (200) كيلو غرام؛ وهو مُصفَّحٌ بصفيحٍ مَعدنيِّ؛ لكي يَقيهِ ضرباتِ أيِّ مُعتدٍ …، وعندَ إغلاقِ البابِ يتمُّ إقفالُه من الداخلِ بعامودٍ خشبيٍّ يختفي داخلَ الركنِ الجنوبيّ للبابِ؛ حيثُ يتمُّ سَحبُه عرضيًّا إلى أنْ يَدخُلَ في فتحةٍ أخرى في الركنِ الشمالي للبابِ، وبذلكَ يصبحُ من المستحيلِ فتحُ البابِ دونَ تحطيمِه؛ وهذا ما لم يحصُلْ طوالَ فترةِ وقوفِه حارسًا لها، وما زالَ.

ويضيفُ حِكمت الديكِ: بعدَ هذا البابِ يوجدُ “رواقٌ” يمتدُّ إلى أكثرَ من عشرينَ مترًا، بعَرضِ ستةِ أمتارٍ تقريبًا؛ ثُم يعلوهُ سقفٌ بِقُبّتَينِ مقوَّستَينِ، وعليهِما يقامُ الطابقانِ العلويانِ، وفي مواجهتِكَ وأنتَ تقفُ على المدخلِ؛ تجدُ “طاقيتَينِ ” ما يُشبِهُ فتحاتِ الشبابيكِ، وفي كلِّ واحدٍ منهما مَربطٌ يُستخدمُ لربطِ الخيولِ قديمًا .

بيوتُ العقِّ 

وبعدَ أنْ يجتازَ الزائرُ الرواقَ؛ يقفُ في الساحةِ السماويةِ التي تبلغُ أبعادُها حوالي (12) مترًا عرضًا، وأكثرَ من (15) مترًا طولاً، وتنتشرُ على جوانبِها أبوابُ الغرفِ “بيوتُ العق”، وعلى يسارِكَ وأنتَ تقفُ في مدخلِ الساحةِ السماويةِ؛ تجدُ عامودًا لا يقِلُّ عرضُة عن مترٍ ونصفٍ، وفي كلِّ جهةٍ من جهاتِه وُضِعَ حجرٌ بارزٌ ومثقوبٌ؛ كان يُستخدَمُ لربطِ الدوابِّ.

وإذا استدَرتْ يسارًا؛ وسِرتَ بِضعَ خطواتٍ، ثُم استدرتَ يسارًا مرّةً أخرى؛ فإنك تصبحُ في مواجهةِ دَرجٍ يأخذُكَ إلى الطابقِ الثاني من الجزءِ الغربي للقلعةِ، ومنه الى الطابقِ الثاني، حيثُ يتكونُ كلُّ طابقٍ من هذه الطوابقِ من غرفتَينِ، واستُخدِمَ الطابقُ الثالثُ منهما كَمضافةٍ للعائلةِ؛ يتمُّ فيها استقبالُ الضيوفِ، وبعدَ أنْ تهبطَ الدَّرجَ؛ تشاهدَ ثمانيةَ أبوابٍ لثماني غُرفٍ، وعلى يمينِكَ يصعدُ دَرجٌ طويلٌ؛ بُنيَ بعنايةٍ تامّةٍ؛ يوصِلُكَ إلى غرفةٍ وحيدةٍ في أعلَى المَبنى.

ويضيفُ “جبر الديك”: إنّ القلعةَ تعرّضتْ لأكثرَ من قذيفةٍ زمنَ الانتدابِ البريطاني؛ ولم يسكنْ هذه القلعةَ غيرُ الأصولِ التابعةِ لعائلةِ “دار الديك”، الذين يعودونَ إلى عائلةِ المساعيدِ التي عاشتْ في الجزيرةِ العربيةِ، إلى جانبِ استخدامِها كَمَسكنٍ للدوابِ والطيورِ.

طبيعةٌ ساحرةٌ 

المياهُ والهواءُ والأرضُ والأشجارُ؛ هذا ما تشاهِدُه عيناكَ عندَ زيارةِ النبعِ، الذي يُعَدُّ من أقدمِ الأماكنِ الطبيعيةِ قِدَمًا في القريةِ، حيثُ يقولُ المُسِنُّ “أبو فخري الديك”، بأنّ العينَ تقعُ في وادي القريةِ من الجهةِ الغربيةِ؛ ويتمُّ استخدامُها في مجالِ الزراعةِ منذُ القِدمِ حتى اليومِ، ويتمُّ زراعةُ الحمضياتِ والخضرواتِ والفواكهِ وغيرِها من المزروعاتِ؛ حيثُ تُعَدُّ سلّةَ “كَفرِ الديك” الغذائيةَ.

ويضيفُ “أبو فخري”: إنّ العينَ تشكّلُ مصدرَ الماءِ الوحيدَ لأبناءِ القريةِ، وكانت النساءُ قديمًا يذهبْنَ إلى العينِ من أجلِ غسيلِ الملابسِ، وتعبئةِ جرارِ الفخّارِ؛ ونقلِها إلى البيوتِ؛ كي يستخدِموها في الشربِ وطهيِ الطعامِ، حيثُ أنها تشكّلُ المنطقةَ الطبيعيةَ الجميلةَ، والمُتَنفَسَ البيئيَّ الوحيدَ، الذي يذهبُ إليهِ أبناءُ القريةِ لقضاءِ أجملِ الأوقاتِ في الطبيعةِ.

في نهايةِ الحديثِ عن قريةِ “كفر الديك”، وما تَحويهِ من أماكنَ تراثيةٍ قديمةٍ، وأماكنَ طبيعيةٍ؛ وَجَبَ أنْ تَصلَ رسالةٌ؛ يطالبُ بها أبناءُ القريةِ الجهاتِ المختصةَ، تمثّلتْ في: مساعدتِهم في ترميمِ قلعةِ “آل الديك”؛ من أجلِ الحفاظِ على تراثِ الأجدادِ، وبقائه لفترةٍ زمنيةٍ أطوَلَ؛ لأنّ هذا القصرَ يشكّلُ كنزًا أثريًّا، ومطالبينَ أيضًا بالاهتمامِ أكثرَ بقريةِ “دير سمعان” الأثريةِ، وتخصيصِ رحلاتٍ تستهدفُ الطلبةَ والمهتمينَ عن طريقِ وزارةِ السياحةِ، وغيرِها من المؤسساتِ الأهليةِ؛ لإبرازِ التراثِ والتاريخِ الفلسطيني المتجذّرِ في هذه الأرضِ منذُ قديمِ الزمانِ.


تتميّزُ بلدةُ “كفــر الديــك” بطابعٍ جبلي، أكسبَها قوةً، ومنَعةً، وجعلَها محطَّ اهتمامِ الحضاراتِ السابقةِ، فالآثارُ الرومانيةُ والبيزنطيةُ والإسلاميةُ شاهدةٌ على الحضاراتِ التي مرّتْ عليها من خلالِ النواميسِ المحفورةِ في الصخرِ، والخِربِ المتراميةِ على جبالِها، والتي يصلُ عددُها إلى (9) خِرَبٍ، وهي: “قيسارية، وإشراف، وديريا، ودير قلعة، وخربتي الحمقة، وبنات بر، ودير سمعان، وخربة عرارة، وسوسيه”، بالإضافةِ إلى المقاماتِ الدينيةِ، والتي يشتهرُ منها أربعةُ مقاماتٍ، وهي “أبو عطاف، والحج عرفان، وأحمد الفقيه، والشيخ صبح”، بالإضافةِ إلى عيونِ الماءِ، التي زوّدتْ السكانَ عبرَ المراحلِ التاريخيةِ بالماءِ، وأشهرُها ثلاثُ عيونٍ هي “الفوارة، وعين صريدة، وعين المزراب”، كما اهتمَّ أهالي البلدةِ ببناءِ آبارِ الجمعِ، التي لا يكادُ يخلو منها بيتٌ، أو خربةٌ، أو جبلٌ .

تتربعُ خِربة ” سوسية ” على قمةِ تلّةٍ، وصلْنا إليها عبرَ طريقٍ ترابيةٍ التوائيةٍ متعرّجةٍ، ووجدْنا بئرًا قديمًا بالكادِ تمَّ ملاحظتُه على الطريقِ؛ يزيدُ عمقُه عن بضعةِ أمتارٍ، ومليءٍ بالماءِ، وقد حُفرَ في الصخرِ على شكلِ أجاصةٍ، ويواصلُ الفريقُ الصعودَ نحوَ أعلى التلةِ، حيثُ يتربّعُ مسجدُ ” سوسية ” الشاهدُ الوحيدُ على القريةِ المدمّرةِ، الذي لا يزالُ يحرسُ المكانَ بجُدرانِه التي يزيدُ عرضُها عن المترِ، وشبابيكِه الضيقةِ، ويوجدُ بابٌ مقوَّسٌ من جهةِ الشمالِ، وأربعةٌ عقودٍ متقاطعةٍ؛ يتوسَّطها عمودٌ دائريٌّ مزَخرَفٌ، وفي جدارِه الجنوبي محرابٌ بُنيَ بعنايةٍ فائقةٍ، يعلوهُ قَوسٌ، وقد تَهدّمتْ زاويةُ المبنى الشرقيةُ الشماليةُ، وظهرتْ لنا آثارُ حفرياتٍ في أرضيتِه من قِبلِ لصوصِ الآثارِ، بينما غطّتْ سقفَه الأعشابُ الخضراءُ، والأشجارُ تحيطُ به من كلِّ مكانٍ، حيثُ شجرِ الزيتونِ الرومي، والصبرِ، والرمانِ. غادَرْنا المكانَ ونحن نحسُّ بألمٍ وحسرةٍ على ما آلَتْ إليه الخِربةُ؛ بعدَ التقاطِ الصوَرِ التذكاريةِ والتوثيقية .

جبلُ ” الميادينِ ” بينَ قريتَي ” الزاوية ” و ” رافــات “، التي تتميّزُ بوجودِ جبلِ “عرارة ” الأثري أيضًا ، وقيلَ لنا إنه يحوي على بركانٍ قديمٍ حصلَ قبلَ ملايينِ السنين، خرجتْ منهُ حِمَمٌ بُركانيةٌ “لافا”، حيثُ شاهدْنا التربةَ والحجارةَ البركانيةَ السوداءَ المتناثرةَ في أنحاءِ الجبلِ، وواصلَ الفريقُ سيرَه بينَ الصخورِ؛ حتى وصلْنا إلى مغارةِ “كارستية” طبيعيةٍ مدهشةٍ موجودةٍ في باطنِ الجبلِ؛ تُعرفُ بـ ” إشقاق عرارة “؛ نمتْ في أرضيتِها العميقةِ شجرةُ تينٍ بريّةٌ، وعلى جدرانِها نمتْ نباتاتُ الزعمطوط، واللوف، إضافةً إلى كُزبرةِ البئرِ؛ وهي نوعٌ من السرخسياتِ التي تنمو بالقربِ من الينابيعِ وعيونِ المياهِ .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى