Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

مرآتي

لِشراد تلتين المراجل …

كانت جدتي رحمها الله تقول هذا المثل كل مرة كان أحد ما يذمّ انسحاباً، أو يعيب تراجعاً، لتؤكد على أن ذلك ليس جُبناً أو “همالة” بمصطلحها، بل أحياناً يكون الجزء الأكبر من الشجاعة، ولو أنها أحياناً كانت تقول المثل من باب المزاح والاستهزاء أحياناً، إلا أنه يمثل قاعدة هامة في الحياة ملخصها أن الانسحاب قرار لا يقل أهمية عن الإقدام، وأن الشجاعة قد تكمن في التراجع، لأن مثل هذه القرارات تصبح في مرحلة ما قرابة ثلثي الجرأة.

كلمات مرصوصة …

أصبح العالم يضجّ بالكتاب، وأضحت الصفحات تعجّ بالأقلام، وتمرّ علينا في يومنا الواحد عشرات الأسماء الجديدة التي توصف بـ”اللامعة” في فنون الكتابة، ولكن العلاقة بين هذا الاطراد في عدد الكتاب، وبين جودة الكتابة عكسية!

لن أتحدث عن الضعف العام في اللغة العربية الذي يضرب في كل مكان، ويظهر على ألسنة وحروف حتى المتخصصين أحياناً، ولا عن ضحالة الثقافة اللغوية أو الحصيلة اللفظية، ولا الأخطاء التركيبية والنحوية، فالمجال لا يتسع لذكرها، لكن الظاهرة الأبرز هي تراصّ الكلمات مع فراغ المضمون، نقرأ قطعاً كثيرة ولا نكاد نفهم منها شيئاً، كلمات مرصوصة ليس فيها إلا الألفاظ، وعبارات منمقة الشكل فارغة المعنى، وكلما كان الكلام مبهماً كان أدل على رفعة ومكانة كاتبه، وعمق تفكيره، لكن المحصلة النهائية شيء لا يمكننا -ولا يمكن للكاتب- تفسيره!

الظاهرة لا تقتصر على الهواة الجدد، الذين يلقون كتاباتهم هنا هناك على صفحاتهم الشخصية، بل تعدتها كثيراً لتصل المؤلفات، والروايات، والكثير من الأحاديث المتخصصة لأشخاص معروفين أو ذوي درجات علمية عالية.

وهكذا تمتلئ الصفحات والمكتبات بنشاط كتابي “محمود”، لا ينفع سوى في تعبئة السطور، ورفوف المكتبات..

شفافية …

في فكاهة هاربة وسط يوم عمل مشغول، عرضت صديقتي صورة لتصميم وهمي يظهر فيه حمام مصنوع بالكامل من الزجاج، مصحوباً بتعليق مضحك “الشفافية في أفضل صورها”، استطاعت الصورة أن تضحكنا وتخرجنا من جو الضغط لدقيقة، لكن الفكرة كانت صحيحة تماماً؛ فأحياناً الوضوح التام يكون مذموماً، والانكشاف في بعض المواقف هو آخر ما تحتاجه، وفي حياتنا يجب أن تكون هناك حدود واضحة بين ما يظهر وما يختفي، وهناك فرق كبير بين الوضوح والشيوع، وبين الشفافية والانفضاح، مهما بلغت درجة القرب بيننا وبين الآخرين، هناك خط فاصل عند نقطة معينة لا يجب على أحد تجاوزها، هناك أودية ودهاليز في أعماق النفس وخبايا العقل، لا ينبغي أن يصلوا إليها، ففي كل كيان بشري عالم من الصراع والنزاع، الشك والتردد، الخوف والانهيار، ومحاولات لا تنتهي للتحسين والتغيير، هذا العالم ليس مكانه النور، وليس مقدراً له الظهور للعلن، لأنه إن حدث ذلك ذابت الشخصية في بحر الناس، وانكشفت مواطن ضعفها لكل من أراد إصابتها في مقتل، فالشفافية أحياناً ضرورة، وأحياناً مَهلَكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى