Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

ما نريدُه وما نحتاجُه

لعلّنا مع هذا التطورِ، وهذا الغزوِ الاستهلاكي الذي هجمَ علينا من وسائلِ التواصلِ، التي جعلتْ البضائعَ تصِلُنا ونحن ننام في سريرِنا، قد أصبحنا لا نفرقُ بين ما نحتاجُه وما نريدُه.

موظفٌ يشتكي بعدَ تزويجِ ابنِه من تكاليفِ الزواجِ التي وصلتْ عشرةَ آلافِ دولارٍ غيرِ المَهرِ والبيتِ وتأثيثِه، وأحيانًا يدفعُه الأمرُ للاستدانةِ، وإذا تأمَّلنا قائمةَ المطلوباتِ في الزفافِ؛ نَجِدُها أشياءً كثيرةً مُبالَغٌ فيها، ولا ضرورةَ لها، قرَّرْنا أنْ نوافقَ عليها؛ بعدَ أنْ دخلْنا في سباقِ التباهي و “المَنظرة “، ثُم فُرضتْ علينا هذه الأشياءُ كعادةٍ في كلِّ عُرسٍ.

تأمَّلْ نفسَكَ، واسألْها عن كلِّ الأشياءِ التي تمتلِكُها، ما هو الذي تحتاجُ إليه؟ وما هو الذي تريدُه ؟  ستَجِدُ أنَّ (50 %) من القائمةِ لا أهميةَ لها !

نحن يا عزيزي، نعيشُ نمَطَ حياةٍ يُفرَضُ علينا أحيانًا، لأنَّ مَن حولَنا يريدونَها كذلكَ، فالإنسانُ ابنُ البيئةِ التي يعيشُ فيها، وهو تلقائيًّا يقلِّدُ من يعيشونَ معه في هذه البيئةِ، في طريقةِ حياتِهم، لباسِهم، طعامِهم، رفاهَتِهم، ومستوى المعيشةِ، وهو يريدُ أنْ يجاريَهم فيَجِدَ نفسَه في النهايةِ ” إيد ورا، وإيد قدام”؛ لأنه لا يمتلكُ الميزانيةَ الكافيةَ لمواكبةِ هذا السباقِ في المَظاهرِ.

تأمّلْ مجتمعَ الخِيامِ، اسألْ لاجئًا سوريًّا على الحدودِ الآنَ في هذا البردِ، ماذا تريدُ؟ سيقولُ لكَ تلقائيًّا: أحتاجُ حطبًا، ملابسَ، أغطيةً للدِّفءِ، وطعامًا لنأكلَ، هو لا يريدُ نجفةً لِيعلِّقَها في السقفِ، ولا يريدُ أنْ يغيّرَ الأريكةَ في الشرفةِ؛ لأنها ليستْ على الموضةِ.  وفي الحديث:” (مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا).

والحقيقةُ فإنّ فكرةَ التخلّي ليستْ بالهيِّنةِ، فأنا أدخلُ حربًا طاحنةً مع أبنائي أحيانًا؛ لتعليمِهم الزهدَ في مَلذَّاتِ الحياةِ؛ لأننا ببساطةٍ لا نستطيعُ أنْ نواكِبَ كميةَ المطاعمِ التي يرونَ أنّ علينا أنْ نُجرِّبَها، ولا كميةَ الملابسِ التي يجبُ أنْ نشتريَها لِنكونَ “على الموضةِ” ، ولا الأثاثَ والتُّحَفَ التي يجبُ أنْ تزيِّنَ زوايا البيتِ، فأُذعِنُ وأغيِّرُ وأُبدِّلُ وأمشي كما تريدُ البيئةُ المحيطةُ بي،  ثُم أخافُ، لأنّ كلَّ مالٍ صرفتُه سأُسأَلُ عنه كما قال اللهُ تعالى:” (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ).

أحيانًا أنجحُ في معركةِ التخلّي، وأسحبُ – قبلَ أنْ أضاعِفَ-  المبلغَ الذي قرّرتُ أنْ اشتريَ به شيئًا ” لا أحتاجُه” وأدفعَه لعائلةٍ لا تَجِدُ قوتَ يومِها، وأفرحَ كثيرًا، فرحتي بالعطاءِ أكثرَ من الأخذِ.

لعلَّ كلماتي هذه تساعدُني وتساعدُكم على أنْ نضعَ فكرةَ التخلّي، ونجعلَ سؤالَ” هل أحتاجُه” حاضرًا دائمًا في كلِّ مُعاملاتِنا الماليةِ، سنَجِدُ أننا ادَّخَرْنا كثيرًا من المالِ، لوقتٍ سيأتي حتمًا، لِندفعَه فيما نحتاجُه حقيقةً .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى