في بيتِنا مُراهقٌ … رسالةٌ إلى الآباءِ والأمهاتِ
يتساءلُ الكثيرُ من المُقبِلينَ على الزواجِ؛ هل هم مُناسِبونَ أنْ يصبِحوا آباءً وأُمَّهاتٍ؟ وهل أصبحَ لَدَيهم من الاستقرارِ ما يُعطي أبناءَهم الشعورَ بالأمانِ تحتَ مختلفِ الظروفِ؟
المعلومُ أنّ تربيةَ الطفلِ تبدأُ من العامِ الثاني له؛ حيثُ يبدأُ بالتحرُّكِ، ويستقبلُ من المحيطِ سلوكياتٍ رُبَما تكونُ مُنفصِلةً عن الأمِّ، ويحرصُ الطفلُ على حُبِّ والدَيهِ ورضاهم عنه، فمُعاملةُ الوالدَينِ وسلوكُهما؛ هي نموذجٌ لِما يُربِّيانِ طفلَهما عليه، وهو يتعلّمُ بالقدوةِ والنموذجِ الحيِّ للسلوكياتِ والتصرّفاتِ؛ ولكنْ أحيانًا يتركُ بعضُ الآباءِ مسؤوليةَ التربيةِ للأمِّ وحدَها، ويكتفي الأبُ بِدَورِه في العملِ و جمعِ المالِ لتوفيرِ عيشةٍ كريمةٍ للأبناءِ؛ وهو ما يُسمِّيهِ الأبناءُ بأنه مُجرَدُ أبٍ مُمَوِّلٍ!
هذا الأبُ ليس له مكانٌ لدَى الأطفالِ؛ بل يتجنَّبُه الطفلُ، ويلجأُ إلى الأمِّ في كلِّ أمورِه، ومع استمرارِ هذه الحالِ يَفقدُ الابنُ صورةَ الأبِ الذي يُمكِنُ أنْ يكونَ سُلطةً حازمةً في وقتٍ ما .
ما دَفعَني للحديثِ عن هذا الأمرِ؛ هو اتِّصالٌ جاءني من بعضِ الآباءِ المُتخصِّصينَ في المجالِ التربوي؛ يشكو من تصرّفاتِ ابنه المراهقِ، والذي لا يستطيعُ _حسبَ قولِه_ أنْ يتعاملَ معه هو ووالدتُه! وأنّ هذا الشابَّ أصبحَ سريعَ الغضبِ، كثيرَ الخروجِ، يقضي معظمَ وقتِه مع الهاتفِ، لا يهتمُّ بِدُروسِه، لا يُلَبي طلباتِ الأسرةِ ، ويمارسُ العنفَ تُجاهَ إخوانِه الأصغرِ سِنًّا، الانفعالُ بلا سببٍ، عداءُ الأبِ، الارتباطُ الشديدُ بالأصدقاءِ. كان الأبُ يتحدّثُ بحَسرةٍ شديدةٍ؛ وكأنّه يوحي بأنّ ابنَه ضاعَ منه، وأنه استنفذَ كلَّ الطرُقِ معه من أجلِ الوصولِ إلى الحلِّ هو ووالدتُه؛ ولكنّ كلَّ الوسائلِ باءتْ بالفشلِ؛ وأصبحَ الشابُّ أكثرَ بُعدًا عنهم، ولا يرغبُ حتى في مناقشتِهم أوِ استقبالِ نصائحِهم .
لهذا السببِ رأيتُ أنْ يكونَ الجزءُ المُخصَّصُ لزاويةِ “بيوتٌ منوّرةٌ” لهذا الشهرِ؛ هو التحدّثُ عن هذه المشكلةِ، وكيف يُمكِنُ التعاملُ معها؟ لإعطاءِ بعضِ النصائحِ للأزواجِ من مُنطلَقِ أنَّ الحياةَ بينَ الأزواجِ قائمةٌ على التفاهمِ؛ ولن يَحدُثَ التفاهمُ والتوافقُ والمحبةُ في الأسرةِ؛ في ظِلِّ وجودِ مشاكلَ مع الأبناءِ؛ لأنّ الحلقةَ الأسريةَ هي حلقةٌ متكاملةٌ.
بالتأكيدِ ناقشتُ الأبَ، واستعرضتُ وإياهُ جميعَ التصرفاتِ التي يقومُ بها ابنُه المراهقُ؛ وفي المقابلِ ناقشْنا الكثيرَ من الخطواتِ التي رُبَما تؤدّي إلى حلِّ الخلافِ، وما أفرَحَني أنَّ الأبَ اعترفَ أنه يمارسُ هو وزوجتُه بعضَ الضغوطاتِ على الأبناءِ؛ دَونَ قصدٍ أو دونَ درايةٍ بمعرفةِ آثارِها النفسيةِ على سلوكِ المراهقينَ؛ خصوصًا في ظِلِّ المتغيراتِ والانفتاحِ الشديدِ الذي يعيشُه المجتمعُ بشكلٍ عام؛ وانتهَى الحديثُ بوَضعِ العديدِ من الخطواتِ التي يمكنُ السيرُ بها مع الابنِ مع المتابعةِ والتقييمِ من قِبلِ الأبِ والأمِّ، واستمرارِ الاستشارةِ معي حتى الوصولِ إلى أفضلِ الحلولِ؛ لِذا فإنني أَعلَمُ أنَّ المُراهَقةَ لا تَصِلُ عندَ وصولِ المراهقِ إليها؛ والتي تتمثّلُ بالنموِّ الجسمانيّ والعقليّ والمَعرفيّ، والتغيُّرِ الجنسيّ؛ وإنما يجبُ التخطيطُ للتعاملِ مع المراهقينَ من “أولادٍ وبناتٍ” قبلَ الوصولِ إلي هذا السنِّ، أي منذُ بدايةِ مرحلةِ الطفولةِ؛ لأنّ جميعَ الوسائلِ التربويةِ التي يستخدمُها الآباءُ في مرحلةِ الطفولةِ هي بدايةٌ لتشكيلِ الشخصِ المراهقِ مستقبَلًا؛ خصوصًا عندما يضعُ الآباءُ والأمهاتُ الكثيرَ من الأُسسِ التي تساهمُ في تشكيلِ شخصيةِ الابنِ؛ مع إعطاءِ بعضِ المسؤولياتِ، وبعضِ الاستقلالِ والتركيزِ على الوسائلِ الإيجابيةِ التي تُكسِبُ الاتجاهاتِ والسلوكياتِ والقِيَمَ التربويةَ السليمةَ .
مُهِمٌّ جدًّا أنْ تكونَ تربيةُ الأبناءِ قائمةً على الشراكةِ بينَ الأبِ والأمِّ؛ لذلكَ دائمًا أُردِّدُ وأُوصي الآباءَ والأمهاتِ بعبارةِ سيدِنا “عمرَ بنِ الخطابِ” الذي قال: “لاعِبْ ابنَكَ سبعًا، وأدِّبْهُ سبعًا، وآخِهِ سبعًا، ثُم ألقِ حَبلَه على غارِبِه” ؛ لأنّ فيها مُلَخَصًا للتربيةِ الصحيحةِ والسليمةِ .