
السعادة
في انطلاقتِها الخامسةِ والثلاثينَ، تضعُ حماس قدمَيها بثباتٍ على أرضِ فلسطينَ كاملةً في كلِّ الساحاتِ؛ بعدَ أنْ نجحتْ في بناءِ إرثِ المقاومةِ المُمتدِّ من شوارعِ غزةَ إلى حارةِ الياسَمينِ، وشوارعَ جنين، ورام الله، وسلفيت، والقدسِ المحتلةِ، هذا الثباتُ لأنها تدركُ أنها حارسةُ كلِّ الساحاتِ، وأنها أملُ قادةِ السجونِ في ورقتِها الرابحةِ التي تُلوِّحُ بها منذُ بدءِ العامِ، في حينٍ تَخشَى كلُّ حكوماتِ ” الاحتلالِ المتعاقبةِ” فشلَها في دفعِ الثمنِ الباهظِ الذي دفعتْهُ إبَّانَ صفقةِ شاليط.
حماس تُلوِّحُ بأوراقِها الأربعةِ المتمثِلةِ بالجنودِ الموجودينَ في حَوزتِها؛ بأنها هذه المرّةَ لن تلعبَ إلّا ” هاند ريمي” كاملًا بمَطالبِها كاملةً، وبالأسماءِ التي تريدُها في الصفقةِ؛ ودونَ ذلكَ ستقومُ (بمَلدَنةِ) بإلغاءِ اللعبةِ في كلِّ مرّةٍ قد لا تَصِلُ فيها الى ما تريدُ.
أربعةُ أسرى
تحتفظُ (حماس) بـ (4) أسرى إسرائيليينَ؛ بينَهم جنديانِ أُسِرا خلالَ الحربِ على قطاعِ غزةَ صيفَ عامِ (2014)؛ أمّا الآخَرانِ فقدْ دخلا القطاعَ في ظروفٍ غيرِ واضحةٍ، منهم “شاؤول آرون” المولودُ في (27) ديسمبر/كانون الأول (1993)، ومُقيمٌ في مستوطنةِ “بوريا” في منطقةِ الناصرةِ، وعملَ في لواءِ النخبةِ على الحدودِ مع قطاعِ غزةَ، وتمَّ أسرُهُ في عمليةٍ ضدِّ الجيشِ الإسرائيليّ شرقيَّ حيِّ التفاحِ (شرقي غزة)، في (20 يوليو/تموز 2014)؛ وأسفرتْ هذه العمليةُ عن مقتلِ (14) جنديًّا إسرائيليًّا.
لم تُعلنْ إسرائيلُ عن أسرِ (شاؤول آرون) إلّا عقبَ إعلانِ كتائبِ القسّامِ عن ذلكِ في شريطٍ بثَّهُ الناطقُ باسمِها (أبو عبيدة)، ونشرَ رقمَه العسكري، وتقولُ إسرائيلُ إنَّ (آرون) قُتلَ؛ لكنّ عائلتَه ترفضُ قبولَ هذه الروايةِ.
أما (هدار غولدن) المولودُ في (18 فبراير/شباط 1991)، يحملُ رُتبةَ “ملازم ثان”، بلواءِ “جفعاتي” في الجيشِ الإسرائيلي، وهو من أقرباءِ وزيرِ الجيشِ الإسرائيليّ السابقِ (موشي يعلون)، وقد أسرَتْهُ حماسٌ في منطقةِ رفح (جنوبيَّ قطاعِ غزةَ) في الأولِ من أغسطس/آب (2014)، ولم تُعلنْ حركةُ حماس اختطافَه فورًا؛ لكنّها عادتْ واعترفتْ بمسؤوليتِها عن ذلكَ عقبَ انتهاءِ الحربِ.
في حينٍ وُلد (أفيرا منغستو) في إثيوبيا بتاريخ (22 أغسطس/آب 1986)، هاجرتْ عائلتُه إلى إسرائيلَ وهو في عمرِ (5) سنواتٍ، وأقامت في مدينةِ عسقلان، اجتازَ (منغستو) السياجَ الفاصلَ بينَ إسرائيلَ وشماليَّ قطاعِ غزةَ في السابعِ من سبتمبر/أيلول (2014)، ومنذُ ذلكَ الحينِ اختفتْ آثارُه، وتقولُ عائلتُه إنه مضطَّربٌ نفسيًّا، وتم تسريحُه في مارس/آذار (2013) من الخدمةِ العسكريةِ لهذا السببِ.
أمّا (هشام السيد) يحملُ الجنسيةَ الإسرائيليةَ، من قريةِ الحورة بالنقب، دخلَ قطاعَ غزةَ في (20 أبريل/نيسان 2015)، عبرَ ثغرةٍ في السياجِ الفاصلِ بينَ إسرائيلَ وشماليَّ القطاعِ، دونَ أنْ يُعرفَ شيءٌ عن مصيرِه، وتطوّعَ للخدمةِ بالجيشِ الإسرائيلي في (أغسطس/آب 2008)؛ ولكنْ تمَّ تسريحُه في (نوفمبر/تشرين الثاني 2008)؛ لأنه غيرُ مناسبٍ للخدمة.
ثمنٌ باهظٌ
ويُستدَلُّ من الإحصاءاتِ الرسميةِ الصادرةِ عن الجيشِ الإسرائيلي، أنّ حكوماتِ إسرائيلَ المتعاقبةَ أجْرَتْ نحوَ (10) صفقاتِ تبادُلِ أسرى بين الأعوامِ (1978 و2011)؛ تحرّرَ خلالَها آلافُ الأسرى الفلسطينيينَ واللبنانيينَ والعربِ من السجونِ الإسرائيليةِ؛ مقابلَ جنودٍ وأفرادٍ إسرائيليينَ؛ وقَعوا في أسرِ المقاومةِ الفلسطينيةِ واللبنانية.
المؤسَّسةُ الإسرائيليةُ مُتوَجِّسةٌ من سيناريو قادمٍ؛ تكونُ مضطَّرةً فيه إلى دفعِ ثمنٍ “باهظ” مقابلَ الإفراجِ عن مَدنيَّينَ اثنينِ تَعدُّهما على قيدِ الحياةِ، وجنديَّينِ تَعدُّهما في عدادِ القتلى، فتجربةُ “شاليط” والثمنُ الباهظُ الذي دفعتْهُ “تلَّ أبيب” مقابلَ تحريرِه من قبضةِ “كتائبِ الشهيدِ عزِّ الدِّينِ القسَّام”، أصبحتْ مَثارَ جدلٍ في المستوَيَّينِ “السياسي والأمني” بإسرائيلَ.
وطالَ هذا الجدلُ هُويةَ الأسيرِ؛ وإذا ما كان جنديًّا أو مدَنيًّا، وكذلكَ الفرقَ بينَ الأسرى الأحياءِ، وجُثثِ الأسرى القتلى؛
وهو ما يؤكّد عدمَ وجودِ أيِّ إطارٍ مَرجعيّ أو قانونيّ للحكوماتِ المتعاقبةِ؛ يُمكِنُ اعتمادُه في صفقاتِ التبادلِ التي تخضعُ بالأساسِ لاعتباراتٍ سياسيةٍ، ولأولَويّاتِ الحكومةِ وقادةِ الأجهزةِ الأمنيةِ الإسرائيليةِ، حسبَ تقديرِ “معهدِ أبحاثِ الأمنِ القومي” التابعِ لجامعةِ تلَّ أبيب.
ووسطَ السجالِ حولَ “أثمانِ الصفقاتِ”، وتداعياتِها الأمنيةِ والاجتماعيةِ والسياسيةِ على المجتمعِ اليهوديّ وتركيبتِه وتكوينِه؛ بادرتْ أحزابٌ يمينيةٌ إسرائيليةٌ إلى محاولةِ تشريعِ قانونِ “الأسرى والمفقودين”؛ لكنْ دونَ أنْ تنجحَ في المصادقةِ عليه بالقراءاتِ الثلاثِ داخلَ الكنيست.
يؤكّدُ “سعيد بشارات”، رئيسُ تحريرِ شبكةِ الهدهدِ للشؤونِ الإسرائيليةِ، أنّ صفقاتِ تبادلِ الأسرى من أهمِّ أدواتِ النضالِ الفلسطيني ضدَّ الاحتلالِ، وهي صفقاتٌ تُظهِرُ ضعفَ الاحتلالِ الإسرائيليّ، والقدرةَ على ابتزازِه عبرَ نقطةِ ضعفِه (ومنها العنصر البشري)، والخروجَ بإنجازٍ فلسطينيّ يؤثّرُ على المعنوياتِ الفلسطينيةِ إيجابيًّا.
ورقةٌ رابحةٌ
ويضيفُ: “إنّ أهميةَ هذه الصفقاتِ تكمُنُ في تجديدِ روحِ للنضالِ الوطني الفلسطيني، وإعطاءِ دفعةٍ لتطويرِ المقاومةِ الفلسطينيةِ، فضلاً عن أهميتِها في إنقاذِ حياةِ المقاوِمينَ، كما أنها تُشكِّلُ انتصارًا معنويًّا وسياسيًّا وأمنيًّا على الاحتلالِ الإسرائيلي”، ضاربًا مثلًا بصفقةِ “شاليط” المُسمَّاةِ “وفاءُ الأحرارِ”، التي يَعدُّها أضخمَ الصفقاتِ بينَ المقاومةِ الفلسطينيةِ والاحتلالِ الإسرائيلي؛ بالنظرِ إلى أنها جاءت في توقيتٍ غيرِ مناسبٍ للاحتلالِ: “لقد مثَّلتْ صفقةُ “شاليط” بدايةَ مرحلةٍ جديدةٍ في النضالِ الفلسطيني، فقد كانت الصفقةُ مؤلِمةً للاحتلالِـ، وبُنِيتْ عليها الآنَ مُماطلةُ الاحتلالِ في تنفيذِ صفقةٍ جديدةٍ، حيثُ يجري تأخيرُ هذه الصفقةِ الآنَ؛ لتفادي ما تَعدُّه إسرائيلُ “إذلالاّ ومَهانةً” لها في الصفقةِ السابقةِ.
ويتابعُ: إن الاحتلالَ بات متشدِّدًا بشأنِ الصفقةِ المتوقَعةِ، المُسمَّاةِ “وفاءُ الأحرارِ 2″، بسببِ النتائجِ السياسيةِ المرتبطةِ بالصفقةِ الأولى؛ ولكنْ في ظِلِّ الموقفِ الضعيفِ “لتلَّ أبيب” المُطالِبةِ بالعملِ للإفراجِ عن أسراها بأيِّ ثمنٍ أمامَ الرأيِ العام الإسرائيلي.
أمّا حماسُ تَجدُ نفسَها اليومَ أمامَ سلاحٍ قويٍّ في مواجهةِ الاحتلالِ وسياساتِه، إلى جانبِ صواريخِها ومقاتليها؛ وهو سلاحٌ تستطيعُ استخدامَه باستمرارٍ للضغطٍ، كما أنَّ الردَّ على عملياتِ الأَسرِ بالعملياتِ العسكريةِ الإسرائيليةِ، الذي ثبتَ فَشلُه في تحريرِ “شاليط”، يشجّعُ المقاومةَ على استخدامِ هذا السلاحِ، وتكثيفِ الضغطِ على الاحتلالِ؛ ما يزيدُ من فُرَصِ إطلاقِ الأسرَى المُهِمّينَ، الذين يكونُ بعضُهم أحيانًا محوريًّا لقيادةِ المقاومةِ والعملِ السياسي.