
السعادة
لا يهدأُ حديثُ النشطاءِ في قطاعِ غزةَ عن حوادثِ العالمِ المحيطِ عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، فكيف ستَهدأُ والحديثُ يدورُ حولَ الكرةِ المحببةِ؛ “كرةُ القدمِ وكأسُ العالمِ”؛ والتي تقامُ بطولتُها هذه المرّةَ في الدولةِ الأكثرِ إنصافًا لغزةَ ، فَلِقَطر في قلبِ وعقلِ الفلسطينيِّينَ والغزيّيِنَ على وجهِ التحديدِ “حُبٌّ” منقطعُ النظيرِ، ومكانةٌ تجعلُ قطرَ في قلبِ فلسطينَ ، وفلسطينَ في قلبِ قطر.
حظيَ حفلُ افتتاحِ كأسِ العالمِ في قطر(2022) باهتمامٍ واسعٍ عبرَ منصّاتِ التواصلِ وغلَبَ على الحفلِ -الذي استمرَّ لنحوِ (30) دقيقةً- التراثُ الخليجيُّ والعربيُّ، بحفلِ افتتاحٍ احتضَنَه ملعبُ البيتِ في مدينةِ الخور (شمالَ الدوحةِ)، وشهدَ العديدَ من الدلالاتِ الرمزيةِ عن الترحيبِ والكرمِ والضيافةِ في الثقافةِ العربيةِ، إلى جانبِ العروضِ الموسيقيةِ والثقافيةِ والبصريةِ المعاصِرةِ، التي تُستخدَمُ لأولِ مرّةٍ في تاريخِ البطولةِ؛ في رسالةٍ لدعوةِ العالمِ لِلِّقاءِ والتوَحُّدِ كقبيلةٍ واحدةٍ في ظِلِّ خيمةٍ “تمثِّلُ الأرضَ”.
فقراتُ الحفلِ قُسمتْ إلى (7) لوحاتٍ تصويريةٍ؛ دمجتْ بينَ الثقافتَينِ القَطريةِ والعالميةِ، ودارتْ معظمُها حولَ ثقافةِ البلادِ وقِيَمِها، وأهميةِ احترامِ الآخَرِ، وضرورةِ تغييرِ الصورةِ النمطيةِ المغلوطةِ عن الوطنِ العربي، والتي يمكنُ تصحيحُها عن طريقِ الحوارِ، الذي تدعو إليه قطرُ في سياساتِها دائمًا.
وأبدَى نشطاءُ “السوشيال ميديا” إعجابَهم الشدِيِّ بلَقطةِ البدايةِ، والاستشهادِ بآياتٍ من القرآنِ الكريمِ، والتي تدعو إلى قَبولِ الاختلافِ والتنوُّعِ بين البشرِ، في إطارٍ من السلامِ، والمحبةِ، وامتدّتْ الإشادةُ إلى تقديمِ الممثلِ الأميركيّ “مورغان فريمان” برفقةِ الشابِّ القطريِّ “غانم المفتاح”، إلى جانبِ المعلّقةِ الصوتيةِ المصاحِبةِ لحفلِ الافتتاحِ، مُشيرينَ إلى حُسنِ اختيارِ الكلماتِ والتعبيراتِ.
ومونديال قطر(2022) أوَّلُ بطولةٍ عالميّةٍ تُقامُ في دولةٍ مسلمةٍ في الشرقِ الأوسطِ؛ ما يجعلُها مُحاطةً بالكثيرِ من الجدلِ في عددٍ من القضايا، منذُ الإعلانِ عن استضافةِ الدّوحةِ؛ لتكونَ هي الأكثرَ إثارةً للجَدلِ في تاريخِ المسابقةِ؛ إذْ أثارتْ عدّةَ قضايا الجَدلِ بينَ الكثيرينَ في قطاعاتٍ عدّة، لا القطاعَ الرياضيَّ فقط؛ وهو ما دعا رئيسَ الاتحادِ الدولي لكرةِ القدمِ (فيفا) جياني إنفانتينو إلى مطالبةِ اللاعبينَ في المسابقةِ “بالتركيزِ على كرةِ القدمِ” فقط.
ولا تزالُ نسخةُ كأسِ العالمِ لكرةِ القدمِ مُحاصَرةً بالكثيرِ من الانتقاداتِ منذُ إعلانِ الفوزِ باستضافتِها في عامِ (2010) بمَزاعِمَ أنّ هناك فسادًا شابَ عمليةَ الاختيارِ؛ ما زالَ قائمًا حتى اللحظةِ! وقد نفَتْ “قطرُ” منذُ سنواتٍ جُملةً وتفصيلاً. الجدَلُ أيضًا طالَ مرحلةَ التنظيمِ؛ بعدَ أنْ نشرتْ صحيفةُ “الغارديان” البريطانيةُ تقريرًا أشارتْ إلى وفاةِ (6500) شخصٍ من العمالةِ الأجنبيةِ أثناءَ بناءِ وتجهيزِ الملاعبِ والمَرافقِ الرياضيةِ في “قطر” استعدادًا للبطولةِ، وأكّدتْ الدوحةُ أنّ تلكَ المزاعمَ مُضلِّلةٌ، و أنّ الوفياتِ المسجلةَ ليست جميعُها لأشخاصٍ يعملونَ في مشاريعَ متعلّقةٍ بكأسِ العالمِ، فسجلّاتُ الحوادثِ تُظهرُ أنّ هناكَ (37) حالةَ وفاةٍ بين العمالِ في مواقعِ بناءِ ملاعبِ كأسِ العالمِ بينَ عامَي ( 2014 و2020)، ثلاثةً منها فقط كانت “مرتبطةً بالعملِ”.
وطالبتْ منظماتُ “برايد” المدافعةُ عن حقوقِ مجتمعِ الميمِ والحاناتِ والأماكنِ العامةِ بمقاطعةِ مبارياتِ كأسِ العالمِ، وعدمِ عرضِ المبارياتِ.. وتَوالتْ الدعواتُ للاعبينَ على استخدامِ نفوذِهم للتحدثِ عن القضايا الجدليةِ في البلدِ الخليجي، كما أعلنتْ الجهاتُ المنظِمةُ _قبلَ يومينِ فقط من انطلاقِ البطولةِ_ منْعَ بيعِ المشروباتِ الكحوليةِ في ملاعبِ كرةِ القدمِ الثمانيةِ، التي تشهدُ مبارياتِ كأسِ العالمِ (2022).
بمَعاييرَ عديدةٍ ووازِنةٍ، مونديالُ قطر (2022) نسخةٌ مميَّزةٌ واستثنائيةٌ، انطلقتْ كظاهرةٍ رياضيةٍ هي الأهمُّ والأضخمُ في المعمورةِ؛ لتَخطفَ الأبصارَ، وتملأَ الأسماعَ؛ ليس فقط بمنافساتِها الدوليةِ الممتعةِ؛ وإنما كذلك بمستوى التجهيزاتِ ونوعيةِ الملاعبِ، والبِنيةِ التحتيةِ التي تُعَدُّ من الأفضلِ عالميًّا ، في مراوَحةٍ مميّزةٍ بين الشكلِ والمضمونِ، يميّزُها التنوُّعُ الإنساني، والاستقبالُ القطري الذي يُجَسِّدُ الضيافةَ العربيةَ والأصالةَ الإسلاميةَ؛ لتُثبِتَ للعالمِ أنّ حدودَه لا تنتهي عندَ الغربِ.
كما أثبتتْ أنّ النجاحَ في إنجازِ المواسمِ الرياضيةِ الكبرى، ليس حِكرًا على فئةٍ من البشرِ دونَ أخرى؛ وفي ذلكَ استثمارٌ يتجاوزُ دولةَ قطر إلى منطقةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ؛ تكافحُ لتغييرِ الصورةِ النمطيةِ التي يرادُ لها أنْ تبقَى أسيرةً فيها.
تحليلُ الخبراءِ الرياضيينَ؛ إنّ “قطر” حقّقتْ إنجازًا مُنقطعَ النظيرِ؛ لكونِها ثانيَ دولةٍ في قارةِ آسيا؛ تستضيفُ كأسَ العالمِ، كما تمّتْ الإشادةُ بفَرضِ قطر لقِيَمِها الإسلاميةِ؛ خاصةً من خلالِ منعِها بيعَ الخمورِ في محيطِ الملاعبِ، والثباتِ على موقفِها بشأنِ المِثلِيينَ، كما انبهرَ السياحُ بالأسواقِ التجاريةِ في قطر، التي تعملُ على تصحيحِ الصورةِ النمطيةِ السلبيةِ عنها وعن الإسلامِ.
حديثُ “السوشيال ميديا” _منذُ بدأ الكأس في 20/ نوفمبر_ قائمٌ حولَ سرِّ العداءِ الغربيّ للعربيّ، فمنذُ (12) عامًا يعتقدُ الغربُ بكلِّ تصنيفاتِه الإعلاميةِ والاقتصاديةِ والكرويةِ أنّ قطرَ ستَفشلُ في تنظيمِ كأسِ العالمِ، ولكنّها كسرتْ نظرةَ الاستعلاءِ للغربِ، وقدّمتْ النسخةَ الأفضلَ من الكأسِ، فيما يسألُ البعضُ عن ماهيّةِ العائدِ الحضاري من تنظيمِ هذه التظاهرةِ الرياضيةِ؛ خاصةً وأنَّ قطرَ أنفقتْ _بحسبِ الأرقامِ_ مبالغَ خياليةً؛ فيما يتعلقُ بالبِنَى التحيةِ الرياضيةِ تحديدًا ؛ لكنّ ردودَ قطر؛ “إنّ القادمَ مختلفٌ، وإنهم ملوكُ الرياضةِ والعولَمةِ، وإنّ أرضَ العربِ هي أرضُ الكرمِ والتواصلِ الحضاري”.