Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

في زمنِ المتناقضاتِ كُن قُدوةً

 

ظاهرةٌ أراها كلَّ يومٍ صباحًا؛ كوني أسكنُ في مربّعٍ لمدارسِ الذكورِ بمراحلَ مختلفةٍ ، وأشاهدُ جموعَ الطلابِ وهي متكدِّسةً على الطرُقاتِ بعدَ قرعِ أجراسِ الإنذارِ، وإغلاقِ الأبوابِ، وحرمانِ العديدينَ من الدخولِ، أو إسماعِهم سيلًا من الإهاناتِ والكلماتِ غيرِ اللائقةِ، أو معاقبتِهم بتنظيفِ ساحةِ المدرسةِ، أو الضربِ تارةً أخرى؛ لكنَّ الأسوأَ منعُهم من دخولِ المدرسةِ ، ليتسَكَّعوا في الأماكنِ القريبةِ، أو يتوَجّهوا إلى المناطقِ المحيطةِ بالبحرِ؛ حيثُ الخلوةُ والروقَانِ وصحبةُ السوءِ ؛ بينما وَليُّ الأمرِ مطمئنٌ أنّ ولدَه يتلقّى العلمَ وفي أيدٍ أمينةٍ؛ وهو في حقيقةِ الأمرِ تتجاذبُه أمواجُ الضياعِ معَ الرُّفقاءِ .

لستُ في هذا المقامِ مدافعًا عن سلوكِ عدمِ الانضباطِ؛ ولا أُطالبُ أنْ يُكافأَ الطالبُ على تأخُّرِه؛ لكنّ ظاهرةَ تكَدُّسِ الطلابِ خلفَ الأسوارِ في مداخلِ المدارسِ، وخوفَهم من العقابِ، والبقاءَ بعيداً بحاجةٍ إلى متابعةٍ، وإيجادِ حلٍّ وفنٍّ للتعاملِ مع جيلٍ مختلفٍ؛ فقدَ المعلمُ فيه الجزرةَ؛ وتمسَّكَ بالعصا ، في زمنٍ لم يعُدْ فيهِ المعلّمَ قدوةً أو أنموذجًا يُحتذَى به، أو عنوانًا يطمحُ الطالبُ للوصولِ إليهِ أو التقرُّبِ منه .

في ظِلِّ كلِّ هذه التناقضاتِ والمتغيراتِ لجيلٍ مختلِفٍ عنكم وعن تربيتِكم؛ لدَيهِ ما يشتّتُ عقلَه، ويشغلُ فؤادَه ، جيلٍ سقفُ سعادتِه أعلَى بكثيرٍ وأصعبُ في واقعِ المتناقضاتِ؛ أنْ يُرَبَّى ويُتعاملَ معه كما كان يعامِلُكَ والدُك ، عقاربُ هذا الزمانِ أكثرُ سرعةً ، وأكثرُ جرأةً، ولا تنتظرُ.. بل والكُلُّ يلهثُ خلفَ تفاصيلِها؛ لِتَتَّسِعَ الفجوةُ بينَ الأجيالِ وتتَعاظمُ .

في الحقيقةِ، ظُلمٌ كبيرٌ وتجَنٍّ على الجيلِ مقارنتُه بالأجيالِ السابقةِ ، فهذا جيلٌ نشأَ في بيئةٍ زرقاءَ؛ قطعتْ التواصلَ الحقيقَ؛ لتكتفيَ برسالةٍ إلكترونيةٍ عبرَ مواقعِ تواصلٍ؛ لم يرَ فيها دفءَ العلاقاتِ ، بل اكتفى بكلماتٍ باردةٍ عبرَها ، ونطالبُه اليومَ أنْ يكونَ وَدودًا مُرهَفًا تُجاهَنا؛ ولم نكنْ يومًا ـنموذجَ موَدّةٍ له ، فلن تحصدوا قمحًا من بذورِ بصلٍ .

عهِدْنا المدرسةَ بيتَ تربيةٍ وعلمٍ وتقويمِ أخلاقٍ، وتعزيزِ سلوكٍ ، والمعلمُ بابُها وعنوانُها ، تفاصيلُها وجامعُ حروفِها، ومنسّقُ كلماتِها ، المعلمُ الأبُ والقدوةُ والصديقُ والناصحُ الأمينُ .

أَعلمُ ثِقلَ الأمانةِ في جيلِ المتناقضاتِ ، في زمنٍ بالكادِ تُديرُ تفاصيلَ حياتِك؛ بعدَ أنْ أرهقتْ الحياةُ كاهِلَكَ بتفاصيلِها المُمِلَّةِ ، لكنّ رسالتَك أسمَى وأرقَى، وأنتَ تقودُ جيلًا يُهيِّئُه اللهُ لمتناقضاتٍ قادمةٍ ، فكُلُّ مَن حولَنا متناقضاتٌ؛ وبحاجةٍ إلى جيلٍ متناقضٍ؛ يتماشَى معها، ويُحكِمُ أبجَدياتِها ، فلا تنظرْ إليه على أنه جيلٌ فاشلٌ ومتواضعُ القدراتِ؛ هو فقط يختلفُ معكَ وعنكَ، ولن يكونَ يومًا صورةً منكَ؛ يومَ أنْ كنتَ طالبًا، ولا ينبغي..، فمتطلباتُ الحياةِ القادمةِ هو أهلٌ لها .

المطلوبُ من معلّمينا أنْ يضيِّقوا الفجوةَ مع طلابِهم، ويتفَهموا تَبايُنَ الأجيالِ ، وضروراتِ المستقبلِ بوَعيٍّ وسِعةِ صدرٍ ، لتستعيدوا ثِقةَ الجيلِ بكم، وتظلوا عناوينَ ونبراسًا مضيئًا لهم .

عزيزي المعلم، أنتَ خيّالُ المرحلةِ، والخيلُ معقودٌ بِنَواصيها الخيرُ ، كلُّ الخيرِ بحضورِكم، ومتابعتِكم، وقربِكم من طلابِكم ، وحرِصكم على تقديمِ النصحِ والإرشادِ الدائمِ في كلِّ محطاتِ الحياةِ .

اجعلوا المدرسةَ مأوىً، وملاذًا آمِنًا لطلابِنا، ومحطّةَ حبٍّ وَوُدٍّ ، ودفءٍ ومودّةٍ، و تلقي لعلومٍ ومعرفةٍ ؛ ليبقَى المعلمُ أيقونةً وقيمةً وعنوانًا، كُنا ومازِلنا نقتدي به، ونقتفي أثرَه ونتبعُ خُطاهُ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى