عندما يكونُ الزوجُ أكثرَ حُبًّا وحنانًا؛ تكونُ الحياةُ أجملَ.
بما أني في رحلةٍ قصيرة لجمهوريةِ مصرَ العربيةِ؛ فإنني أوَدُّ أنْ أتحدّثَ عن ثقافةِ هذا الشعبِ في نشرِ الطِّيبةِ؛ كَصِفةٍ تخُصُّ عامةَ الشعبِ المصري في زاويةِ بيوتٍ منوِّرةٍ؛ ليس إلّا لسببِ الإقتداءِ بالأشياءِ الجميلةِ، ونقلِها والتعلّمِ منها .
في مكانِ وجودي أسمعُ هذه الجُملةَ بشكلٍ متكرِّرٍ يوميًّا؛ من رجلٍ تعدَّى العَقدَ الثامنَ من العمرِ؛ وهو يحدّثُ زوجتَه التي لا تَصغرُهُ بكثيرٍ: فَحوَى الجُملة كالتالي ” أنتِ عسل يا حبيبتي ، أنتِ أجملُ حاجة بحياتي، ربنا ما يحرمني منك ، أنا تعَّبتِك معايا”؛ هذه الجملةُ تتكرّرُ عشراتِ المراتِ في اليومِ؛ وعلى أبسطِ الأشياءِ؛ حتى لو كانت عبارةً عن توصيلِ زجاجةِ الماءِ له.
الحجة “ماريا”؛ لم تُنجِبْ أولادًا؛ وقد تزوّجتْ من العمِّ “حسين” الذي تعيشُ معه؛ ويقومانِ برعايةِ بعضِهما البعضِ؛ كلٌّ حسبَ إمكاناتِه وقدراتِه الحِسيَّةِ والجسديةِ، فقد فعلَ بهِما العُمرُ ما فعلَ؛ لكنّ زوجَها يفعلُ لها ما لا يُمكِنُ فِعلُه من قِبلِ الأبناءِ، وحتى البناتِ، هو لا يتردّدُ لحظةً في احتوائها وتلبيةِ كلِّ طلباتِها، ومساعدتِها في كلِّ أمورِها يوميًّا؛ ما يؤكِّدُ لي أنّ كلَّ زواجٍ لا يمكنُ أنْ يُكتبَ له الاستمرارُ إلّا بالألفةِ، والمَودّةِ، والتغاضي، والتراحمِ، والحبِّ، والطيبةِ؛ لا بالندِّيةِ والوقوفِ على كلِّ خطأ ، ولا بالمُعايَرةِ، والتجاهلِ، وكسرِ الخاطرِ، والتهربِ .
في أغلبِ الدولِ الإسلاميةِ والعربيةِ _ومنها فلسطينُ_ من المعتادِ والمتعارفِ عليه أنَّ الزوجةِ عليها أعمالُ المنزلِ الداخليةُ؛ كالنظافةِ، والطهيِ، وغسلِ الملابسِ، وخدمة الزوج والأبناءِ ونظافتِهم، وما إلى ذلك، والرجلُ عليه النفقةُ كشراءِ احتياجاتِ المنزلِ، والعملِ على إعالةِ أفرادِ البيتِ؛ لذلكَ فإنّ الدورَ المتكاملَ المتبادَلَ بينَ الزوجينِ يستندُ إلى العُرفِ وليس الدِّينَ؛ استنادًا لقولِ الإمامِ “أبو حنيفة” في زواجِ المِثلِ: (المعروفُ عرفًا كالمشروطِ شرطًا). لكنَّ علماءَ الفِقهِ اختلفوا في حُكمِ خدمةِ الزوجةِ لزوجِها؛ فمنهم من قال “أنها ليستْ واجبةً”؛ ولا أظنُّ أنَّ أغلبَ النساءِ سمِعنَ بهذا الحديثِ.. قال ابنُ حبيب : حكمَ النبيُّ _صلى الله عليه وسلم_ بينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ؛ وبينَ زوجتِه “فاطمة” رضيَ اللهُ عنهما؛ حين اشتَكيا إليهِ الخدمةَ؛ فحَكمَ على فاطمةِ بالخدمةِ الباطنةِ: أي خدمةِ البيتِ ؛مثلَ العجينِ، والطبخِ، والفرشِ، وكنسِ البيتِ، واستقاءِ الماءِ، وعملِ البيتِ كلِّه ؛ وحكمَ على عليٍّ بالخدمةِ الظاهرةِ. أنا لستُ مع جمهورٍ مُعيّنٍ من العلماءِ الذين اختلفوا في خدمةِ الزوجةِ لزوجِها؛ ولكنْ مع أنْ أوَضِّحَ أنّ الحياةَ لا تستمرُّ هكذا (هذا واجبُكَ، وهذا واجبي، وهذا ليس واجبي)؛ بل إنها مُرونةٌ في التعاملِ والمساعدةِ .
لكنْ في الآوِنةِ الأخيرةِ، بعضُ النساءِ والمؤسساتِ النسويةِ أصبحنَ يُحاجِجْنَ بضرورةِ عدمِ مسؤوليةِ المرأةِ عن القيامِ بالأعمالِ المنزليةِ ! .
إنّ مهمّةَ الرجلِ والمرأةِ في هذه الحياةِ واحدةٌ؛ ووظيفتَهما مشترَكةٌ، وكلٌّ منهما يقومُ بواجبِه حسبَ تكوينِه الجِسمي والعقلي والعاطفي.. وما فطرَهُ اللهُ _تعالى_ عليه، وما وَهبَه من خصائصَ، فمهمّةُ المرأةِ داخليةٌ أكثرُ منها في الخارجِ، ومهمّةُ الرجلِ خارجيةٌ أكثرُ منها في الداخلِ؛ وبذلكَ يتمُ بناءُ الأسرةِ على أكملِ وجهِ، وأحسنِ حالٍ.
لابدَّ أنْ تقومَ العلاقةُ الزوجيةُ على أساسٍ ثابتٍ، وقواعدَ راسخةٍ من المحبةِ والموَدّةِ؛ حتى يُكتبَ لها الدوامُ والأمانُ والسلامُ ؛ لذلكَ يجبُ أنْ يقومَ كلٌّ من الزوجينِ بواجباتِه تُجاهَ الآخَرِ؛ حتى يُطالبَ باستحقاقاتِه، قال تعالى (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )..