Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

مَخاوِفُ الحالِمينَ والصغارِ

كم هو مُرعِبٌ ومخيفٌ! تلاشي الرغبةِ الجامحةِ التي كانت تتملَّكُني.. ألَا تخيَّلتَ معي أنْ تستيقظَ يومًا؛ فتَجِدَ تلكَ الحرقةَ المُفزِعةَ في صدرِكَ؛ قد خَمدُ أُوارُها؟ وزالَ احمرارُ عينيكَ وتوَهُجُهما، وأصبحتَ تنظرُ إلى الناسِ والأشياءِ بِبُرودِ أعصابٍ؛ وكأنّكَ سُلَحفاةٌ بلغتْ من الكِبَرِ عِتِيًّا..

أظنُّكَ لم تتصوّرْ بعدُ الأمرَ على حقيقتِه.! قَطعًا أنا لا يُخيفُني الفشلُ، ولا يزعِجُني ضياعُ الجُهودِ سدًى.. ولا أَنظرُ لزيادةِ رصيدي من الأصدقاءِ بشَغفِ المَلهوفِ، كما أنه بات لا يَعنيني إنْ تَحقّقَ شيئٌ يُذكَرُ من رغَباتي، أو لم يتحقَّقْ، فأنا أُؤْمِنُ بالقضاءِ والقدَرِ.. فعلَى رِسلِكَ لا تَنعَتْنِ بالبائسِ الخائفِ، ما هكذا تُقاسُ الأمورُ، ولا هكذاَ تُورَدُ الإبِلُ.. إنما هذه مخاوِفُ الحالِمينَ والصغارِ.. فقد اعتدتُ على صعودِ العَقَبَةِ الكَؤُودِ التي لم يَعْتَلِها إلا قليلٌ.. وليس سِرًّا أقولُ، كما أنّ الجميعَ يعرفُ أنَّ عالَمي يدورُ داخلَ رأسي.. فلا يَهمُّني ولا يَعنيني كثيرًا أنْ يراني أو ينظُرَ إليَّ المجتمعُ كإنسانٍ ناجحٍ أو فاشلٍ! فمَعاركي أخوضُها وحدي، وبنفسي، داخلَ عقلي.. فجميعُنا يختارُ ويرتضي لنفسِه ما يُحِبُّ ويريدُ، ولستُ من أولئكِ الذينَ رضُوا بأنْ تضيعَ أعمارُهم سُدَى؛ مُقابِلَ الفُتاتِ؛ وكأنهم قد خُلِقوا لذلكَ، أمّا أنا فلم أُخلَقْ لهذا.. ولم أسعَ يومًا للحصولِ على ما يجبُ الحصولُ عليهِ؛ بل لِما أحبُّ الحصولَ عليه، والوصولَ إليه، أمَّا إنْ كنتَ قد رأيتَني هادئًا صامتًا في وقتٍ ما؛ فلم يَعْنِ ذلكَ أبدًا أنَّ البحرَ الذي في داخلي قد هدأَ واستكانَ، أو أنَّ الريحَ التي تُزَمْجِرُ داخلي؛ قد هدأَ صريرُها.. واعلَمْ يا هذا أنَّ الحزنَ ليس نقيضًا للحياةِ؛ بل هو جزءٌ لا يتَجزَّأُ منها.. إيَّاك أنْ تعتقدَ أنه بإمكانِنا أنْ نفرحَ دونَ أنْ يكونَ لدَينا استعدادٌ للبُكاءِ! أو أنْ ننجحَ دونَ أنْ يكونَ لدَينا استعدادٌ لِتَوَقُعِ الفشلِ.

تُرَى كم هو غريبٌ هذا العالمُ بمَكنوناتِه وحَيثيَّاتِه المتراميةِ، حتى أنه يُشعِرُنا بالغربةِ في كلِّ رُكنٍ وزاويةٍ من زواياهُ، ونزدادُ غُربةً بينَ الفينةِ والأُخرى؛ كُلّما قابلنْا بَني البشرِ، نَعم، نزدادُ غربةً في الشعورِ والإحساسِ.

في هذهِ الدنيا تَمَرُّ وسَتَمُرُّ على الإنسانِ أوقاتٌ؛ ينسَى فيها هذا العالَمَ الماديَّ، وهذه الحياةَ المُرهِقةَ، وكُلَّما ازدادَ عددُ السنواتِ التي تمُرُّ بنا؛ نزدادُ يقينًا أنَّ الأشياءَ تبدو لنا أصغرَ وأكثرَ تَفاهةً، حتى أنَّ الحياةَ التي كانت تَبدو لَنا مُستَقِرَّةً وثابتةً في أوقاتِ القوةِ والعُنفوانِ؛ أصبحتْ لا شيءَ يَذكَرُ؛ سِوَى مجموعةٍ من المواقفِ التي مرّتْ بِنا سريعًا؛ كُلُّ موقفٍ منها يحتاجُ إلى طموحٍ وأُمنِيَّاتٍ ومُعجزاتٍ لتحقيقِه.

ألَا أدُلُّكَ على ما يُبَدِّدُ تلكَ المخاوفِ ويُزيلُها؛ الاستغراقُ في العبادةِ والمناجاةِ؛ به تزولُ كلُّ مخاوفِ الليلِ وأهوالِ الظلامِ، عندما يشعرُ أحَدُنا أنه انتقلَ إلى عالَمٍ سِحريٍّ عجيبٍ، خاصةً إنِ استيقظَ قلبُه في أوقاتِ السَّحَرِ، يناجي ربَّه، وهَمَسَ في أُذُنِ الأرضِ باكيًا، بينما قلوبُ بعضِ البشرِ تستلقي على أَسِرَّةِ النومِ الناعمةِ غيرَ مُبالينَ، فإذا جاءَهم الصباحُ، وباغتتْهم الحياةُ بنعيمِها المكذوبِ؛ شعر بِهَولِ الصدمةِ وقسوتِها، هكذَا نحنُ البشرُ عندما لا نعيشُ حياةً واقعيةً جيّدةً، يبدأُ أحَدُنا في خَلْقِ عالَمٍ وَهميٍّ آخَرَ له في الَّلاوَعي..

يا هذا، نحن بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى إعادةِ تشكيلِ تَصوُّرِنا للحياةِ، ونظرتِنا إلى ذواتِنا، لكي نَحيَى حياةً جيدةً.. نَعمْ يجبُ علينا أنْ تكونَ لدَينا ثقةٌ كبيرةٌ في أنفُسِنا، وأنْ نأخذَ زمامَ المبادرةِ لِنتَولَّى قيادةَ أنفُسِنا وأيامِنا بشكلٍ أفضلَ مناصَفةً مع أرواحِنا.

يا هذا؛ عليكَ أنْ تَعلمَ أنكَ لن تستطيعَ تغيّيرَ عالَمِكَ؛ إذا كنتَ تُغمِضُ عينيكَ باستمرارٍ، وتَقضي جُلَّ أوقاتِك في تأمُّلِ عالَمِ الأحلامِ، لِتُحدِثَ تغيّيرًا لِعالَمِكَ؛ افتحْ عينيكَ على مِصراعَيها، واسعَ وهُما كذلكَ، فما خُلقتْ العينانِ إلّا لِتُبصرَ أنتَ طريقَ الصوابِ، وتُرشِدَك إليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى