يُعَدُّ العنفُ القائمُ على النوعِ الاجتماعي “الجندر” أحدَ المصطلحاتِ الجديدةِ نسبيًّا على المجتمعِ الغزي، والذي قد يبدو غريبًا للبعضِ وذي أبعادٍ أخرى، أو مصطَلحٍ مرفوضِ الحديثِ به كُليًّا، وأنَّ مَن تتحدثُ به فقط؛ هي مؤسساتُ المجتمعِ المَدنيّ المحليةُ ضِمنَ أنشطتِها؛ استنادًا لعملِها ضِمنَ مشاريعَ وأجنداتٍ خارجيةٍ من أجلِ الحصولِ على التمويلِ، حتى أنهم لا يُدركونَ ماهيةَ المصطلَحِ، ومدَى انطباقِه على الواقعِ الفلسطيني بشكلِه المُجردِ، بعيدًا عن المُسمّياتِ المُنمَّقةِ؛ بتحليلِ التعريفِ الشائعِ للعنفِ المَبنيِّ على النوعِ الاجتماعي؛ نرَى بأنه “الخصائصُ المَبنيّةُ اجتماعيًّا للنساءِ والرجالِ؛ مِثلَ الأعرافِ والأدوارِ والعلاقاتِ بينَ الذكرِ والأنثى؛ وهي مختلفةٌ من مجتمعٍ إلى آخَرَ؛ ويُمكِنُ تغييرُها نظرًا لطبيعةِ الثقافةِ المَحلّيةِ في البلدِ؛ أي بناءُ الفروقاتِ التي يشكّلُها المجتمعُ بينَ الجنسَينِ، أي ما الذي يسمحُ به؟ وما الذي يمنعُه لكُلٍّ منهما؟ فمثلاً يرتبطُ أداءُ المَهامِّ المنزليةِ في مجتمعِنا بالمرأةِ؛ وليس هناك ما يَمنعُ أنْ يؤدِّيها الرجلُ حقيقةً؛ ولكنْ توجدُ نظرةٌ وتحديدٌ اجتماعيٌّ على أنها للمرأةِ، أو أنه لا يجوزُ للرجلِ أنْ يبكي، وأنّ المرأةَ التي تبكي هي عاطفيةٌ، والرجلُ صلبٌ، في حينِ أنّ البكاءَ حالةٌ شعوريةٌ قد يخضعُ لها أيُّ كائنٍ حيٍّ تحتَ تأثيرِ ظرفٍ أوِ انفعالٍ عاطفيٍّ بطريقتِه، ولكنّ تحديدَ المجتمعِ لهذا الفعلِ؛ أنه للمرأةِ وليس للرجلِ.
وينبثقُ من مفهومِ النوعِ الاجتماعيِّ مُصطلَحٌ آخَرُ أكثرُ شيوعًا؛ يُعرّفُ بالعنفِ القائمِ على النوعِ الاجتماعي؛ وهو“أيُّ فعلٍ مؤذٍ يُرتكَبُ ضدَّ إرادةِ الشخصِ، ويُعدُّ هذا النوعُ من العنفِ سبَبُه هو وجودُ المُحدّداتِ المجتمعيةِ التي سبقَ وأشرتُ إليها، وهو مبنيٌّ على الفروقِ بينَ الذكورِ والإناثِ التي يُعزَى وجودُها لأسبابٍ اجتماعيةٍ”؛ وهذا لا يشملُ فقط العنفَ الموَجَّهَ ضدَّ النساءِ؛ وإنما يشكّلُ فئاتٍ أخرى أوسعَ كالرجالِ والأطفالِ الذين يتعرضونَ لأيِّ أذى؛ نتيجةَ اعتبارِ النوعِ الاجتماعي، رغمَ ارتباطِه بالمرأةِ بدرجةٍ أكبرَ؛ كونَ هذا النوعُ من العنفِ هو الأكثرُ انتشارًا في مجتمعِنا، ويشملُ عدّةَ أنواعٍ؛ بعضُها جسديٌّ يشملُ استعمالَ القوّةِ البدنيّةِ لِفرضِ سلطةِ قويٍّ على ضعيفٍ؛ وتكونُ نتائجُه الإصابةَ أو الانزعاجَ؛ كالضربِ، والَّلكمِ، والحرقِ، ولَيِّ الذراعِ، وما في حُكمِها، أو عنفٍ جنسيٍّ هو أيُّ فعلٍ، أو محاولةٍ، أو مبادرةٍ، أو تعليقٍ ذاتِ دلالاتٍ جنسيّةٍ،أو ممارساتِ اتِّجار،ٍ أو فعلٍ جنسيٍّ بالإكراهِ، مَهما كانت علاقةُ الفاعلِ بالناجي/الضحيّةِ. ويشملُ الاغتصابَ والتحرّشَ الجنسيَّ والاستغلالَ، وغيرَه، والعنفَ اقتصاديَّ؛وهو الحرمانُ من المواردِ والفُرصِ والخدماتِ (كالصحةِ والتعليمِ)، أي بمعنَى الحرمانِ من الحقوقِ الاقتصاديّةِ؛ كالحِرمانِ من العملِ، التحكّمِ في أموالِه/ها الشخصيّةِ رغمًا عنه/ها، التمييزُ في فرصِ التوظيفِ، والحرمانُ من الميراثِ وغيرُها، أو عنفٍ نفسيٍّ/عاطفيٍّ يتضمنُ إيقاعَ الألمِ أو الأذى النفسي والعاطفي؛ وهذا يشملُ ممارساتٍ خطيرةً مِثلَ التهديدِ، إساءةِ المعاملةِ، الإهانةِ الشفهيّةِ، الإقصاءِ الاجتماعي، التنمُّرِ، السخريّةِ، التهديدِ بالهجرِ، أو كالمُمارساتِ التقليديّةِ المؤذيةِ من المجتمعِ، والمتعلّقةِ بأعرافٍ وتقاليدَ متوارَثةٍ لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ. مرتكبو هذه الممارساتِ يقدِّمونَها على أنّها أصبحتْ جزءًا من عاداتِهم وتقاليدِهم المقبولةِ ثقافيًّا واجتماعيًّا مِثلَ: الزواجِ المبكّرِ/زواجِ القُصَّرِ/زواجِ القاصراتِ، جرائمِ الشرفِ، الزواجِ الإجباري، وغيرِها.
وبالتالي، فإنّ المجتمعَ الفلسطينيَّ والغزيَّ بالتحديدِ مليءٌ بعنفٍ يُمارَسُ استنادًا للنوعِ الاجتماعي، قد يَعدُّه البعضُ من فلسفةِ القولِ وتنميقِه، وهو نفسُ المصطلحِ الذي تنظرُ له العامّةُ بمُصطلحاتِها البسيطةِ العفويةِ، أنه ظلمٌ أو عدمُ احترامٍ للكرامةِ، وللأسفِ كِلاهما بلا شكٍّ يُعبّرانِ عن حالةٍ وواقعٍ مأساويٍّ؛ تعاني منه النساءُ وكبارُ السنِّ والأطفالُ من انتهاكٍ لحقوقِهنَّ المختلفةِ في شتَّى المجالاتِ.