Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

للخريفِ مذاهبُ في قلوبِنا

قد يَظلمُ البعضُ منّا هذا الشهرَ_ “شهرُ الخريفِ”؛ رغمَ ما يُحيطُنا فيه من أجواءٍ جميلةٍ ونَوعيةٍ بعدَ صيفٍ مُلتهِبٍ.. فيُشَبِّهُ البعضُ خريفَ العمرِ بهذا الشهرِ.. وكأنَّ مرحلةَ الشبابِ والحيويةِ والجمالِ قد وَلَّتْ إلى غيرِ رَجعةٍ.

مَهلاً على رِسلِكُم..

فقدْ وهبَ اللهُ كلَّ فصلٍ من هذه الفصولِ جمالًا أخَّاذًا تَميَّزَ عن غيرِه.. وصفاتٍ تُبْرِزُ ملامحَ كلِّ وقتٍ من هذه الأوقاتِ من العامِ.

ففي فصلِ الخريفِ ترتسمُ لوحاتٌ في فضاءِ الطبيعةِ؛ يتَجلَّى فيها إبداعُ الخالقِ.. عندما تبدأُ الطبيعةُ بالتخَلِّي عن مكوِّناتِها؛ فتَتساقطُ أوراقُ الأشجارِ؛ وتَتغيَّرُ من الأخضرِ اليانعِ إلى الأصفرِ المُشبعِ بالحُمرةِ.. ونعومةُ هبّاتِ النسائمِ بينَ الفَينةِ والأُخرى، والتي تُطفِئُ حرارةَ الصيفِ الآفِلِ؛ فذاكَ لونٌ من ألوانِ الإبداعِ الإلَهي.

وبعضُ هبّاتِ الرياحِ المترادِفةِ التي تُعلِنُ عن قدومِ زائرٍ جديدٍ جميعُنا يَعشقُه؛ ألَا وهو فصلُ الشتاءِ الذي يُدَثِّرُ أرواحَنا وقلوبَنا بمشاعرَ الحنينِ ورِداءِ التأمُّلِ؛ قد لا تتألّقُ إلّا في هذا الفصلِ، ولا يَسَعُنا فيه إلّا أنْ نُسبِّحَ الخالقَ.

فصلُ الخريفِ بدايةُ الحيويةِ والنشاطِ والانطلاقِ؛ بعدَ صيفٍ أرَّقَنا فيه الكَسلُ والمَلَلُ. 

بعدَ كلِّ هذا الجمالِ وذاكَ المشهدِ؛ يُطالِعُكَ البعضُ بما يسمَّى باكتِئابِ الخريفِ؛ أو الاكتئابِ المَوسِمي، الذي يأتي مُتزامِنًا مع التغيُّراتِ التي تَحدثُ بينَ الفصولِ، لاسيَّما فصلُ الخريفِ الذي تَبهَتُ فيه الألوانُ، ويتوقّفُ فيه نُموُّ معظمِ الأشجارِ، وتزدادُ نسبةُ انتشارِ الأمراضِ الالتهابيةِ؛ بسببِ تَقلُّباتِ الطقسِ؛ مِثلَ الرشحِ والإنفلونزا، والنزلاتِ الرئويةِ، وأمراضِ العيونِ.

ومع ذلكَ، أنا لستُ معَ ما يُسَمَّى باكتئابِ الخريفِ؛ ولا مع أولئكَ أصحابِ النفسياتِ الهشّةِ التي تَنسِبُ كُلَّ مُعضِلاتِ حياتِها إمّا للحسدِ وغيرِه، أو لِعلاقتِنا كَبَشرٍ بما يدورُ حولَنا في الطبيعةِ، فبعضُهم يعتقدونَ جازمينَ أنّ هنالِكَ علاقةً وطيدةً معَ هذا الكَونِ الفسيحِ، علاقةً كيميائيةً تَربطُنا بمكوّناتِه الماديةِ جميعِها، وأنّ هناكَ علاقةً نفسيةً روحيةً تَربطُنا كَبَشرٍ برسائلِ وقوانينِ هذا الكَونِ، والتي نَسيرُ في فلكِها كما الأجرامِ السماويةِ، أنا ضدُّ مُعتقَداتِهم تلكَ؛ فَهُم أُناسٌ يُعانونَ من ضعفِ الجهازِ العصبي العقدي، ويميلونَ إلى الاكتئابِ عاكسينَ ما يَجولُ في خواطرِهم من وَهمٍ وخُرافاتٍ.

 لكنَّني مُتيَقِّنُ أنَّ ما يُصيبُ الشخصَ هو جرّاءُ تَقلُّبِ الأجواءِ وتَغيُّرِها، والتي تَحدثُ في اليومِ الواحدِ، فالجوُّ أحيانًا يكونُ مُغبَرًّا وجافًّا، وأحيانًا مُحمّلاً بنسماتٍ باردةٍ، نَعمْ هو ذاكَ الذي يُبَعثِرُ ما بداخلِنا من ألَمٍ، خاصةً وإنْ باغَتَتْنا في نومِنا رياحٌ ليليةٌ باردةٌ؛ قد هبَّتْ بعدَ مَوجةِ صيفٍ حارٍّ؛ قطعًا سَتُلقي بنا على سريرِ المرضِ؛ وتَترُكُنا نتَوَهَّمُ بحديثِ المُنَجِّمينَ، فيَنتقِلُ بنا المزاجُ من الفرحِ الإيجابي؛ إلى الحزنِ والانفعالِ السَّلبي.

يا عزيزي، إنها تراكماتُ الذكرياتِ التي لم نَجِدْ وقتًا لِوَأْدِها، إنها العلاقاتُ التي تَفتُرُ حينًا؛ و تَشتّدُ حينًا آخَرَ، وليس لنا قُدرةٌ على ضَبطِها، هي مناكَفاتُ العملِ وحياتِنا الاجتماعيةِ، وتلكَ النقاشاتُ والحواراتُ التي لم تُفْضِ بنتيجةٍ مُرضِيَةٍ لأيٍّ من الطرَفينِ، ضغوطاتُ الحياةِ ومُتطلّباتُها وظروفُها الصعبةُ، وعدمُ قُدرتِنا لتحقيقِ أدْنَى مستوىً من أحلامِنا وتطلُّعاتِنا، وضبابيةُ الأيامِ، ومُستقبَلُنا الغامضُ، ظُلمُ ذَوي القُربَى.. كلُ هذه الضغوطاتِ قد تَخرُجُ لنا دفعةً واحدةً؛ تُشَكِّلُ حالةً مَرَضيةً تَقلِبُ كلَّ الأمورِ التي  اعتَقدْنا أننا حَلَلْناها، لكنّ جُلَّ ما فعلَنا سابقًا؛ أنّنا غَطّيَّناها بقِطعةٍ مُهتَرِئةٍ باليةٍ لا تَسترُ جسدًا، ولا تَدفعُ بَردًا؛ فثارتْ علينا وأغَرقَتْنا في كآبةِ المرضِ التي ظنَنَّاها كآبةَ الخريفِ، أتَرى كيف أنكَ لم تُحسِنْ الغِطاءَ فتوهمنا..!؟

أمّا عن مُجابهةِ ما يُسمُّونَه باكتئابِ الخريفِ نفسيًّا، والذي لا يكونُ علاجًا بقَدْرِ ما يكونُ استِدراكُكَ، ووقايةً للأمورِ قبلَ حدوثِها، ومحاولةَ عدمِ تكرارِها إذا حدثتْ سابقًا، ما عليكَ سِوَى أنْ تُهَدْهِدَ نفسَكَ ومَن حولَكَ، وتربّتَ على كَتفيكَ، راحةً  لقلبِكَ أيضًا، ابدأْ بنفسِكَ وحاوِلْ فيمَن حولَكَ، قاوِمْ كلَّ أعراضِ الكآبةِ، ولا تَترُكْ لها مساحةً حتى تَستوطِنَ نفسَكَ..

أنصحُكَ، كُنْ من مُحِبِّي الخريفِ؛ فهُم غالبًا ما يكونوا أشخاصًا صارمينَ ذَوي ثِقةٍ بالنفسِ، والأهمُّ من ذلكَ كلِّه؛ أنهم يُقَدِّرونَ السلامَ الداخليَّ والاعتدالَ، ولا يحاولونَ التعرّفَ على مَكنوناتِهم بشكلٍ أكبرَ، ولا التغَلْغُلَ في غَياهبِ أنفُسِهم وسَبْرَ أغوارِها، إنهم أهلُ الرومانسيةِ والحنينِ والوَفاءِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى