الكلمةُ الحُلوةُ
رأيتُ بالأمسِ فيديو لشيخٍ يقومُ بإتمامِ عمليةِ طلاقٍ بينَ زوجَينِ؛ يجلسُ الزوجُ عن يمينِه؛ والزوجةُ عن يسارِه؛ وقبلَ أنْ يُتمِّمَ إجراءَ الطلاقِ؛ أعطَى كلّاً منهما ورقةً؛ وطلبَ من كلِّ واحدٍ أنْ يكتبَ خمسَ صفاتٍ جميلةٍ في الآخَرِ بما يُرضي اللهَ، أو خمسةَ مواقفَ جميلةٍ حدثتْ طوالَ سنواتِ زواجِهما؛ واستَحلفَهما باللهِ أنْ يكونا صادقَينِ؛ وتركَهما وحدَهما ليتبادلَ كلٌّ منهما الورقَ ويقرأَ وحدَه.
هنا تبدّلَ الحالُ؛ فقدْ غيَّرَ الزوجُ رأيَّه؛ وغيّرتْ الزوجةُ رأيَّها؛ فسألَ كلَّ واحدٍ منهما سؤالًا مُهِمًّا؛ هو مِحورُ مقالي لهذا العددِ:” لماذا لم تُخبِرْني بذلكَ قبلَ اليومِ؟ “
ففي الحديثِ الشريفِ:” إذا أحبَّ الرجلُ أخاهُ فلْيُخبِرْهُ أنه يُحِبٍّه”
وهناكَ مقولةٌ أيضًا :” إذا أحببتَ أحدًا فأخبِرْهُ لِيَعلمَ؛ وكرِّرْها ليطمئنَ؛ واعملْ بها ليُوقِنَ”
لقد أخذَتْنا الحياةُ بعيدًا للدرجةِ التي أنسَتْنا مفعولَ الكلمةِ الحلوةِ على عقلِ وقلبِ مَن نُحِبُّهم، ونعتقدُ ببساطةٍ أنَّ الزوجَ سيَشعرُ بالكلمةِ؛ فلا داعيَ لأنْ تَذكُرَ له زوجتُه ميزاتِه؛ أو يذكُرَ لها ميزاتِها؛ ولكنْ حينما نلتقطُ عيبًا نعاتبُ ونُجاهرُ ونبالغُ في النقدِ .
في كلِّ مكانٍ _وعلى الأغلبِ_ نفتقدُ المديحَ والكلمةَ الطيبةَ، المعلمةُ مع طلابِها، المديرُ مع موظّفيهِ، الأمُّ مع أبنائها، الزوجُ مع زوجتِه، فنَذكرُ العيوبَ؛ وننسَى الحديثَ عن المزايا، والكلامِ الجميلِ الذي يَجبرُ الخاطرَ؛ ويرفعُ المعنوياتِ؛ ويزرعُ الحبَّ بينَ الطرَفينِ؛ بل رُبما يكونُ هو سببُ الصبرِ، ويُعينُ على استمرارِ الحياةِ .
والحقيقةُ أننا شعبٌ فيه شيءٌ من الجمودِ، والشكِّ أحيانًا بدوافعِ الكلمةِ الطيبةِ، إذا رأينا الجميلَ؛ لا نقولُ بعفويةِ أنه جميلٌ، أو مُشرِقٌ، أو مُبهِجٌ؛ بل نَستكثرُ الكلمةَ خجَلاً وإحراجًا، ورُبما لأننا لم نَتَرَبَّ على استخدامِ كلماتِ المديحِ في أسلوبِنا أثناءَ الكلامِ.
مع أنَّ المديحَ يرفعُ هرمونَ السعادةِ للقائلِ والسامعِ على حدٍّ سواءٍ؛ وذلك وفقَ دراساتٍ نفسيةٍ علميةٍ ، وما لا يَعلمُه الكثيرونَ أنَ الشخصَ الذي يُصدِرُ عباراتِ الإطراءِ ينالُ دَفعةً منها، حسبَما قالت الطبيبةُ النفسيةُ “إيفا فلوداركفي” في عددِ مارس من مجلةِ “كوزموبوليتان” الألمانيةِ – وفقا لمقالٍ قرأتُه في صحيفةِ الاتحادِ- أنَّ الخلايا العصبيةَ المرآتية في ذهِن قائلِ كلماتِ الإطراءِ؛ تلتقطُ المزاجَ الطيّبَ من المُتلَقِّي؛ وهو ما يخلقُ شعورًا طيبًا لدَى الشخصِ الأولِ.
والخلايا العصبيةُ المرآتيةُ هي خلايا حسِّيةٌ حركيةٌ في المخِّ؛ تَنشطُ عندما يقومُ الفردُ بفعلٍ؛ أو يلاحِظُ فردًا آخَرَ يقومُ بنفسِ الفعلِ؛ وهذا يعني صحيًّا ونفسيًّا أنّ المتَكَّلمَ مستفيدٌ من قولِ الكلمةِ الطيبةِ مِثلَ المُتلَقّي .
فَلِنَقُلْ خيرًا إذًا، فجميعُنا يحتاجُ إلى كلمةٍ جميلةٍ تُهَدِّئُ لوعةَ قلبِه .