Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اجتماعيةتحقيقات

نساءٌ يَخشَينَ مواجهةَ السرطانِ؛ ويرفُضْنَ الكشفَ المُبكّرَ

رغمَ حملاتِ التوعيةِ في "أكتوبر" الورديِّ

ما أنْ يطلَّ “أكتوبر” الورديَّ؛ حتى تبدأَ حملاتُ الدعمِ والمناصرةِ للنساءِ في جميعِ الطبقاتِ؛ السليماتِ والمصاباتِ بسرطانِ الثديِ؛ في محاولةٍ لمواجهةِ المرضِ قبلَ الإصابةِ أو بعدَها، إذْ يحرصُ القائمونَ على حملاتَ التوعيةِ على الحدِّ من عددِ المصاباتِ، أو حمايتِهِنَّ من الموتِ، لاسيَّما وأنّ الاكتشافَ المبكرَ جزءٌ من العلاجِ.

وعلى الرغمِ من ذلكَ، فإنَّ آلافَ النساءِ يرفضنَ المواجهةَ الحقيقةَ مع المرضِ، لاسيَّما النساءُ اللواتي لدَيهِنَّ تاريخٌ مرَضيٍّ، أو أعراضٌ مُبهَمةٌ، أو واضحةٌ، أو علاقةٌ وراثيةٌ معه، إذْ يَمنعُهُنَّ رهبةُ السرطانِ من الذهابِ إلى الكشفِ المبكرِ، أو مواجهةِ المرضِ بشكلٍ حقيقٍ يَحمي حياتَهُنَّ.

الهربُ من الفحصِ

وفاء (44)عامًا، تقولُ لـ “السعادة”: لا يُمكِنُني الذهابُ للفحصِ بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ؛ أُفضِّلُ الموتَ دونَ أنْ أواجِهَ تفاصيلَ المرضِ وأوجاعَه.. حاولتُ كثيرًا بكُلِّ الطرُقِ مساعدةَ نفسي لِتَخطِّي هذا الخوفِ؛ والتوجُّهِ فعليًّا للفحصِ؛ لكني فشلتُ بكُلِّ معنى الكلمةِ.

تضيفُ: كنتُ في سنِّ المراهقةِ؛ حين شاهدتُ فيلمًا مُستوحًى من قصةٍ حقيقيةٍ؛ بطلَتْهُ مصابةٌ بسرطانِ الدمِ، وفى نفسِ الفترةِ سمعتُ أنّ جارتَنا التي تَكبُرُني بِسنَتَينِ أيضًا مصابةٌ بالمرضِ نفسِه، الكُلُّ كان يتحدثُ عن مدَى خطورتِه؛ لدرجةٍ جعلتْني أتخوّفُ منه، خاصةً وأنّها توفِّيَتْ على إثرِه.

وتُتابعُ: كانت فترةُ مرضِها كالكابوسِ، أعودُ من المدرسةِ فأجِدُ سيارةَ الإسعافِ في شارعِنا، أطلُّ ليلاً من النافذةِ؛ أجِدُها..، دموعُ أمِّها لم تكنْ تتوَقّفُ، حزنُ أبيها كان باديًا في وجهِه وشكلِه ومشيَتِه، كنتُ أتحاشَى زيارتَها والاقترابَ من منزلِهم، أو حتى التواصُلَ مع أفرادِ أسرتِها عن قُربٍ.

تُواصِلُ: في ذلكَ العمرِ كنتُ أخشَى العدوَى كثيرًا، وكانت أوّلَ مرّةٍ أشاهِدُ فيها جنازةً في حياتي؛ أُصِبتُ بعدَها بأزمةٍ نفسيةٍ؛ وصفَ لي فيها الطبيبُ بعضًا من المُهدِّئاتِ، وحاولتْ عائلتي مرارًا وتكرارًا إقناعي بأنّ لا شيءَ ممّا أفكِّرُ فيه صحيحٌ؛ لكنّني لم أستَطِعْ إقناعَ نفسي أنّني بخيرٍ؛ وعليَّ أنْ أزيلَ فكرةَ السرطانِ من ذِهني.

في حين تروي عبير (39) عامًا” كيف أنها ظلّتْ لشهورٍ طويلةٍ تحاولُ الهربَ من قرارِ الذهابِ للطبيبِ؛ للفحصِ الطبيِّ على الثدْي، وتتذكّرُ جيدًا وجهَ شقيقتِها الكبرى حين ألقَى الطبيبُ في وجوهِهم خبرَ إصابتِها بسرطانِ الثديِ؛ ذلكَ المرضُ الذي اغتالَ أحلَى سنواتِ عُمرِ أُمِّها.

وتضيفُ: أتذكّرُ كيف انتفضتُ بداخلي؛ وأنا أتخيّلُ المصيرَ المحتومَ؛ وهو يعودُ مُكشِّرًا عن أنيابِه؛ ليغتالَ سنواتِ عُمرِ أختي التي كانت بالكادِ قد أتمَّتْ عامَها السادسَ والثلاثينَ، وكيف انتفضتْ والطبيبُ يثبِّتُ عينَيهِ في عينَي قائلاً “أنت كمان لازم تفحصي”.

وتتابعُ: بقيتُ لسنواتٍ طويلةٍ بعد وفاةِ أختي؛ أُقنعُ نفسي أنَّ الفحصَ اليدويَّ كافٍ جدًّا، وكنتُ أرفضُ مُجرَدَ فكرةِ الذهابِ إلى أيِّ مكانٍ له علاقةٌ بسرطانِ الثديِ؛ لا من قريبٍ أو بعيدٍ، وبقيتُ سنواتٍ وأنا أُلَملِمُ وجَعًا بداخلي، وألَمًا يصيبُني بينَ الحينِ والآخَرِ، أُقنِعُ نفسي أنَّ فحصَ الثديِ ذاتيًّا كافٍ جدًّا.

خلافٌ كبيرٌ

وتواصلُ: كُلَما انتبَهَ زوجي إلى تَحسُّسي موضعَ ألمٍ بالثديِ، يسارعُ “لابدَّ من الذهابِ للطبيبِ”، وكم مرّةً نشأَ خلافٌ كبيرٌ بينَنا بسببِ قَلقِه ورغبتِه في الاطمئنانِ عليَّ.. وفي كلِ مرّةٍ أقولُ له “لن أذهبَ.. من يبحثْ عن شيءٍ يَجِدْهُ.. وإذا كان بي شيءٌ فدَعْهُ مُغلَقًا ولا تفتحْهُ.. دعني أتمتعُ بحياتي وأولادي”.

في إحدى المراتِ شعرتُ بألمٍ شديدٍ في منطقةِ الصدرِ؛ حينَها أيقنتُ أنَّ الأمرَ بالفحصِ الذاتي غيرُ كافٍ، وأنَّ عليَّ التوجُّهَ إلى أقربِ مكانٍ يُمكِنُني عملُ صورةٍ؛ وهذه هي المرّةُ الوحيدةِ التي كنتُ فيها بمواجهةٍ حقيقةٍ مع المرضِ؛ استطعتُ الوصولَ إليها بدَعمِ عائلتي.

أمّا نور(41) عامًا، فتَروي تجربتَها بالفحصِ والكشفِ المبكرِ، فتقولُ لـ”السعادة”: ” كنتُ أتابعُ صفحةً لإحدى الصديقاتِ المصابةِ بالمرضِ، والتي كانت تحاولُ أنْ تكتبَ الكثيرَ من التفاصيلِ حولَ ما حدثَ معها، أو يحدُثُ حولَها خلالَ فترةِ الإصابةِ والعلاجِ، وفعليًّا كنت كُلّما قرأتُ منشورًا لها؛ أشعرُ بخوفٍ عميقٍ جدًّا لا أعرفُ سبَبَهُ.

وتضيفُ: في إحدى المرّاتِ كتبتْ منشورًا حولَ الأسبابِ التي دفعتْها للفحصِ، وفى هذا المنشورِ بالذاتِ أُصِبتُ بالصدمةِ العنيفةِ، لاسيَّما وأن كافةَ الأعراضِ التي مرتْ بها موجودةٌ لدَيَّ؛ ما جعلَني أعيشُ في حالةٍ من الخوفِ المستمرِّ، لاسيَما وأنَّ حياتي كُلَّها اندحرتْ في نقطةٍ؛ وبقيَ سرطانُ الثديِ يحومُ في كافةِ مَفاصلِ حياتي.

وتستدركُ: بقيتُ على هذه الحالِ خمسةَ شهورٍ؛ يأكلُني الخوفُ؛ ولا يدفعُني للذهابِ إلى الفحصِ، وكنتُ حينَها قد أخبرتُ صديقةً لي بما يَجولُ في فِكري، وفي صبيحةِ أحدِ الأيامِ اتصلتْ بي صباحًا؛ وأخبرتْني أنها تحتاجُني لأمرٍ طارئٍ على وجهِ السرعةِ؛ فقُمتُ بلبسِ ملابسي والذهابِ إلى حيثُ العنوانِ.

هناكَ تفاجأتُ أنَّ صديقتي قد حجزتْ لي موعدًا لإجراءِ الفحصِ؛ وفى دقائقَ معدودةٍ كنتُ أجلسُ على جهازِ الفحصِ بخوفٍ وقلقٍ شديدٍ؛ حيثُ لم يُسعِفنِ الهروبُ حينَها، ومع نهايةِ اليومِ تأكّدتُ أنني غيرُ مصابةٍ؛ ولكني أُعانى من التهاباتٍ قويةٍ؛ يجبُ معالَجتُها حتى لا تصبحَ سرطانًا.

شهرُ التوعيةِ

من جانبِها تقولُ الدكتورة “حِكمت عليان المصري”:” أكتوبر هو شهرٌ لتَوعيةِ النساءِ بمرضِ سرطانِ الثديِ، وفي كلِّ عامٍ تنتشرُ اللافتاتُ التي تؤكّدُ أنّ الاكتشافَ المبكرَ يعني الشفاءَ التامَّ؛ ومع ذلكَ ما تزالُ العديدُ من السيداتِ يَشعُرنَ بالخوفِ من سماعِ عبارةِ “أنتِ مُصابةٌ بسرطانِ الثديِ”، أو في محيطِها من الصديقاتِ أو الأقاربِ، وترتبطُ جذورُ الخوفِ عندَ السيداتِ بقضايا مرتبطةٍ بالعلاجِ، والمضاعفاتِ الجراحيةِ، والتأثيراتِ الجانبيةِ للأدويةِ، وكلِّ ما يشمَلُه..

وتضيفُ: على الرغمِ من أنّ هذه المخاوفَ مفهومةٌ؛ لكنْ على السيداتِ أنْ يَعينَ أنَّ الخطرَ يَكمُنُ في القلقِ الذي يدفعُهُنَّ إلى تأجيلِ الإجراءاتِ الضروريةِ؛ مِثلَ التصويرِ بالأشعةِ، والفحوصاتِ الأوليةِ؛ ليقفزن لاستنتاجاتٍ تتعلّقُ بالأخبارِ السيئةِ واستباقِ النتائجِ؛ مُغفِلاتٍ دورَ المسارعةِ بإجراءِ الفحوصاتِ في الحصولِ على علاجٍ؛ في حالِ وُجدَ، أو حتى في الشعورِ بالطمأنينةِ .

وتنوّهُ: تواجِهُ النساءُ اللاتي شُخِّصنَ بإصابتِهنّ بسرطانِ الثديِ، مجموعةً مختلفةً من المخاوفِ؛ تجعلُهنَّ يعِشنَ مراحلَ مختلفةً من القلقِ، والخوفِ، والتعبِ، والإرهاق ؛ وحتى الاكتئابِ، والإصابةِ بحالةِ عدَمِ تقبُّلِ الوضعِ؛ ما يؤدّي إلى الشعورِ بالغضبِ؛ لأنّ عالَمَهُنَّ انقلبَ رأسًا على عَقِبٍ،  بينما بعضُهنَّ  يتساءلْنَ؛ ماذا فعلتُ لأستحقَّ هذا..! ويَفقِدنَ طريقَهُنّ في الوصولِ للراحةِ.

وتشيرُ “المصري” إلى أهميةِ انخراطِ المصاباتِ بسرطانِ الثديِ في مجموعاتِ المساندةِ، التي تندرِجُ ضِمنَ العلاجِ من المرضِ؛ وفيها تشعرُ الكثيرُ من المريضاتِ بالطمأنينةِ والتحَسُّنِ، وتَقَبُّلِ الوضعِ، والشعورِ بالسيطرةِ على مرضِهِنَّ؛ لأنهُنّ يقاتِلنَ بنشاطٍ وأملٍ، لاسيَّما وأنّ الحقيقةَ تَكمُنُ في أنه؛ كُلَّما تَقدّمَ بكِ العمرُ؛ زادتْ المخاطرُ التي تتعلقُ بإصابتِكِ بسرطانِ الثدي، والبعضُ منّا يعرفُ سيداتٍ ناضلْنَ وكافحْنَ هذا المرضَ؛ فيما هناكَ أُخرياتٌ كُنَّ ضحاياهُ، والأهمُّ من كلِّ هذا؛ أنّ أساليبَ الكشفِ وعلاجاتِ السرطانِ؛ حوّلتْ هذا المرضَ من مرضٍ قاتلٍ إلى مرضٍ يُمكِنُ مكافحتُه في حالِ كُشفَ مبكرًا، عِلمًا أنّ (98 %) من النساءِ  يُمكِنُهنَّ العيشُ حياةً صحيةً وكاملةً بعدَ العلاجِ؛ في حالِ اكتُشِفَ مبكرًا، وثابَرْنَ على إجراءِ الفحوصاتِ الموصَى بها.

تحسينُ الفرصِ

وتنصحُ “المصري” السيداتِ اللواتي لم يخضعْنَ لأيِّ فحصٍ، ولم يقُمْنَ بأيِّ إجراءاتٍ روتينيةٍ للوقايةِ؛ أنْ يطلُبنَ من المختصّاتِ أو أطباءِ الرعايةِ الأوليةِ، شرحَ كلِّ التفاصيلِ المتعلقةِ بسرطانِ الثديِ من طرُقِ الفحصِ إلى طرُقِ الوقايةِ والعلاجِ والاهتمامِ.

في حين تنصحُ الدكتورة “ختام أبو عودة” _المختصّةُ في التثقيفِ الأُسريّ والنفسيّ_ النساءَ  بعدمِ الخجلِ من التعبيرِ عن القلقِ بداخلِهنَّ، وخصوصًا الخوفَ الذي قد يسيطرُ عليهِنّ أمامَ الأهلِ والمقرّبينَ والأزواجِ؟ فأنتِ لستِ المرأةَ العجيبةَ والخارقةَ، ومن الطبيعي أنْ تشاركي حِملَكِ الثقيلَ مع الآخَرينَ.

في هذا السياقِ، أصدرتْ منظمةُ الصحةِ العالميةُ توجيهاتٍ جديدةً تهدفُ إلى تحسينِ فرصِ بقاءِ المتعايشينَ مع السرطانِ على قيدِ الحياةِ؛ عن طريقِ ضمانِ تمكينِ الخدماتِ الصحيةِ من التركيزِ على تشخيصِ المرضِ وعلاجِه في وقتٍ مبكّرٍ.

وتشيرُ الأرقامُ الجديدةُ التي نشرتْها المنظمةُ في هذا الأسبوعِ إلى أنّ السرطانَ يحصدُ سنويًّا أرواحَ (8.8) مليونَ شخصٍ، ومعظمُهم من بلدانٍ منخفضةِ الدخلِ، وأخرى متوسطةِ الدخلِ. ومن المشاكلِ المُحدّدةِ أنّ العديدَ من حالاتِ السرطانِ تُشخَّصُ في وقتٍ متأخّرٍ جدًّا، وحتى في البلدانِ التي تمتلكُ نُظمًا وخدماتٍ صحيةً؛ فإنّ الكثيرَ من تلكَ الحالاتِ لا يُشخَّصُ إلاّ في مرحلةٍ متقدّمةٍ يَصعُبُ فيها تكليلُ علاجِه بالنجاحِ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى