لا تُقارِنْ نفسِكَ بالآخَرين

إعداد: السعادة
فتحتْ مواقعُ التواصلِ الاجتماعي البابَ أمامَ أشخاصٍ لتُباهي بحياتِهم الشخصيةِ والعمليةِ، ولعرضٍ مفصّلٍ لتفاصيلِ حياتِهم.. المُعظَمُ أصبح يشاركُ الكثيرَ من المواقفِ على حساباتِهم الخاصةِ بهم؛ هنا نرى أجملَ لقطاتِ سفرِهم على إنستغرام، وآخِرَ إنجازاتِهم العلميةِ والمِهنيةِ على “لينكد إن” ؛ يمكِنُ أنْ تقارِنَ حياتَكَ بمَن حولَكَ، وتشعُرَ بأنكَ الوحيدُ الذي يعاني في الحياةِ، وكلُّ مَن حولَكَ سعداءُ طوالَ الوقتِ.
و بالنظرِ والتفكيرِ في حياةِ كُلِّ مَن حولَنا؛ لا يَنشرُ الناسُ عادةً الجوانبَ السلبيةَ في حياتِهم، فَنرَى فقط الجانبَ الإيجابي، ما قد يوقِعُنا في فخِّ المقارنةِ، ونبدأُ التساؤلَ: “لماذا الجميعُ أسعَدُ وأفضلُ مِنّي؟” فما أسبابُ مقارَنةِ أنفُسِنا بمَن حولَنا؟ وما تأثيرُ ذلكَ على أفكارِنا ومشاعرِنا ونظرتِنا لأنفُسِنا وحياتِنا؟
هناكَ نوعانِ من المقارَنة الاجتماعيةِ: النوعُ الأولُ هو مقارنةُ أنفُسِنا بمَن هم أفضلُ مِنّا، والتفكيرُ فيهِم كمصدرِ إلهامٍ ومُحفِّزٍ لتحسينِ أنفُسِنا.
والنوعُ الآخَرُ هو مقارنةُ أنفُسِنا بمَن نشعرُ أنهم أسوَأُ مِنّا، في محاولةٍ للشعورِ بتَحَسُّنِ أنفُسِنا ووَضْعِنا.
ويفيدُ هذا بأنّ المقارَناتِ ليست سلبيةً طوالَ الوقتِ، ويُمكِنُ أنْ تكونَ مُحفِّزًا؛ لكنْ يُمكِنُها أيضًا تدميرُ شعورِنا بالسعادةِ والرِّضا عن أنفُسِنا، وما نملكُ وما نحقِّقُ، ومن العواملِ التي تؤثّرُ على كونِ المقارَنات مفيدةً أو ضارةً؛ تقديرُنا لذاتِنا والصعابُ التي نمرُّ بها.
لماذا نقارِنُ أنفُسَنا بالآخَرينَ ؟
الإنسانُ مخلوقٌ اجتماعي، والمُقارَنةُ مع حياةِ الآخَرينَ سلوكٌ شائعٌ منذُ بدايةِ الخَلقِ، وهو سببُ وقوعِ أولِ جريمةِ قتْلٍ في تاريخِ البشريةِ.
ومع التعرُّضِ لمنصّاتِ التواصلِ، ورؤيةِ مَن حولَنا يملكونَ كلَّ شيءٍ نَفتقِرُ إليهِ، ومشاهدةِ المشاهيرِ ومظاهرِ الحياةِ الباهظةِ والمُرفّهةِ، والإنجازاتِ المِهنيةِ والماليةِ الكبيرةِ حولَ العالمِ؛ أصبحْنا نُشَكِّكُ طوالَ الوقتِ في كلِّ جوانبِ حياتِنا.
كما أننا نُقارِنُ غالبًا أسوأَ الجوانبِ في حياتِنا؛ بأفضلِ الجوانبِ في حياةِ مَن حولَنا؛ وهذهِ بالطبعِ مقارَنةٌ غيرُ عادلةٍ؛ وتَحرِفُ حُكمَنا على أنفُسِنا.
ما هي تأثيراتُ المقارَنةِ؟
تُعَدُّ مقارَنةُ نفسِكَ بإنجازاتِ الآخَرينَ معركةً خاسرةً، فهناكَ عددٌ لا نِهائيٍّ من الأشخاصِ الذين يُمكِنُكَ مقارنةُ نفسِك بهم، وسيكونُ هناكَ دائمًا شخصٌ ما يفعلُ شيئًا تَتمنَّى أنْ تُحقِّقَه أنتَ أيضًا؛ ولكنْ لكُلِّ شخصٍ حياتُه وقدراتُه الخاصةُ والمحدودة.
ويؤدّي الإفراطُ في المقارنةِ إلى التعاسةِ وعدمِ الرّضا عن الحياةِ، وتحطيمِ تقديرِ الذاتِ، كما يُشعِرُنا بالغَيرةِ والغضبِ واليأسِ والإحباطِ من أنفُسِنا؛ لأننا “لَسنا جيّدِينَ بالشكلِ الكافي”، وهو ما قد يؤدّي إلى الإصابةِ بالقلقِ المُفرِطِ أو الاكتِئابِ.
ويَنتُجُ عن المقارَناتِ سلوكٌ غيرُ صحيٍّ؛ إذْ يبحثُ البعضُ عن أخطاءِ الآخَرينَ؛ أوِ الجوانبِ السلبيةِ من حياتِهم؛ ليَجعلوا أنفُسَهم يَشعرونَ بتَحسُّنٍ؛ ما يجعلُ آلامَ الآخَرينَ مصدرَ راحةٍ لَنا.
وإليكَ بعضُ الأمورِ التي يُمكِنُكَ القيامُ بها لمساعدةِ نفسِكَ على التوَقُّفِ عن مقارنةِ نفسِكَ بالآخَرينَ .
- حَدِّدْ ما يَحفِزُكَ وتَجنَّبْهُ:
ضعْ قائمةً بالمواقفِ والظروفِ التي تجعلُكَ تُقارِنُ نفسَكَ بالآخَرينَ، وتؤَثِّرُ على تقديرِكَ لذاتِكَ؛ مِثلَ الوجودِ في مجموعةِ أصدقاءٍ يهتمّونَ بالأشياءِ الماديةِ دائمًا، وغيرِ ذلكَ من الأشياءِ التي تَحفِزُ دماغَكَ على المقارنة.
- قَلِّلْ من وقتِكَ على مواقعِ التواصُلِ:
يُمكِنُكَ إلغاءُ متابعةِ الحساباتِ التي تجعلُكَ تقارنُ نفسَكَ بالآخَرينَ، أو إغلاقُ حساباتِكَ فترةً؛ حتى تتَمكَّنَ من إعادةِ التفكيرِ في حياتِكَ، والنظرِ لِلنِّعَمِ التي تَملكُها، وتحسينِ صورتِكَ عن نفسِكَ وحياتِكَ؛ دُونَ تأثيراتٍ غيرِ مفيدةٍ، وأخبارٍ عن حياةِ الآخَرينَ.
- تذكّرْ أنَّ الصورةَ ليستْ مُكتمِلةً:
لا أحدَ يَعرفُ حقًّا ما يَحدثُ وراءَ الكواليسِ في حياةِ شخصٍ آخَرَ؛ فالجميعُ يواجِهونَ معاناتِهم الخاصةَ، وحتى مع عدِّ ذلكَ بَديهيًّا، فإننا نحتاجُ أحيانًا أنْ نُذكّرَ أنفُسَنا بذلكَ.
- ألزِمْ نفسَكَ بالامتِنانِ :
يَصعُبُ تَسلُّلُ المشاعرِ السلبيةِ لنا؛ عندما نكونُ مُحَصَّنينَ بالامتنانِ، ونرَى النِّعَمَ التي لدَينا بشكلٍ واضحٍ، ويُمكِنُكَ جَعْلُ عَدِّ النِّعمِ في حياتِكَ عادةً يوميّةً؛ حتى لا تُدفَنَ تحتَ المقارناتِ ويَصعُبَ تَذَكُّرُها.
- اجعلْ المقارنةً دافعًا :
بدَلاً من تَجَنُّبِ الأشخاصِ الذين يُثيرونَ المقارَنةَ الذاتيةَ طوالَ الوقتِ، والشعورِ بالحسدِ تُجاهَهم؛ يُمكِنُكَ النظرُ إلى إنجازاتِهم بوَصفِها دافعًا ومُحَفِّزًا لكَ لبَذْلِ المزيدِ من المجهودِ والإيمانِ بقُدراتِكَ.
- ركِّزْ على نقاطِ قوَّتِكَ :
لا بأسَ أنْ تكونَ متواضِعًا؛ ولكنْ يجبُ أنْ تفخرَ أيضًا بما أنجَزْتَه؛ فالإفراطُ في التواضُعِ ضارٌّ؛ مِثلَ الإفراطِ في الثِّقةِ بالنفسِ.
- لَستَ وَحدَكَ :
تذَكَّرْ أنَّ الجميعَ لدَيهِم نقاطُ ضعفٍ، وجوانبُ لا يريدونُ أنْ يطَّلِعَ عليها أحدٌ، ومن الطبيعيِّ أنْ تقارِنَ نفسَكَ بالآخَرينَ، فكُلُّنا نُشَكِّكُ في أنفُسِنا، وتَنتابُنا المَخاوِفُ بينَ الحِينِ والآخَرِ.
- وَثِّقْ إنجازاتَكَ:
خلالَ الأوقاتِ التي نشعرُ فيها بالضعفِ والفشلِ، وتُسيطِرُ علينا المَشاعرُ السلبيةُ، ولا نستطيعُ تذَكُّرَ إنجازاتِنا؛ سيُساعِدُنا تدوينُ الإنجازاتِ في تَجاوُزِ هذه الأوقاتِ العصيبةِ.
ويُمكِنُ جَعْلُها عادةً يوميةً، وكتابةُ إنجازٍ يوميٍّ سواءٌ كان كبيرًا مِثلَ مناقشةِ رسالةِ الماجستير، أو صغيرًا مِثلَ مقاومةِ رغبتِكَ في تناوُلِ طعامٍ غيرِ صحيٍّ خلالَ الليلِ.
- قارِنْ نفسَكَ بنفسِكَ فقط :
الشخصُ الوحيدُ الذي يُمكِنُكَ مُقارنةُ نفسِكَ به؛ هو أنتَ.. انظُرْ إلى حالِكَ قبلَ شهرٍ من الآن أو عامٍ؛ وفكِّرْ في التطوّرِ الذي حقَّقْتَه، والصعابِ التي واجَهْتَها، وما تَعلَّمْتَه، وكيف قوَّمتَ نفسَكَ، ويَحقُّ لكَ الفخرُ بنفسِك لِما حقَقتَه وتَجاوَزْتَه.
- اختَرْ رفيقَكَ:
يُمكِنُكَ اختيارُ صديقٍ لتحفيزِ بعضِكما البعضِ؛ لتحقيقِ أهدافٍ مشترَكةٍ، والاحتفالُ معًا، والمساعدةُ في الالتزامِ بالخُطةِ، فالمشارَكةُ في الأهدافِ تساعدُ في توفيرِ دعمٍ مَعنويّ، والشعورِ بالمسؤوليةِ للالتزامِ بالخُطّةِ، كما يجعلُ الاحتفالُ بالانتصاراتِ الصغيرةِ أكثرَ مُتعةً .