Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

ازدواجيةُ “الفيمنست” وتَشويهُ القِيَمِ.

منذُ أنْ فَعلَ موقعُ التواصلِ الشهيرِ فيس بوك (Facebook) خاصيةَ الريلز reels))، ونحن نرى فيديوهات بشكلٍ يوميّ؛ توَثّق مدَى تَشوُّهِ القِيَمِ الأخلاقيةِ والحضاريةِ لمُجتمعاتِنا العربيةِ، ومدّى اختراقِ ثقافةِ التغريبِ لعقولِ الأطفالِ، والشبابِ، والنساءِ، والشيوخِ في مجتمعاتِنا، والذي أدّى إلى تراجُعِ واضمحلالِ موروثاتِنا الثقافيةِ.

لقد راعَني بعضُ المَشاهدِ من تَحرُّشِ الفتياتِ بشكلٍ علَنيٍّ واضحٍ وفاضحٍ بالشبابِ؛ في صورةٍ لا تتناسبُ مع مجتمعاتِنا، وعاداتِنا، والفطرةِ السويّةِ، وسمُوِّ قِيمةِ المرأةِ، والحفاظِ على كرامتِها، ومَشاهدُ أخرى لرجالٍ_ ومنهم من هو في عُمرِ الكهولةِ والنضجِ_ يتفاخرُ ويستعرضُ بالرقصِ في المناسباتِ أمامَ الجموعِ بشكلٍ مبتذَلٍ؛ يَنُمُّ عن تراجُعِ مقاييسِ الرجولةِ، وكذلكَ انتشارُ مقاطعِ الأحضانِ والقبلاتِ والعناقِ بينَ الجنسينِ؛ بذريعةِ الصداقةِ والانفتاحِ والزمالةِ، وترويجُ المحتوى التافِهِ لإشغالِ المجتمعاتِ، وتشتيتِ وِجهتِها عن قضاياها المحوريةِ والأساسيةِ، والتعاطفِ مع العنفِ والقتلِ، وإيجادِ الذرائعِ والتبريراتِ كالحبِّ وغيرِها.

إنّ الغربَ كُلّما وقعَ في شرٍّ؛ نتجَ عنه تراجُعٌ في مجالِ من المجالاتِ؛ قرّرَ ضرورةَ جرِّ البشريةِ إلى المستنقعِ الذي سقط فيه، فعندَما انهارتْ منظومةُ الأسرةِ لدَيهِ، عَمدَ إلى تفكيكِ الأسرةِ في المجتمعاتِ العربيةِ؛ من خلالِ دعواتِ الحريةِ غيرِ المُنضَبِطةِ بحدودِ الشرعِ والأخلاقِ (الإباحية)، أو من خلالِ إسقاطِ النماذجِ والقدواتِ، أو تغييبِ دَورِ الأسرةِ بإشغالِ كلِّ فردٍ فيها بقضاياهُ الخاصةِ، وعزلِه عن محيطِه الاجتماعي، وتعزيزِ النزعةِ الماديةِ الفرديةِ.

لقد اتَّبعَ الغربُ إستراتيجيةَ التفرِقةِ (فَرِّقْ تَسُدْ)، ووضعَ لكُلِّ شريحةٍ من شرائحِ المجتمعِ مجموعةً من الأنماطِ الفكريةِ التي تعزّزُ شعورَها بالمظلوميةِ التي يمارسُها المجتمعُ بحقِّها، وذلك لِضربِ أواصرِ العلاقةِ والارتباطِ بينَ هذه الشريحةِ ومجتمعِها، وكان الاستهدافُ للنساءِ النموذجَ الأوضحَ لهذهِ الاستراتيجيةِ، من خلالِ التركيزِ على أيِّ قضيةٍ فيها انتهاكٌ أو انتقاصٌ لحقٍّ من حقوقِها، وأخذِها ذريعة لهجاءِ المجتمعِ العربيّ، الذين يصِفونَه بالذكوري، ويتمُ ربطُ أيِّ سلوكٍ على اعتبارِ الجنسِ بالدرجةِ الأولى؛ في حينِ تَصمتُ وتغضُّ الطرْفَ عن الكثيرِ من التجاوزاتِ بحقِّ فئاتٍ أخرى في المجتمعِ.

فمَثلاً لو عُدنا للمَشاهدِ التي تحدّثنا عنها سابقًا؛ وهي تَحرُّشُ الفتياتِ بالشبابِ، هل ستقومُ الجماعاتُ النسويةُ “الفيمنست” بمهاجمةِ هذا السلوكِ الخاطئ، وغيرِ الأخلاقي بمِهنيةٍ، وبدونِ ازدواجيةٍ في المعاييرِ؛ كما تفعلُ في التهويلِ من قضايا التحرّشِ الجنسي بالنساءِ والفتياتِ، وهل ستُطالِبُ بتنفيذِ أقسَى العقوبةِ على النساءِ اللاتي يمارِسنَ العنفَ الجسديّ واللفظيّ؛ وقد تَصِلُ لدرجةِ القتلِ للآخَرِ، سواءٌ رجلٌ أو امرأةٌ، وهو ما يُخطِّئ معيارَ ربطِ أيِّ سلوكٍ سيئٍ بالجنسِ.

إنّ أهمَّ ما يجبُ التركيزُ عليه الآنَ؛ هو إبرازُ الخلَلُ في المنظومةِ الغربيةِ، وتَعريَةُ النتائجِ الكارثيةِ، التي وصلوا إليها نتيجةً لغيابِ منظومةِ القيَمِ الأخلاقيةِ السويّةِ، فالأصلُ أنّ هذه المنظومةَ الأخلاقيةَ فِطريّةٌ، وهى موَحّدةٌ وثابتةٌ لكُلِّ المجتمعاتِ؛  وبالتالي فإنّ الخلَلَ الذي يصيبُها يجبُ إخضاعُه للدراسةِ؛ لإيجادِ الخُطةِ العلاجيةِ المناسبةِ لِضمانِ عدمِ انهيارِ المجتمعاتِ وانحدارِها، لا تَعميمَها وتَسويقَها، من خلالِ التقليدِ الأعمى، والانخداعِ بالمصطلحاتِ التجديديةِ التي يتِمُ إطلاقُها لتغطيةِ الأهدافِ الحقيقيةِ لذلكَ.

كما علينا ضرورةُ تفعيلِ خطابِنا الحضاري الذاتي إلى جميعِ شرائحِ المجتمعِ العربي، والتأكيدُ على سلامةِ مسارِ النموذجِ المَعرفي العربي؛  وأنّ هذا النموذجَ قد أثبتَ نجاعتَه في كلِّ المراحلِ التاريخيةِ التي تمسّكتْ فيها مجتمعاتُنا بقِيَمِها وأخلاقِها، وأنّ ما نَشهدُه اليومَ من تبَعَيّةٍ ووهْنٍ نتيجةً لِما سبقَ من استسلامٍ للغربِ في تحديدِ خطابِنا، وتوجيهٍ لإعلامِنا، وترتيبٍ لأولَوياتِنا، وتطبيقِ تجاربِه ومبادئهِ الفاشلةِ علينا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى