Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

هادية قديح تصنعُ الكُحلَ العربيَّ للزينةِ وإعالةِ عائلتِها

 

تقرير : السعادة

تحاولُ السيدةُ “هادية قديح” إحياءَ بعضِ الذكرياتِ الفلسطينيةِ، وبعضِ المَوروثاتِ التي ورِثتْها عن أمِّها وعمّاتِها ونِسوَةِ الحيِّ، اللواتي كُنَّ يصنعنَ احتياجاتِهِنَّ من الزينةِ بشكلٍ يدويٍّ أصيلٍ، واحدةٌ من هذه الصناعاتِ الجميلةِ كانت صناعةَ الكحلِ العربي، الذي يشكّلُ جزءًا من تراثٍ شعبيٍّ كبيرٍ مرتَبطٍ بالأفراحِ الفلسطينيةِ وزينةِ النساءِ.

في منزلِ عائلتِها شرقَ “خانيونس”؛ يلتفُّ الأحفادُ والبناتُ وزوجاتُ الأبناءِ حولَ الجدّةِ “هادية”؛ ليراقبوا عن كثبٍ كيف تصنعُ “الكُحلَ العربي”؛ الذي تستخدمُه _منذُ سنواتِ عُمرِها الأولى_ في زينتِها الشخصيةِ، ثم باتت تُهديه للأصدقاءِ والمعارفِ والأحِبّةِ.

وتُدَندِنُ “هادية” البالغةُ من العمرِ (65) عامًا؛ كلماتِ أغنيةٍ شعبيةٍ؛ بينما تُشعِلُ النارَ في إناءٍ صغيرٍ؛ كانت قد وضعتْ فيه قليلًا من زيتِ الزيتونِ، وتُتابِعُها حتى تنطفئَ وتَخمدَ؛ لِتَجمعَ الكحلَ الذي ترَسَّبَ في سقفِ الوعاءِ الحديدي، الذي غطتْ فيه النارَ لتجميعِ الدُّخانِ المُنبَعِثِ.

صناعة تراثية

وتقولُ هادية لـ “السعادة”: إنها حرصتْ منذُ طفولتِها_ كما باقي فتياتِ عائلتِها اللواتي كُنَّ يُبدينَ اهتمامَهُنَّ بصناعةِ الكحلِ وغيرِها من مستحضراتِ التجميلِ_ على تَعلُّمِ طرُقِ الصناعاتِ التراثيةِ من النساءِ الأكبرِ سِنًّا، وخصوصًا من جدّتِها وأمِّها، وذكرتْ أنّها تعلّمتْ هذه الصناعاتِ في سبعينياتِ القرنِ الماضي، أي حينَ كانت العاداتُ والتقاليدُ _التي تَوارَثَها الناسُ عبرَ الزمنِ_ تَحظَى بمكانةٍ وموضِعِ احترامٍ عندَ الجميعِ، أكثرَ من اليومِ.

وتضيفُ:” إنّ الكُحلَ المصنوعَ على الطريقةِ التقليديةِ له لونٌ خاصٌّ، وبريقٌ مختلفٌ، ولا يمكِنُ أنْ يتساوَى أبدًا مع الموجودِ حاليًّا في الأسواقِ؛ إذْ أنّ الأخيرَ سُرعانَ ما يذوبُ في عيونِ الفتياتِ؛ لكنّ الأصليَّ يدومُ وقتًا طويلًا”، وروتْ أنّ “التزَيُّنَ بالكُحلِ ليس حِكرًا على النساءِ فقط؛ بل إنّ الرجالَ العربَ تكَحَّلوا قديمًا؛ وتزيَّنوا بهذا المسحوقِ، الذي يعطي دلالاتٍ على الفرحِ والبهجةِ، ويَرمزُ للجَودةِ والأصالةِ”.

وتَستخدمُ “هادية” في عملِها قِطعًا تقُصُّها من قماشٍ قديمٍ..؛ وعن سببِ ذلكَ، قالت:” إنّ القماشَ الموجودَ في الأسواقِ اليومَ لا يصلُحُ لصناعةِ الكُحلٍ؛ إذْ تحتاجُ صناعةُ الكُحلِ لأقمشةٍ صافيةٍ، وخاليةٍ من النايلونِ ، مضيفةً أنَّ طريقةَ صُنعِها للكحلِ؛ تبدأُ أولًا  بِجمعِ الحطبِ القوي؛ ثمّ تُشعِلُ فيه النارَ؛ وتنتظرُ حتى يصيرَ جمرًا؛ وبعدَ ذلك تضعُ إناءً حديديًّا فِضيَّ اللونِ على النارِ، وتنتظرُ حتّى يَسخَنَ ليكونَ جاهزًا لاستقبالِ قطعةِ قماشٍ مغموسةٍ بزيتِ الزيتونِ؛ ثم تضعُ فوقَ الإناءِ الذي يضُمُّ قطعةَ القماشِ طبقًا مَعدنيًا؛ لتجميعِ الدخانِ الأسوَدِ الذي ينبعثُ من الحرقِ؛ حتّى نحافظَ على سَوادِ اللونِ، وتنتظرُ حتى تحترقَ القطعةُ بشكلٍ كاملٍ؛ وتتحوّلُ لرمادٍ، وهكذا يصيرُ الكُحلُ جاهزًا.

رموز الهوية

وتُنادي الجدّةُ_ بعدَ أنْ يصبحَ الكحلُ جاهزًا_ على أحدِ أحفادِها الصغارِ، وتطلبُ منه جَلْبَ المكاحِلِ النحاسيةِ؛ لتبدأَ بنَقلِ الكُحلِ الجاهزِ لداخِلِها، ويصيرَ جاهزًا للاستعمالِ دونَ أنْ يسبّبَ أيَّ أضرارٍ للبشرةِ والعيونِ؛ وذلك لأنه خالٍ تمامًا من أيِّ موادٍ كيماويةٍ.

وتوَضّحُ “هادية” التي تحتفظُ بِكُحلِها الخاصِّ في مكحلةٍ نحاسيةٍ وَرِثتْها عن جدّتِها؛ أنّ تمَسُّكَها بهذا العملِ هو تمسُّكٌ بالتراثِ الفلسطيني والعربي؛ لأنّ الكُحلَ بشكلٍ خاصٍّ؛ يُعَدُّ من أهمِّ رموزِ الهويةِ العربيةِ منذُ آلافِ السنينَ، ولا تَعُدُّ “هادية” تلكَ المهنةَ مُربِحةً بالشكلِ الذي يوازي تعَبَ ومجهودَ صناعتِها؛ فهي تحتاجُ لأكثرَ من ساعةٍ؛ حتّى تصنعَ كميةً من الكُحلِ تكفي لتعبئةِ مكحلةٍ نحاسيةٍ واحدةٍ.

وأضافتْ: إنّ ابنَها يروّجُ الكُحلَ للنساءِ والفتياتِ في الأحياءِ المجاورةِ؛ بمبلغٍ لا يتجاوزُ الـ (6) دولاراتٍ للعُلبةِ الواحدةِ، التي تكفي للاستخدامِ حوالي “مِائةَ” مرّةٍ، لكنّ الإقبالَ ضعيفٌ، وأشارتْ في حديثِها عن ضعفِ الإقبالِ؛ أنها تُدركُ أنّ سعرَ كُحلِها أعلى من الموجودِ في السوقِ، والذي يباعُ فيه الكُحلُ المُصنَّعُ بالطريقةِ الحديثةِ بمبالغَ زهيدةٍ.

وأردفتْ قائلةً:” إنَّ الفَرقَ الأساسَ يَكمُنُ في الجودةِ؛ ومَن يستخدمُ الكُحلَ الأصلي، الذي لا تُجيدُ صناعتَه سِوَى بعضِ النساءِ كبيراتِ السنِّ في قطاعِ غزةَ، يَعلمُ جيدًا أنّ الكحلَ العادي يختلفُ كليًّا عنه في الخصائصِ والديمومةِ وسَوادِ اللونِ”.

علاج للأمراض

وأشارت الجدّةُ إلى أنّ  الكُحلَ ليس للتزيُّنِ فقط؛ بل هو علاجٌ لبعضِ الأمراضِ الجلديةِ التي تصيبُ أماكنَ تحتَ وفوقَ العينِ، ويساعدُ كذلكَ في إنباتِ الرموشِ، وشدِّ جفونِ العيونِ الهزيلةِ بطريقةٍ تزيدُ من جمالِها، كما أنّه يحافظُ على الرموشِ من التساقطِ الذي يُمكِنُ أنْ تُسبِّبُه بعضُ الأمراضِ”.

وتأمَلُ السيدةُ الستينيةُ أنْ يأتيَ اليومُ الذي تستطيعُ فيه الاستفادةَ من صناعةِ الكُحلِ في تحسينِ أوضاعِ أسرتِها الماديةِ، فهي أمٌّ لثمانيةِ أبناءٍ؛ جميعُهم يسكنونَ معها في البيتِ ذاتِه؛ وجميعُهم لا يعملونَ.. ولا تَحصُلُ العائلةُ على أيِّ مساعداتٍ، في وقتٍ يمرُّ فيه قطاعُ غزةَ بواحدةٍ من أسوأ المراحلِ على المستوى الاقتصادي والإنساني، ما أدَّى لارتفاعِ نِسَبِ البطالةِ والفقرِ بشكلٍ كبيرٍ.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى