Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

لَمّةُ العِيلة

في أيامِ طفولتِنا كُنا ننتظرُ المساءَ، ونعشقُ ساعاتِ ما قبلَ النومِ ، نلهو نحن الأبناءَ مع بعضِنا؛ لتكتملَ الأمسيةُ بحَدّوتةٍ من زمانٍ، أو سردٍ لمواقفَ حياتيةٍ مع ربِّ الأسرةِ ، أو تفاصيلَ لطفولةِ أحدِنا ، تروي الأمُّ مواقفَ يومِ ميلادِ الابنِ الأكبر؛، وكيف وقفَ الأبُ حائرًا يدعو ربَّ السماءِ أنْ يخفّفَ الألمَ ، ويُفّرجَ الكربَ ، لترى في العيونِ رسائلَ وهمساتٍ تستشعرُ دفءَ العلاقةِ، وحقيقةَ الحبِّ الكامنِ بينَ كِلَيهِما ، ليَخرُجَ بتنهيدةِ عشقٍ مُتدَفقةٍ، وابتسامةِ حنينٍ تملأُ العيونَ ، ونعودَ لنسمعَ قصصَ الآباءِ والأجدادِ وذكرياتِهم وأوجاعِهم وجميلِ صنيعِهم وارتباطِهم بالأرضِ والزرعِ .

لم نُلقِ بالاً لتلفازٍ، و لم نلتفتْ لكَهرُباء ، فَعشِقْنا العتمةَ؛ كَونَها محطةَ تَجمُّعٍ  والتقاءٍ والتفافٍ حولَ كانونِ نارٍ، أو لقيماتِ دُقةٍ وزيتٍ، وبِضعةِ أقراصٍ من الفلافل .

هكذا أحِبّتي كُنا بلا مواقعِ تَواصُلٍ؛ لأننا كُنا نحن التواصلَ، ما احتَجْنا إلى “نت” أو محرّكِ بحثٍ؛ فكان الوالدُ هو العنوانَ، ومَخزنَ المعلوماتِ، ورُكنَ المعرفةِ ، لم نحتاجْ إلى كهرباء أو مولّداتٍ؛ فبريقُ عيونِ أمي كان كافيًا ليُضيءَ حياتَنا، ويُنيرَ دربَنا؛ هكَذا كُنا نقضي أوقاتَنا ، نعملُ نهارًا ونسهرُ ليلاً .  

أحبّتي : لقد كانت سطوري السابقةُ إجابةً على سؤالِ؛ كيف كنتم تعيشونَ بلا مواقعِ تَواصلٍ، أو شبكاتِ نت ؟ لقد كُنا أكثرَ سعادةً ، تَجمعُنا غرفةٌ ضيقةٌ؛ أوسعُ من فضائكم الأزرقِ ، كان التواصلُ قويًّا في حضورِ الأبِ ودِفءِ الأمِّ ، والتفافِ الإخوةِ ، بل كلماتي السابقةُ هي دعوةٌ للعودةِ للماضي وذكرياتِه ؛ لنلتقيَ من جديدٍ حولَ ذكرياتِ الأبِ ومغامراتِه، وحَنينِ الأمِّ وتدَفُقِ حبِّها  في ليالِ سهرٍ وأيامِ تعبٍ ، هي فرصةٌ لإعادةِ أفرادِ الأسرةِ إلى مكانِها ، ليستعيدَ الأبُ مكانتَه؛ وتعودَ الأمُّ إلى رُكنِها؛ ويلتقيَ الإخوةُ من جديدٍ حولَ طاولةٍ واحدةٍ .

يؤسِفُني أنه لم يَعدْ للأبِ مكانةٌ ولا مساحةٌ للاستشارةِ ، فالسيد “جوجل” حاضرًا؛ ويمدُّكَ بالمعلوماتِ- لكنْ لا تنسَ-قد تكونُ صادقةً؛ لكنْ تفتقدُ إلى عمقِ التجربةِ وصِدقِ الكلمةِ، والحرصِ على المصلحةِ ، فالأبُ عنوانُ العمقِ والصدقِ والحرصِ .

قد تَدعمُكَ مواقعُ التواصلِ بصوَرٍ جميلةٍ؛ لكنْ لا روحَ فيها، ولا دفءَ محبةٍ ، فالأمُ عنوانٌ لجمالِ الروحِ، ومحطةُ الحنينِ والمحبةِ . 

هي خطوةٌ للوراءِ؛ لنَنطلِقَ خطواتٍ وخطواتٍ للأمامِ نحوَ صِدقٍ ومحبةٍ ، فمواقعُ التواصلِ رُبما قرّبتْ البعيدَ؛ لكنها قطَعتْ القريبَ ، نجلسُ في غرفةٍ واحدةٍ بلا حضورٍ؛ بعيونٍ مسافرةٍ وروحٍ غائبةٍ .

هي دعوةٌ لأنْ تَعودَ العائلةُ إلى مُرَبَّعِها ودَورِها ومكانتِها ، تعودَ جسمًا جامعًا للأسرةِ بكُلِّ مكوّناتِها ، نسردُ ذكرياتِ الوطنِ والحنينِ إلى الأرضِ ، ونشتاقُ إلى زرعِها ونباتِها وعذبِ مائها .

إنها العائلةُ بصِدقِ تَواصُلِها، ودفءِ أنفاسِها ، بعنوانِها ورُكنِها الشديدِ، وتفاصيلِها الجميلةِ والأصيلةِ ، ليعودَ الأبُ قدوةً والأمُّ عنوانًا ، والإخوةُ أنسًا وموَدّةً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى