كلُّ مُتوَقَعٍ آتٍ ..فلا تتوقّعْ الهَمَّ والحزنَ فيُصيبَكَ

إعداد : السعادة
تتغيّرُ أحوالُنا بشكلٍ مستمرٍّ، فالثابتُ الوحيدُ في الحياةِ هو التغييرُ، ومع هذه التقلُّباتِ والخوفِ من المستقبلِ والمجهولِ؛ يشعرُ البعضُ بالقلقِ الشديدِ حيالَ ما يُخبِّئُه له القدَرُ، ويتطورُ الأمرُ إلى أنه يشعرُ بالحزنِ ممّا يخافُ وقوعَه، ويعيشُ الكارثةَ وكأنّها وقعتْ بالفعلِ، وهو ما يسمَّى “الحزنُ الاستباقي” أو “الحزنُ التوَقُّعي”.
والحزنُ الاستباقي هو ذهابُ العقلِ إلى المستقبلِ، وتَخيُّلُ الأسوَأِ، ومن ثَمَّ الشعورُ بالقلقِ والحزنِ حيالَ المصائبِ التي من المُحتمَلِ حدوثُها، وتقولُ الطبيبةُ النفسيةُ “ماري فرانسيس أوكونور” :”ببساطةٍ، الحزنُ التوَقُّعي هو الشعورُ بالحزنِ من معرفةِ احتمالِ فقدِ أحدِ الأحِباءِ، وتَخيَّل هذا بوضوحٍ شديدٍ؛ لدرجةِ أنك تشعرُ بألَمِ الفقدِ قبلَ حدوثِه”.
وتتعدّدُ أسبابُ الحزنِ الاستباقي؛ وله عِدَّةُ علاماتٍ؛ فما أسبابُه وعلاماتُه؟ وهل يساعدُ في تخفيفِ حِدّةِ الحزنِ الحقيقِ عندَ وقوعِ الخسارةِ؟ وكيف نتعاملُ معه؟
أسبابُ الحزنِ الاستباقي :
من أسبابِ الحزنِ الاستباقي في أغلبِ الأوقاتِ؛ أنْ يعيشَ الأشخاصُ الحزنَ الاستباقي عندَ معرفةِ أنَّ أحدَ أحِبائهم يحتضِرُ، أو تمَّ تشخيصُه بمرضٍ مزمِنٍ، أو أنْ تشعرَ أنَّ زواجَكَ في طريقِه للانتهاءِ، أوِ الخوفُ المستمرُّ من تَقدُّمِ الوالدينِ في العمرِ وفقدانِهما.
وحتى التغييراتُ المُخطَّطُ لها؛ والمرغوبةُ في الحياةِ؛ يُمكِنُ أنْ تؤدّي إلى حزنٍ استباقي؛ كالخوفِ من فقدانِ العملِ، أو الانتقالِ إلى مدينةٍ جديدةٍ، أو تغييرِ الوظيفةِ، أو سَفرِ أحدِ أفرادِ الأسرةِ للعملِ أوِ الدراسةِ.
تأثيراتُ الحزنِ الاستباقي على النفسِ والجسدِ:
يؤَثِّر الحزنُ الاستباقي على مشاعرِ وسلوكِ الأفرادِ بشكلٍ مختلفٍ، كما تختلفُ شِدّتُه من شخصٍ لآخَرَ، وهذه بعضُ العلاماتِ الشائعةِ:
- الشعورُ بضغطٍ عاطفي، والرغبةِ في البكاءِ المستمرِّ.
- الشعورُ بالوحدةِ .
- الانفعالُ والشعورُ بالغضبِ.
- العزلةُ والابتعادُ عن المناسباتِ الاجتماعية.
- الرغبةُ في الحديثِ والفَضفَضةِ.
- الإصابةُ بالاكتئابِ والقلَقِ الشديدِ.
- الشعورُ باليأسِ وجلْدِ الذاتِ.
- الشعورُ بالخمولِ أو عدمِ وجودِ دافعٍ .
- فقدانُ السيطرةِ على المشاعرِ.
- الحزنُ الاستباقي يخلقُ مشاعرَ مضطّربةً
بالنسبةِ لبعضِ الأشخاصِ، قد يساعدُ الشعورُ بالحزنِ الاستباقي في المعالجةِ التدريجيةِ للمشاعرِ الناتجةِ عن الخسارةِ؛ وهو ما يخفّفُ الألمَ الواقعَ بعدَ الفقدِ.
يمكنُ أنْ يساعدَ الحزنُ الاستباقي في دفعِ الأشخاصِ إلى التحضيرِ لِما يترقبونَ حدوثَه، على سبيلِ المثالِ؛ أولئكَ الذين يتوقعونَ وفاةَ أحدِ أفرادِ أُسرتِهم، يمكِنُهم خلالَ هذه الفترةِ التحضيرُ للتغيّرِ الذي سيَحدُثُ في حياتِهم، اجتماعيًّا وماديًّا ونفسيًّا.
يساعدُ الشعورُ بالحزنِ الاستباقي في المعالجةِ التدريجيةِ للمشاعرِ الناتجةِ عن الخسارةِ؛ لكنْ من ناحيةٍ أخرى؛ وجدتْ دراساتٌ أنَّ الأشخاصَ الذين عانوا من الحزنِ الاستباقي؛ كان حالُهم أسوأَ خلالَ الأشهرِ الأُولى بعدَ وفاةِ أحِبّائهم؛ من أولئكَ الذين لم يشعروا بالحزنِ التوقّعي.
ويُمكِنُ أنْ نُرجِعَ هذا إلى أنّ الحزنَ الاستباقي يكونُ مصحوبًا بمشاعرَ مضطَّربةٍ، وعدمِ يقينٍ حِيالَ ما سيَحدُثُ؛ إذْ نتخيّلُ العديدَ من السيناريوهاتِ المختلفةِ بعدَ الخسارةِ؛ لكنْ لا يُمكِنُنا التأكُّدُ ممّا سيكونُ عليه هذا المستقبلُ حقًّا؛ ونتيجةً لذلكَ نَفقِدُ إحساسَنا بالأمانِ؛ ما يؤدّي إلى مجموعةٍ من المشاعرِ الضاغطةِ والمُستَنفِرةِ للطاقةِ، والتي قد لا نشعرُ بها بعد حدوثِ الخسارةِ بالفعل.
أساليبُ تُخلِّصُكَ من الحزنِ الاستباقي؟
ينصحُ المختَصّونَ النفسيُّونَ بمجموعةٍ من الأساليبِ التي يمكِنُ أنْ تساعدَ في التعاملِ مع الحزنِ الاستباقي، إليكَ بعضَها:
عندما يأخذُكَ عقلُكَ إلى المستقبلِ وسطَ السيناريوهاتِ المتعدّدةِ المجهولةِ؛ عليكَ أنْ تأتيَ بنفسِكَ إلى الحاضرِ، وتُرَكِّزَ على ما تعيشُه الآنَ؛ وهو أمرٌ مألوفٌ لِمن يمارسونَ التأمُّلَ واليقظةَ.
ولممارسةِ ذلكَ، يُمكِنُك ملاحظةُ أحاسيسِكَ عن طريقِ الحواسِّ الخَمسِ؛ (ما تراهُ، وما تَسمعُه، وما تَشمُّه، وما تتذوّقُه، وما تلمسُه) ، وتسمِّيه (5) أشياءٍ حولَك، وتَوجيهُ وَعيِّكَ لِلَّحظةِ الحاليةِ، والاندماجُ في النشاطِ الذي تَفعلُه الآنَ.
اتَّبِعْ مشاعرَكَ
يمكنُ أنْ يكونَ التعاملُ مع الحزنِ التوَقُّعي أكثرَ صعوبةً من التعاملِ مع الحزنِ بعدَ الفقدِ؛ لأنّ مَن حولَكَ قد يتساءلونَ عن سببِ حزنِكَ قبلَ حدوثِ الفقدِ؛ ما قد يُشعِرُكَ بالذنبِ، أو عدمِ تصديقِ مشاعرِكَ واستنكارِها؛ لذلك تذَكّرْ أنّ الحزنَ الاستباقي هو أمرٌ طبيعيٌّ وشائعٌ، ويُمكِنُ التعاملُ معه.
لا تتوَقَّعْ السيِّئَ
لا يُمكِنُكَ التحكُّمُ فيما هو خارجُ إرادتِكَ، فمَرضُ أحِبائكَ خارجٌ عن سيطرتِك وقدرتِك، ولا يُمكِنُك التحكّمُ به؛ لذلك الانغماسُ في القلقِ والحزنِ حيالَ ما لا يُمكِنُكَ التحَكُّمُ به؛ لن يساعدَ في تخَطي الأمرِ بفاعليةٍ؛ ولكنْ فكِّرْ فيما يُمكِنُكَ فِعلُه؛ مِثلَ تقديمِ الدعمِ اللازمِ لهم، والدعاءِ والحفاظِ على صحتِكَ وطاقتِكَ من أجلِ مساعدتِهم.
عَيشُ اللحظةِ
يمكِنُ النظرُ إلى الحزنِ الاستباقي على أنه استعدادٌ لِما سيَقعُ، واستغلالُه لمواجهةِ الخسارةِ الوشيكةِ؛ وهو ما سيَمنحُكَ فرصةً لقضاءِ وقتٍ أكثرَ مع مَن تُحبُّ، وتَوديعِه بشكلٍ لائقٍ، أو إذا كان هذا الحزنُ بسببِ التنَقُّلِ إلى بلدٍ آخَرَ؛ يُمكِنُكَ محاولةُ البحثِ عمّا تفعلُه عندَ الانتقالِ لتحسينِ حالتِكَ النفسية.
فَضفَضةٌ لِمن ترتاحُ له
من المُهِمِّ التأكُّدُ من وجودِ شخصٍ ما للتحدُّثِ معه؛ يُمكِنُه تَفَهُمُ ما تمُرُّ به، وقد يكونُ هذا شخصًا آخَرَ يعاني من حزنٍ استباقي، أو مُعالِجًا متخصّصًا في الحزنِ، أو مجموعةَ دعمٍ للأشخاصِ الذين يَمُرُّونَ بالشيءِ نفسِه الذي تَمرُّ به.
استَشِرْ مختصّينَ
يمكِنُ الاستعانةُ بأحدِ المختصّينَ النفسيِّينَ لِتَعلُّمِ مهاراتِ علاجِ السلوكِ الجَدلي؛ إذْ يتِمُّ تحديدُ الأفكارِ المتعلقةِ بالحزنِ ومعالجتُها، ويتعلمُ الشخصُ الحزينُ كيفيةَ إعادةَ تقييمِ أفكارِه ومشاعرِه حولَ نفسِه والظروفِ المحيطةِ به، والفصلِ بينَ الحقائقِ الواقعةِ بالفعلِ، وبينَ الأفكارِ السلبيةِ غيرِ الحقيقيةِ، وكيفيةَ إدارةِ تلكَ المشاعرِ المؤلمةِ.