الاحتياجُ الصحي للمرأةِ والتمويلِ
مَشهدٌ قد نراهُ كلَّ يومٍ، وكلماتٌ نَسمعُها على لسانِ الكثيرِ من النساءِ في مجتمعِنا، وقصصٌ باتتْ متكررةً في الجلساتِ النسائيةِ، نقتربُ من سِنِّ الأربعينَ، وتظهرُ علينا أعراضُ التعبِ والوهنِ، ونشعرُ بآلامِ الساقينِ والعظامِ؛ معَ كلِّ مجهودٍ يُبذَلُ، مشيةٌ متأنيةٌ وبطيئةٌ، وبعضُ الانحناءِ، يتداعَى الجميعُ من حولِك استشيري طبيبًا.
تُحاولُ البحثَ عن خدمةٍ صحيةٍ في “متناوَلِ اليدِ”، أي خدمةً تتناسبُ مع أوضاعِها الاقتصاديةِ، في ظِلِّ وضعٍ اقتصاديٍّ بائسٍ، جراءَ حصارٍ احتلاليٍّ غاشمِ؛ ضربَ أطنابَه على كلِّ مناحي الحياةِ في مجتمعِنا، وخلفَ أضرارٍ اقتصاديةٍ بالغةٍ أثّرتْ على كلِّ أفرادِ المجتمعِ؛ ومنهم النساءُ.
فيكونُ الخِيارُ الأولُ نحوَ العياداتِ التابعةِ لوكالةِ غوثِ وتشغيلِ اللاجئينَ “الأونروا “، ومع الكشفِ الأولي يتضِحُ أنّ هذه السيدةَ تعاني من أعراضِ نقصٍ للفيتاميناتِ، وأنيميا، وسوءِ تغذيةٍ؛ أثّرتْ على صحتِها، فتكونُ الإجابةُ: نأسفُ الفحوصاتُ المتخصصةُ، والعلاجُ اللازمُ غيرُ متوَفرٍ في المختبراتِ والصيدلياتِ التابعةِ للأونروا، و عليكِ إجراءَ هذه الفحوصاتِ وشراءَ الأدويةِ من مكانٍ آخَرَ؛ مع التنويهِ أنّ هذه الفحوصاتِ والعلاجاتِ باهظةُ الثمنِ .
تتوَجّهُ المرأةُ لعياداتِ الرعايةِ الأوَّليةِ المنتشرةِ في جميعِ المحافظاتِ، والتابعةِ لوزارةِ الصحةِ، فيكونُ نفسُ المشهدِ، ونفسُ الردِّ تأكيدًا على التشخيصِ، وأسَفٌ لعدمِ التمكُّنِ من المساعدةِ في العلاجِ.
وهنا يبدأُ الجميعُ بنُصحِها بالتوَجّهِ للمراكزِ الصحيةِ التابعةِ للمؤسساتِ والجمعياتِ الخاصةِ بتقديمِ الخدماتِ للنساءِ، وهنا تكونُ المفاجأةُ أنّ هذه التحاليلَ والأدويةَ والتي هي حاجةٌ مُلِحّةٌ للنساءِ، وأولويةٌ للحفاظِ على صحتِها وحياتِها ، والتي هي هدفٌ من أهدافِ إنشاءِ هذه المؤسساتِ ؛ إمّا أنها غيرُ موجودةٍ، أو أنها موجودةٌ ولكنها غيرُ مدعومةٍ؛ أي تُقدَّمُ بأسعارٍ باهظةٍ غيرِ قابلةٍ للتخفيضِ في السعرِ، ولا تُقدّمُ إلا لمَن يملكُ ثمنَها _ وبالتالي لا تستطيعُ الكثيرُ من النساءِ الانتفاعَ بها_ ومن هنا تبقَى المشكلاتُ الصحيةُ للكثيرِ من النساءِ عُرضةً للتدَهورِ والسوءِ دونَ حلٍّ ، فقِلّةُ ذاتِ اليدِ تجعلُ النساءَ يُقدِّمنَ احتياجاتِ الأسرةِ على العلاجِ ، و يتنازلنَ عن احتياجاتِهنّ الصحيةِ لعدمَ توَفُرِ المبلغِ اللازمِ للعلاجِ .
عندَ السؤالِ عن المبالغِ اللازمةِ للعلاجِ؛ كانت مقسَّمةً كالتالي: تحاليلُ متخصصةٌ بمعدلِ (30)دولارًا، وسِعرُ العلاجِ (30) دولارًا أيضًا، أي تكلفةُ الفحوصاتِ والعلاجِ (60) دولارًا شهريًّا تقريبًا؛ وهو مبلغٌ كبيرٌ إذا علِمنا أنه _ووفقَ أحدثِ بياناتِ الجهازِ المركزي للإحصاءِ الفلسطيني_ يبلغُ معدّلُ الأجورِ في قطاعِ غزةَ (43) شيكلاً، (13 دولارًا) يوميًّا، أي (390) دولارًا شهريًّا، كما تشيرُ بياناتُ جهازِ الإحصاءِ إلى أنّ ثُلثَ العاملينَ في القطاعِ الخاص (130 ألفَ عاملٍ)، يتقاضونَ أقلَّ من الحدِّ الأدنى للأجورِ بقيمتِه الحاليةِ.
لذلكَ، وفي إطارِ ما سبقَ، و ما يتمُ ترويجُه من قوانينَ ومعاهداتٍ لحمايةِ المرأةِ ؛ يجبُ دراسةُ الاحتياجاتِ الصحيةِ للمرأةِ ، والعملُ بكلِّ جدٍّ من أجلِ إعطاءِ المرأةِ حقَّها في العلاجِ؛ وذلكَ من خلالِ توفيرِ إجراءِ التحاليلِ والفحوصاتِ اللازمةِ بشكلٍ (مَجاني أو شِبهِ مجاني)؛ و هو أولويةٌ للحفاظِ على صحةِ النساءِ وسلامةِ المجتمعِ، الذي تشكّلُ المرأةُ نِصفَه، وأنّ على أصحابِ القرارِ والمسؤولينَ وَضْعَ أولوياتِ النساءِ الصحيةِ على رأسِ المشاريعِ المقدّمةِ للداعمينَ والمموّلينَ والمانحينَ، وعدمَ إخضاعِ ذلكَ لأجِنداتِ المموّلينَ وأهدافِهم؛ سواءً كانت أهدافًا معلَنةً، أو أهدافًا غيرَ معلَنةٍ ، و التنسيقَ بينَ جميعِ الجهاتِ التي تقدّمُ خدماتٍ للمرأةِ للعملِ على التكاملِ في تقديمِ الخدماتِ، فلا يُعقَلُ على سبيلِ المثالِ أنْ نجدَ عياداتِ “الأونروا” ، ومؤسّساتِ المرأةِ؛ تدعمُ برنامجَ تنظيمِ الأسرةِ بمبالغَ طائلةٍ، وبشكلٍ مجّانيٍّ كاملٍ؛ ولا تستطيعُ توفيرَ بعضِ الفيتاميناتِ الأساسيةِ اللازمةِ لكُلِّ امرأةٍ حسبَ ما أعلنتْ منظمةُ الصحةِ العالميةِ.